أقسام مشتركة أم حجرات مشتركة؟

يعاني التّعليم ببلادنا من مشاكل كثيرة ومتعدّدة، فرغم الجهود المبذولة لإصلاح نظامنا التّعليميّ إلاّ أنّنا لم نصل بعد إلى النّظام التّعليميّ المنشود، ورغم ما تمّ وضعه من استراتيجيّات وإصلاحات للرّقيّ بمنظومة التّعليم إلاّ أنّ الواقع يدعونا إلى التّفكير والتّبصر في ما يعيشه التّعليم ببلادنا من مشاكل ماديّة وبنيويّة وبشريّة وتربويّة، سواء في الوسط القروي أو في المدن، هذا ما يحتّم على الجميع البحث والاجتهاد كل من جهته للمضيّ قدما نحو منظومة تعليميّة محفزّة تواكب متطلّبات العصر مما سيساهم إيجابا في تقدم الدولة وازدهارها بين الأمم. فعند ذكر التّعليم القرويّ ببلادنا تتبادر إلى أذهان الجميع جملة من المشاكل والمعيقات التّي تواجه المدرّسين والمتعلّمين، كصعوبة المسالك والتضاريس… صحيح أن هناك جهودا مبذولة من طرف الدولة لفكّ العزلة عن القرى كإمدادها بالماء والكهرباء والتغطية بشبكة الانترنيت إلاّ أن هاته الجهود المبذولة تبقى غير كافية لمواكبة التطور الّذي يعرفه عالمنا من بنية تحتية ومرافق عمومية. لكن في مقالنا هذا سنركّز على الشقّ التّربويّ والمشاكل التّعليميّة بالعالم القروي، إذ نجد من بين الإكراهات التّي تؤرق المدرّس والمتعلّم بالبادية ظاهرة الأقسام المشتركة، لكن قبل أن نتناول هذا الموضوع لابدّ أن نطرح عدّة أسئلة تساعدنا على التّبصّر والتّعمّق في فهم هاته الظاّهرة وإشكالاتها واقتراح الحلول لها:
ما هوّ القسم المشترك؟ وما هي الإشكالات التّي يواجهها المدرّس والمتعلّم في هذا النّمط من الأقسام؟ وما هيّ الحلول الكفيلة للتّخلّص من هاته الظاّهرة؟
القسم المشترك هوّ قسم يضمّ مستويين دراسيّين أو أكثر في نفس الحجرة الدراسيّة رغم اختلاف هاته المستويات عمريّا ومعرفيّا وعقليّا، هاته الظّاهرة ليست وليدة اللّحظة بل قديمة ارتبطت بالمدرسة التّقليديّة “الكتّاب القرآني”، بحيث كان الفقيه يلقّن نفس المعرفة للأطفال رغم اختلاف سنّهم، عمرهم وإدراكهم… ليتّم اعتماد الأقسام المشتركة بعد ذلك في مدارس العالم القرويّ، فهناك من يعتبر اعتماد الأقسام المشتركة اختيّارا بيداغوجيّا يمضي إلى تحقيق ما تريده منظومتنا التعليميّة في ملمح المتعلّم باعتباره مواطن الغد، وهناك من يؤكّد على وجود أسباب واقعيّة حتمت وفرضت هاته النّوعية من الأقسام نذكر منها:
صعوبة التّضاريس وتباعد الدّواوير والمداشر عن بعضها البعض وصعوبة المسالك، هجرة سكّان البوادي نحو المدن بسبب توالي سنوات الجفاف، وبالتّالي انخفاض الكثافة السكّانيّة ما جعل عدد المتعلمين يقلّ، إذ نجد أن مستوى تعليميّ في قرية ما يضمّ ثلاثة أو أربعة متعلّمين فقط. ما يجعل اللّجوء للقسم المشترك ضرورة حتميّة للوصول إلى عدد كافٍ من المتعلمين،ترشيد استعمال البنية التّحتيّة بالمؤسّسات التّي لا تتوفّر على العدد الكافي من الحجرات الدراسيّة، قلة الموارد البشريّة بالعالم القرويّ، تقريب المدرسة من المتعلّم لمحاربة الهدر المدرسيّ وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص وعدم حرمان المتعلّمين في العالم القرويّ من التّعلّم.
قمنا بذكر بعض الأسباب التّي جعلت منظومتنا تعتمد الأقسام المشتركة ولا شكّ بأن الأسباب عديدة لا يمكن حصرها في مقال واحد.
من الجدير بالذّكر أن للقسم المشترك بعضا من المزايا؛ لكون المتعلّم يدرس وسط جماعة قسم بأعمار وإدراكات مختلفة، حيث يستفيد من تجارب وخبرات زملائه سواء الذّين يفوقونه سنّا، أو يستدرك التّعلّمات التّي لا يزال من المتعثّرين فيها مع من يصغرونه سناّ في المستويات الأدنى. لكن لا يختلف اثنان بأنّ التّدريس في الأقسام المشتركة مَهمّة صعبة تجعل المدرّس والمتعلّم يعيشان عدّة إشكالات إذ لا يمكن تحقيق كلّ الكفايات والأهداف المسطّرة في ظلّ إكراهات الأقسام المشتركة، فالسّيناريو البيداغوجيّ المطروح والأنجع لتدبير الأقسام المشتركة نجد غالبا الحل في اعتماد البيداغوجيّة الفارقيّة ؛ حيث يتم الاعتماد إمّا على الجدع المشترك بالنّسبة للمستويات التّي تتوفّر على نفس الدروس حيث يتم تدبير التّعلمات بنفس الوتيرة للمستويات مع إضافة معزّزة تهمّ المستوى الأعلى. أو في الاعتماد على الجدع الفارقيّ بالنّسبة للدّروس غير المتشابهة حيث تتمّ المزاوجة بين نشاطين مختلفين؛ يُعطى نشاط كتابيّ للمستوى “أ” في نفس الفترة يكون المستوى “ب” يدرس بنشاط شفهيّ وبالتّالي دائما ما يتم تقسيم الزّمن المدرسيّ للمستوى الواحد على مستويات عدّة، فمثلا عند تدريس حصّة مادّة الرياضيّات لمستوى يتوفر على درس غير شبيه بدرس المستوى الآخر سيضطر المدرس للاشتغال بالجدع الفارقيّ؛ فإن كانت الحصّة الدراسيّة تحتاج إلى خمسة وخمسين دقيقة كما هو مسطّر في استعمال الزمن فإنّ المستوى الواحد سيستفيد من نصف المدّة الزمنيّة.
كما أنّه من بين أهمّ الإكراهات التّي تعيق التّدبير الجيّد لزمن التّعلُّم في الأقسام المشتركة نجد:
أولاّ: غياب برنامج دراسيّ خاص بهاته الفئة فلا يعقل أن ندرّس قسما مشتركا بمنهاج وبرنامج دراسيّ تم إعداده لقسم أحاديّ المستوى بمحتوياته وأهدافه وكفاياته.
ثانيّا: ليس هناك دليل بيداغوجيّ مفصّل تفصيلا دقيقا أو تكوينات مبرمجة للأساتذة تهمّ كيفية تدبير الأقسام المشتركة سوى بعض الاجتهادات المحسوبة على رؤوس الأصابع.
ثالثا: صعوبة لفت انتباه المتعلّم وبالتّالي يبقى تركيزه مشتّتا مع القسم الآخر الّذي يشاركه نفس الحجرة الدّراسية، فالمدرّس يبذل مجهودا جبّارا لتذكير كل قسم على حدة بالمطلوب منه حتى لا يتشتّت تركيز المتعلّمين.
رابعا: من حيث التنزيل نجد صعوبة في بعض الأقسام المشتركة، كالقسم المشترك بين المستويين الثّالث والرّابع ابتدائي، فالطّريقة المعتمدة كما فصّلنا سابقا إما اعتماد الجدع الفارقيّ أو الجدع المشترك، لكنّ خصوصيّة هذين المستويين لا تسمح بذلك لأنّ هناك اختلافا في المكوّنات أصلا؛ فمثلا المستوى الثّالث ابتدائي تمرّر فيه الظّواهر اللّغويّة ضمنيّا بخلاف المستوى الرّابع ابتدائي الذّي يتمّ فيه التّصريح بالظّواهر اللّغويّة في مكوّنات مُعَدَّة لهذا الغرض (تراكيب، صرف وتحويل…. Grammaire… ) فلا نجد أي مشترك يمكن البناء عليه في هذا الشّق فيتمّ الاضطرار للعمل بالجدع الفارقيّ ويتم تقسيم الزمن لنصفين.
بعد ذكرنا للإكراهات التّي تعيشها الأقسام المشتركة فمن الواجب علينا أن نقترح بعض الحلول الكفيلة للتّخلص من هاته الظّاهرة وإشكالاتها إذ نقترح ما يلي:
يجب إعداد منهاج وبرنامج خاص لهاته الفئة يتماشى مع خصوصيّتها، من خلال إعداد برنامج خاص للمستويات الثّلاثة الأُولى؛ لأن المكوّنات متشابهة في هاته المستويات، وبرنامج خاص بالمستويات الثّلاثة الأُخرى،
التوصيّة بتفادي دمج المستويين الثّالث والرابع ابتدائي في قسم مشترك واحد كل ما أمكن ذلك.
برمجة تكوينات للأساتذة المعنيّين في هذا الصدد مع تنظيم زيارات ميدانية لمصاحبة الأساتذة ميدانيّا ومواكبتهم.
اعتماد مدارس جماعاتيّة بالقرى مع توفير النّقل المدرسيّ والمطاعم وتعبيد الطّرق من أجل تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص ليصبح عدد المتعلّمين كافيّا في كلّ مستوى، وبالتّالي تجاوز إشكاليّة الأقسام المشتركة إلى أقسام أحادية المستوى كما هوّ الشّأن بالمدن.
بعد أن حاولنا التفصيل في هذا الإشكال التّربوي من حيث التّعريف والأسباب والإكراهات والحلول لا بدّ وأن نشير بأنّنا لا نتحدث عن أقسام مشتركة في منظومتنا التّربوية بل فقط حجرات مشتركة لمتعلّمين من مستويات مختلفة تجمعهم نفس الحجرة الدراسيّة على أمل أن تجمعهم نفس الموارد والمعارف والكفايات في المستقبل القريب.


الكاتب : ياسين فريدي

  

بتاريخ : 17/03/2022