أفـــــُول

هذا البيتُ ربــعٌ،
هِرْميسيُّ الطَّبْـع.
نَصْبٌ، نِصْف وَثــَنْ.
وأَنتَ وحْدَكَ الطّينْ.
وَحْدكَ، في عِنادٍ قَبَلِيٍّ
تَلُوكُ ذِكـــــْراهْ
تَلوكُها، تلْفَظُها
عُباباً بِلَا جوْهَرْ
تَلُوكُها كلّما تَكَلَّستِ
العواصِمُ الْقَديمـــه
فِي كَنانِيشِ السّهْوِ:
كُلَّما فَرّتْ مــُدُنٌ،
وَفرَّتْ مِنْ حَوَالَيْكَ
أَطْيافُ أَرْصِفَة
نَكَّسَها عَلَى عتَبَاتِ
الْكَنَائِسِ
وَ الأَدْيِرَةِ
وَ الْقِبَبِ الرَّبَّانيّه
فرْسَانٌ وَ خِيَـــــلٌ
مِنْ حِبْرٍ صِينْيٍّ تَليدْ،
حينَ طَوَى الْمُحِيطُ
عَلَى سَبيلِ الْمَحْوِ
آخِرَ قِلاعِ النَّصْرِ
مَذْعوراً، بلا ثَغْر
بِلَا ذَاكِرَه.
أَمَّا أَنا،
فَلَا طَبَق فَوْقَ رَأْسِـــــي،
ولَا قدِّيسة تَغْمِسُ الْآتِيَ
مِنْ خَطْوِي في بَحْرِ عَيْنَيْهَــــا.
وحِيداً، أَصِيحُ فِي مَسْمَعِ الْبُوم
عَلَى مُطْلَقِ الْبَوْح:
لَا وَطَنَ بعْدَ الْيَوم،
قُلْتُ،وَقَالَها الْحَارِثُ ابن هُمَامْ
مِنْ قَبْلُ وبعْـــــدُ
فِي مَجْمَعٍ بِلَا جُمْـــهُور
حِكَايَةً في مَبْغَى الْبَدِيعْ،
قَالَها مِنْ وَرَاءِ قِنَاعٍ أَعْمَش،
بَعيداً عَن النثْرِ
قرِيباً مِنَ الشِّعْرِ،
ثُمَّ انْزَوَى مَعي فِي حَاشِيّــة
مِنْ كِتَاب دُونْ كِيشُـوت.
لا وطن بعد اليـوم،
حَتّى وَ إِنْ صَهَلَــتْ
فِي الْبَرَارِي طَوَاحِيـــنُ
مِنْ غُبَارٍ مَاطِــر،
حَتّى وَ إِنْ انْتَصَبـَتْ
نَخْلَةٌ ثَكْلَى فِي مَبِيضِ الشَّرْق.
هَذا الْمكانُ صَلْد،
طَرْواديُّ الْحَظِّ، صَفـْوان،
كَنَهْدِ صُبَّارٍ صَحْــرَاوِيّ.
هَا أَنْتَ الْآن وَحْـــــدَكَ
تَوْأَمُ الظِّل،
تُوَاعِد الرّيح
بعْدَ أَنْ أشْرَعَتْ
دَقَلَهَا للنّسْيَانِ، للـتّيهَانْ،
وَظَلَلْتَ عَلَى حالِكَ مُنْتَصِباً
حَائِرا، فِي طِينِكَ النّرْجِسِيّ
تَشْرَبُ مِنْكَ الشّمسُ،
إِذْ تَظْمَأُ السّنُون،
فَلَا تَغَــارْ،
وَكَيْفَ تَغَارُ مِنْ لَهَب
وَهَذا الْمَكَانُ نَصْبٌ
رَمَادِيُّ النَّبْض..
أَتُمَانِعُ الرّيـــــــحْ؟
وَالْخَطاطِيفُ تَلْثَمُ الْحقْلَ فَجْراً
أَ تُمَانِعُ ، وَتَقْطَعُ الْيَمِين
مِنْ بَيْنِ يَدَيْ بَلْقِيسْ،
تُخْفِي الْكِتَـــابْ
وَتَتْرُكُ الشِّرَاعَ للْحَرْث
عَلَى كِعَابِ الْغَدْر؟
كَيْفَ، إِذن، أَحْرَقْتَ الْأَرْخَبيلَ جُمْلَةً،
ثُمَّ بَكَيْتَ لَيْــــــــلَاكَ
عَلَى بَابِ الْقَصِيدَة؟
الآنَ- فقط- آنَ لِي
اَنْ اَنْسَلَّ مِنْ حُلْمِي
وَمِنْ بَقَايَا وَجْهِي دُفْعَةً واحِدة.
آنَ لِي أَنْ أَحْفُرَ
خَنْدَقا ثَانيا في حَواشِي
المخطوطات الأَسِيرَة،
فِيمَا نَبُذَ مِنْ حَواسِّيَّ الْأَلْف
مِنْ أُلْفَةِ الْآتِي وَالْلَّا آتٍ.
فَقَطْ، كَيْ أُكَيِّفَ رُوحِـــي
لِنَسْغٍ جَليدِيٍّ جَديــــــــدْ
وَأُطِلَّ بِثِقْلِ أَمَاسِـــــــيّ
خلْفَ وَهجِ بُرْكَانٍ قَديمْ
رُبّما، فِي آخرِ رِحْلــةٍ،
عَلَى آخِرِ دَوْرةٍ للْأَرض مِنْ حَوْلي
وَحَوْلَ الْكَأْسِ الْتي ابْطَلَت
كُلَّ إِمْكَانٍ مَنْطِقِيٍّ
للْإِقامَةِ في نَهْرِ الْحَيـــاة.
آنَ لِي أَنْ أَنْسَفَ الْأمْكِنة
أَنْ أَخْلُدَ للْإِمْكَان، لِعِلّـــَةٍ
في تَنْزِيلِ مَواسِـــــــــم
الْأِبْحارِ فِي عُتْمِ الْفُرَاتْ
حَتّى إذَا تَتَوأَمْتُ مَعَ النّـــــــــــار
عُدْتُ خَاسِئا إلَى نَعْشِيَّ الرُّخَاميّ
كَكُلِّ مُومْياءٍ تَحْلُمُ بِفَتْلِ رُمُوشِها
قَبْلَ أُفُولِ آخِرَ نَهارٍ
مِن رِحْلَةِ الْبَحْثِ عَنْ عُشْبةِ الْخُلُود.


الكاتب : العمري عبد الرزاق

  

بتاريخ : 12/01/2024