أفلام غيرت العالم 18 : فيلاديلفيا

 

هناك تعريف شائع يقول بأن السينما هي إعادة ترتيب الوعي في عقول الجمهور، فالسينما ليست فقط مرآة تعكس ما يجري في المجتمع بل أيضا أداة لإعادة تشكيل المجتمع.
فإذا كانت السينما، ككل الفنون، أداة للتعبير عن رؤية معينة اتجاه الواقع، إلا أن تأثيرها على الناس أقوى من كل أدوات التعبير الفنية الأخرى، حيث استطاعت، منذ ظهورها، أن تشكل قوة مؤثرة في الرأي العام، قوة قادرة على تكوين أو المساهمة في تكوين رؤية مشاهديها لهذا العالم وأن تؤثر بشكل ملحوظ في تغيير نظرتنا للواقع بمختلف تجلياته.
ضمن هذا الاتجاه تميزت أفلام عديدة، بكون تأثيرها كان أقوى من غيرها حيث انها كذلك قادت إلى تغيير قوانين، سياسات، سلوكيات وأفكار، كان العديد منها يعتبر من المسلمات، وبذلك تتضح القدرة الفائقة للسينما على تغيير الواقع والوعي الإنساني.
في هذه السلسلة مجموعة من الأفلام التي، بفضل جرأتها، ثرائها الفني وعمقها الإنساني، استطاعت أن تساهم بشكل كبير في تغيير العالم إلى الأفضل.

 

في عالم السينما، هناك كتاب سيناريو ومخرجين يمتلكون حاسة سادسة، تجعلهم يلتقطون قبل غيرهم افكار وقضايا آنية، ويعالجونها بأسلوب يجعلها خالذة، ومن بين هؤلاء، الأمريكيان، السيناريست “رون نيسوامر” والمخرج “جوناتان ديم” عندما تعاونا لإنجاز فيلم ” فيلاديلفيا” سنة 1993، الذي يعتبر اول فيلم سينمائي يتناول مرض السيدا الذي كان في بداية ظهوره، وسعيا إلى تغيير وجهة نظر الرأي العام حول هذا المرض والدفاع عن ضحاياه.
فيلم “فيلاديلفيا” الذي قام فيه بأدوار البطولة، كل من “طوم هانكس” و”دينزل واشنطن” يتحدث عن محامي ناجح، “أندرو بيكيت” يشتغل في واحد من أكبر مكاتب المحاماة في مدينة “فيلاديلفيا” بولاية “بنسلفانيا”، وينتظره مستقبل واعد بسبب كفاءته وتفانيه في العمل. ذات يوم سيصاب ” أندرو بيكيت” بمرض السيدا، وعندما سيعلم المسؤول عن مكتب المحاماة سيطرده بدعوى ارتكابه لخطأ مهني، كما سيتعرض إلى الرفض من قبل زملاءه، بسبب المواقف الجاهزة حول مرضى السيدا والهلع الذي يثيره.
لم يسكت المحامي عن هذا التعسف الذي طاله، فقرر رفع دعوى ضد مشغله، لكن بقية المحامين في المدينة سيرفضون النيابة عنه، في تضامن غير أخلاقي مع صاحب مكتب المحاماة الشهير، قبل أن يجد محامي أسود البشرة من مناهضي المثلية الجنسية، قام بالدور “دينزل واشنطن” الذي رغم مواقفه سيقبل الدفاع عنه، لتبدأ أطوار معركة قضائية مثيرة، إنتهت بحكم لصالحه بتعويض كبير عن الطرد والإهانة والضرر الذي لحقه، فقط لأنه مصاب بمرض السيدا، انتصار لن يحفل به طويلا حيث سيفارق الحياة بسبب مضاعفات المرض.
فيلم “فيلاديلفيا” من الأفلام الهامة للمخرج “جوناتان ديم” صاحب رائعة “صمت الحملان” الذي سبق تناوله في حلقة سابقة، ويرجع إليه الفضل في أنه كان سباقا إلى إثارة الإنتباه لمعاناة مرضى السيدا داخل المجتمع، والاحكام المسبقة التي كانت تجعل منهم منبوذين، وقد ساهم بشكل كبير في تغيير هذه الصورة، وحظي لأجل ذلك بتقدير كبير من طرف النقاد والصحافة، وفاز بإثنين من جوائز الأوسكار، بينها جائزة أفضل ممثل ل “طوم هانكس” ولازال يعتبر مرجعا هاما في هذا الجانب ودليلا يؤكد قدرة السينما على تغيير العديد من الأفكار والمواقف الجاهزة.


الكاتب : عزيز الساطوري

  

بتاريخ : 15/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *