أفلام غيرت العالم 16- كاثي عودي إلى البيت

 

هناك تعريف شائع يقول بأن السينما هي إعادة ترتيب الوعي في عقول الجمهور، فالسينما ليست فقط مرآة تعكس ما يجري في المجتمع بل أيضا أداة لإعادة تشكيل المجتمع.
فإذا كانت السينما، ككل الفنون، أداة للتعبير عن رؤية معينة اتجاه الواقع، إلا أن تأثيرها على الناس أقوى من كل أدوات التعبير الفنية الأخرى، حيث استطاعت، منذ ظهورها، أن تشكل قوة مؤثرة في الرأي العام، قوة قادرة على تكوين أو المساهمة في تكوين رؤية مشاهديها لهذا العالم وأن تؤثر بشكل ملحوظ في تغيير نظرتنا للواقع بمختلف تجلياته.
ضمن هذا الاتجاه تميزت أفلام عديدة، بكون تأثيرها كان أقوى من غيرها حيث انها كذلك قادت إلى تغيير قوانين، سياسات، سلوكيات وأفكار، كان العديد منها يعتبر من المسلمات، وبذلك تتضح القدرة الفائقة للسينما على تغيير الواقع والوعي الإنساني.
في هذه السلسلة مجموعة من الأفلام التي، بفضل جرأتها، ثرائها الفني وعمقها الإنساني، استطاعت أن تساهم بشكل كبير في تغيير العالم إلى الأفضل.

 

في حلقة سابقة تم تناول فيلم “أنا دانييل بليك” للمخرج البريطاني ” كين لوش” الذي فاز بالسعفة الذهبية لمهرجان كان سنة 2016، والذي انتقد فيه بشدة الليبرالية المتوحشة وسياسة تخلي الدولة عن أدوارها الاجتماعية.في حلقة سابقة تم تناول فيلم “أنا دانييل بليك” للمخرج البريطاني ” كين لوش” الذي فاز بالسعفة الذهبية لمهرجان كان سنة 2016، والذي انتقد فيه بشدة الليبرالية المتوحشة وسياسة تخلي الدولة عن أدوارها الاجتماعية.والحقيقة فإن المخرج “كين لوش” المزداد سنة 1936، من أكثر المخرجين الذين تصدوا في افلامهم للقضايا الاجتماعية، حيث اخرج خلال مسيرته، عشرات الافلام السينمائية والتلفزيونية التي تناول فيها قضايا المهمشين والمشردين، ومن بين أكثر هذه الأفلام شهرة، نجد الفيلم التلفزيوني “كاثي عودي إلى البيت” إنتاج سنة 1966، والذي يعتبر إلى حدود الآن من أفضل الأفلام التي أنتجها التلفزيون البريطاني.فيلم “كاثي عودي إلى البيت ” كتب له السيناريو ” جيريمي ساندفورد” وقام ببطولته كل من “كارول وايت” و”راي بروكس” ويتحدث عن “كاثي” وزوجها “ريغ”، عائلة بريطانية عادية، من الطبقة المتوسطة، الزوجان يشتغلان ويعيشان في شقة عصرية في ظروف مقبولة، بعد ان رزقا بطفلهما الأول، اضطرت الزوجة لمغادرة عملها لتربيته، وواصل الزوج العمل لاعالة أسرته،  غير أن تعرضه إلى حادث سيجعله مضطرا لمغادرة عمله لتجد الأسرة نفسها بين عشية وضحاها بدون مورد عيش، وبثلاثة اطفال.اضطرت كاثي وزوجها  أن تنتقل للعيش عند والدة الزوج “ريغ” بعد ان عجزا عن دفع إيجار الشقة،  بيت الوالدة ضيق لا يتسع للكل، والعلاقة بين كاثي وأم زوجها ستزداد توترا ليجدا انفسهما مع الاولاد مضطرين للبحث عن مأوى اخر، ويبدان رحلتهما نحو القاع، قاع المجتمع، مع المشردين الذين يعيشون في كرافانات وبيوت خشبية لا توفر الحد الأدنى للعيش الكريم، ثم في الأخير بعد ان تسد في وجههما كل الأبواب، يجدان انفسهما امام حل وحيد، ان يفترقا مؤقتا، حيث يتركان الابن عند جدته، وتتوجه “كاثي” رفقة الطفلين الآخرين للعيش في مأوى المشردين، الذي لا يقبل إلا الزوجات واطفالهن، ليتوجه الزوج إلى مدينة أخرى للبحث عن عمل يمكنه من لم شمل عائلته التي مزقها الفقر والعوز.غير أن هذا الحل نفسه لن يدوم، فلم يمر سوى وقت قصير حتى طردت “كاتي” وطفليها من الملجأ،  لتجد نفسها في الشارع، هناك يطاردها موظفوا المصالح الاجتماعية ويتزعوا منها الطفلين لانها لم تعد قادرة على اعالتهما، لتجد “كاثي” نفسها وقد خسرت كل شئأشارت الإحصائيات آنذاك إلى أن ربع البريطانيين شاهدوا الفيلم عند عرضه على الشاشة الصغيرة، وقد احدث صدمة في اوساط الرأي العام، ووصل صداه إلى البرلمان، الذي سيناقش قضية المواطنين الذين لا يجدون سقفا ياويهم، وتقرر زيادة مبالغ الإعانات الاجتماعية المقدمة لهم، كما كان وراء تأسيس جمعية متخصصة في التكفل بالمشردين والذين بلا مأوى، مما يؤكد التأثير الكبير الذي خلفه الفيلم، وكما قال ذات مرة المخرج “كين لوش”: “عندما يكون هناك يأس يجب ان نقول إن وجود عالم أفضل ممكن وضروري”.

 


الكاتب : عزيز الساطوري

  

بتاريخ : 13/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *