أفلام غيرت العالم 12 – كلمة شرف

 

هناك تعريف شائع يقول بأن السينما هي إعادة ترتيب الوعي في عقول الجمهور، فالسينما ليست فقط مرآة تعكس ما يجري في المجتمع بل أيضا أداة لإعادة تشكيل المجتمع.
فإذا كانت السينما، ككل الفنون، أداة للتعبير عن رؤية معينة اتجاه الواقع، إلا أن تأثيرها على الناس أقوى من كل أدوات التعبير الفنية الأخرى، حيث استطاعت، منذ ظهورها، أن تشكل قوة مؤثرة في الرأي العام، قوة قادرة على تكوين أو المساهمة في تكوين رؤية مشاهديها لهذا العالم وأن تؤثر بشكل ملحوظ في تغيير نظرتنا للواقع بمختلف تجلياته.
ضمن هذا الاتجاه تميزت أفلام عديدة، بكون تأثيرها كان أقوى من غيرها حيث انها كذلك قادت إلى تغيير قوانين، سياسات، سلوكيات وأفكار، كان العديد منها يعتبر من المسلمات، وبذلك تتضح القدرة الفائقة للسينما على تغيير الواقع والوعي الإنساني.
في هذه السلسلة مجموعة من الأفلام التي، بفضل جرأتها، ثرائها الفني وعمقها الإنساني، استطاعت أن تساهم بشكل كبير في تغيير العالم إلى الأفضل.

 

يحسب للفنان المصري فريد شوقي أنه ساهم، كتابة وتمثيلا، في إنجاز إثنين من ثلاثة أفلام سينمائية غيرت قوانين مجحفة في بلاده.
كانت البداية مع فيلم “جعلوني مجرما” الذي اخرجه عاطف سالم سنة 1954، وكتب له السيناريو نجيب محفوظ، والذي أدى إلى تغيير القانون المتعلق بالسابقة الأولى في “صحيفة السوابق” أو السجل العدلي، لمنح السجين فرصة ثانية للاندماج في المجتمع، وهو الفيلم الذي سبق تناوله في حلقة سابقة من هذه السلسلة.
بعد 18 سنة، وبالضبط سنة 1972، سيعود فريد شوقي ليشارك في عمل سينمائي جديد بعنوان “كلمة شرف” والذي قام فيه بدور البطولة إلى جانب نخبة من نجوم الصف الأول آنذاك ويتعلق الأمر بكل من أحمد مظهر، هند رستم، نور الشريف، بالإضافة إلى رشدي أباظة الذي ظهر في مشهدين فقط، في حالة نادرة لممثل يؤدي أدوار البطولة المطلقة، لكنه برع فيهما بشكل كبير.
يتحدث الفيلم عن سالم، فريد شوقي، الذي سيحاول مساعدة شابة حملت من صهره، اخو زوجته، دون زواج، وذلك بمرافقتها إلى عيادة للاجهاض، حيث سيوقع على إقرار بأنه والد الجنين، غير أن الشابة ستموت خلال العملية، وسيلقى القبض على سالم والحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات.
ليس السجن فقط من اجل جريمة لم يرتكبها هو ما سيؤزم وضعية سالم، بل ما زاد متاعبه أن زوجته اعتقدت أنه خانها، ولم تصدق ان كل ما فعله، هو محاولة إنقاذ فتاة شابة حملت من شاب وعدها بالزواج ثم تخلى عنها، وهكذا سيصبح الشغل الساغل لسالم هو تبرئة نفسه أمام زوجته، مهما كان الثمن، فيحاول الهروب من السجن للقاءها، لكن محاولاته ستفشل، الواحدة بعد الأخرى، وفي كل مرة يحاكم بتهمة محاولة الهروب وتنضاف سنوات جديدة إلى مدة سجنه لتصل إلى ثلاثين سنة.
غير ان مدير السجن، وبعد أن شرح له سالم وضعيته وهدفه من محاولات الهروب سيقتنع في الأخير بحقه في مغادرة السجن ليرى زوجته التي كانت على فراش الموت، وهكذا سيسمح له بالمعادرة، بشرط أن يعود إلى السجن، رغم أن القانون آنذاك كان يمنع ذلك، وسيعده سالم بـ “كلمة شرف” أنه لن يخذله، وبالفعل سيعود إلى محبسه بعد أن رأى زوجته واقنعها انه بريء.
الفيلم كما يبدو من قصته، من نوعية الأفلام الكلاسيكية التي تعتمد على حبكة بسيطة، غير أن المخرج حسام الدين مصطفى بتجربته، أنجز خلال مساره السينمائي 70 فيلما، استطاع أن يجعل منه فيلما مشوقا ومثيرا، وتمكن بحرفية من تجاوز الصعوبات المتمثلة في كون جل مشاهده تجري في أماكن مغلقة، مما جعله يحظى باقبال جماهيري كبير، خصوصا أنه ضم نخبة من افضل الممثلين انذاك، وحصد بالتالي تعاطف الرأي العام مع القضية التي أثارها، اي حق السجين في مغادرة السجن للقيام بزيارات عائلية، وهو ما استجابت له الحكومة المصرية، حيث تم تعديل قانون السجون، تم بموجبه السماح للسجناء، بمغادرة السجن في حالات معينة مثل وفاة الزوج أو الزوجة، أو الأقارب من الدرجة الأولى، أو إصابة أحد هؤلاء بمرض خطير، أو زواج أحد الأبناء، وذلك لمدة قد تصل الى 48 ساعة تحت حراسة مشددة، تعديل استفاد منه منذ ذلك الوقت عدد كبير من السجناء، بفضل فيلم “كلمة شرف”.


الكاتب : عزيز الساطوري

  

بتاريخ : 08/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *