شدّد نائب رئيس المحكمة الابتدائية المدنية بالدارالبيضاء، على «ضرورة اعتماد الحكامة الجيدة التي تقوم على النزاهة، الشفافية، الاستقلالية والتواصل ثم ربط المسؤولية بالمحاسبة، والتي تعتبر ملزمة لكافة مكونات العدالة». ونبّه الأستاذ عبد اللطيف وردان الذي كان يتحدث في مداخلة له خلال أشغال اليوم الدراسي الذي نظمته الجمعية المغربية للخبرة في الأضرار البدنية يوم السبت 23 يونيو 2018 بكلية الطب والصيدلة بالدارالبيضاء، إلى «أن المنازعات التي تطرح على المحكمة ويستوجب الفصل فيها اللجوء إلى الخبرة تنطلق من الشواهد الطبية، التي يعرف تسليمها إشكالية كبيرة»، مؤكدا على أن نسبة مهمة من الحوادث، سواء تلك التي تخص مجال الشغل أو السير، هي «حوادث وهمية مما يكلف خزينة الدولة مبالغ هامة وطائلة، فضلا عن تأثيرها على الأمن القضائي»، مشددا على «أنه من غير المقبول أن يصبح أحد الضحايا متابعا لأن من عنّفه توصّل إلى شهادة طبية تجهل ظروف الحصول عليها».
وأوضح العرض أن «لجوء القاضي لطلب الخبرة لا يعتبر سلطة سيادة وإنما يمليها نص القانون أو بحسب طبيعة النزاع»، ووقف عند إشكال آخر يتمثل في كون عدد من الخبراء الذين يتم انتدابهم من طرف المحكمة لإجراء خبرة لفائدة مواطن مدّعي ضرر ما، يكونون مستشارين عند شركات هي طرف في دعاوى وقضايا مطروحة على أنظار المحكمة، كما هو الحال بالنسبة لعدد من الأطباء، فيمارس هؤلاء الخبراء مهامهم بعيدا عن الحيادية، مشددا على أن هذا الأمر هو يعد أحد أسباب التجريح التي يكفلها القانون حتى يتم تعويض الخبير المذكور، علما بأنه هو الذي يجب أن يعتذر عن القيام بالخبرة ويتنحى تلقائيا من خلال كتاب يوجهه للمحكمة، ودعا بالمناسبة إلى إعادة النظر في الأجل القانوني للتجريح حتى لا يبقى مقتصرا على 5 أيام.
نائب رئيس المحكمة الابتدائية المدنية ، الذي كان يتحدث في إطار مداخلة له حول الرقابة القضائية لعمل الخبير، أكد على «أن القيام بالمراقبة القضائية لعمل الخبير يتعذر في عدد من الحالات كما هو الشأن بالنسبة لحوادث الشغل وحوادث السير التي تعد بعشرات الآلاف على الصعيد الوطني، علما بأنه يجب احترم الآجال المعقولة»، وتطرق إلى العديد من الأعطاب التي يقف عليها القضاة في الشق المتعلق بالخبرات القضائية، كما هو الحال بالنسبة للخبرات التي لا تنجز إلا نادرا، والتي يكون طرفا العلاقة فيها أطباء، إذ لا ينجز عدد منهم الخبرات التي تخص الأخطاء الطبية حتى لا يحملوا زملاءهم المسؤولية، وهو ما اعتبره المتدخل «إخلالا خطيرا في واجبات الخبير، ويتطلب معه ربط مبدأ المسؤولية بالمحاسبة لأنه يؤخر البت في ملف». وأشار القاضي المتحدث «إلى أن قانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية نصا على إمكانية مطالبة الخبير بالتعويض عن تأخير الملف والحكم عليه بغرامة لفائدة الخزينة العامة»، مشددا على « أن هذا الأمر يعتبر خطأ تأديبيا يستوجب عرضه على أنظار المجلس التأديبي بوزارة العدل».
وواصل الأستاذ وردان مداخلته بالتطرق لعدد من النقاط التي يعرفها مسار الخبرة الطبية في المغرب، كما هو الشأن بالنسبة لتلك التي تخص حوادث الشغل وحوادث السير، وأشار إلى نقطة وقفت عندها هيئة التفتيش المركزية القضائية في وقت سابق أمام قضاة المحكمة المدنية الموحدة آنذاك، حيث تم التوصل في خبرات حوادث الشغل إلى «أن أغلب الخبراء لا يقدمون طلبا للحصول على مصاريف أتعابهم للخزينة العامة، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول قيامهم بعمل دون أجر؟
ودعا نائب رئيس المحكمة الابتدائية المدنية بالدارالبيضاء في ختام مداخلته « إلى ضرورة وضع خارطة وطنية للخبراء بالنظر إلى أن ثلثهم يتمركزون بالدارالبيضاء ، وذلك بنسبة 34 في المئة، وبالتالي ضرورة تفعيل الفصل 6 و117 من دستور 2011، وشّدد على أهمية وقف طلبات التعيينات في جدول الخبراء في الدارالبيضاء، كما نبّه إلى عدم إلمام عدد من الخبراء مبدئيا وبشكل عام، بالقوانين المؤطرة للخبرة القضائية في قانون المسطرة المدنية وبعض القوانين التي لهم علاقة بتطبيقها، قانون حوادث السير وقانون حوادث الشغل ثم مدونة الأسرة في ما يتعلق بالأهلية والخبرة في المجال العقاري إبطال التصرفات، وإلى تعثر إجراءات التبليغ، ورفض بعض الخبراء التوصل بالأحكام القاضية بتعيينهم بدعوى عدم كفاية الأتعاب أو الأجرة أو الاستناد لأسباب شخصية كعدم إجراء خبرة طبية يكون الطرف الآخر فيها وموضوعها هو طبيب زميل، مما يستوجب المساءلة، لافتا لانتباه كذلك إلى أن الطبيب الخبير مورد رزقه الأساسي هو العيادة، لكن البعض أصبح مورد رزقه الأساسي هو المحكمة، وهو الواقع الذي استوجب، بحسب المتحدث، لفت الانتباه إليه كذلك.
واختتم العرض بالإشارة إلى «أن عددا كبيرا من الخبرات لا ينجز في الآجال المحددة»، ونبّه إلى إشكالية عدم تواصل بعض الخبراء مع المحكمة، وصياغتهم لتقارير ناقصة بإغفال بعض النقاط الواردة في الحكم التمهيدي، وعدم تفعيل الفصل 63 باستدعاء الأطراف ومحاميهم، بالإضافة إلى قيام بعضهم بتكليف مساعدين للمساعدة على إنجاز الخبرة، خاصة في حوادث السير وحوادث الشغل، والحال أن الطبيب الخبير هو من يجب أن يقوم بمهمته شخصيا من البداية إلى النهاية، فضلا عن اتسام بعض التقارير بعدم الدقة والتفصيل، مقترحا عددا من الحلول والتوصيات لمحاولة تجاوز هذه النقائص وغيرها.
أعطاب تؤثر على «نجاعة الخبرة الطبية» تأثير الشواهد الطبية على «الأمن القضائي» وخبراء يرفضون إجراء خبرات لتحديد أخطاء ارتكبها زملاؤهم

الكاتب : وحيد مبارك
بتاريخ : 26/06/2018