أكثر من 4 ملايين من المسنين يعانون من أمراض الشيخوخة ويعيشون صعوبات اجتماعية متعددة

بعضهم تم التخلي عنهم من طرف أقاربهم في المستشفيات بحجج واهية 

 

يعرف الهرم السكاني في المغرب تغيرا واضحا على مستوى بنيته العمرية، ويؤكد المختصون على أن عدد الأشخاص الذين يتجاوز عمرهم 60 سنة سينتقل من أكثر من 4 ملايين مواطن ومواطنة إلى حوالي 10 ملايين في السنوات القليلة المقبلة، مع ما يعني ذلك من كلفة صحية واجتماعية واقتصادية ثقيلة، تحتاج إلى سياسات عمومية واضحة قادرة على التعامل معها للتخفيف من وقع هذه الأعطاب عليهم.
وضعية اجتماعية معقّدة، تعيشها فئة ليس بالهيّنة من مجتمعنا، في غياب رؤية واضحة، في الظرف الحالي، قادرة على مواكبة التحولات السوسيو اقتصادية وتقديم البدائل الضرورية لمعالجة هذه المعضلة. ويؤكد عدد من مهنيي الصحة على المستوى الصحي غياب تخصص واضح للتكفل بأمراض الشيخوخة، مشددين على أن ما هو متوفر اليوم يعتبر ضعيفا جدا ولا يرقى إلى حجم الانتظارات، لأن هناك حاجة ماسة إلى مصالح وإلى مهنيين مختصين في الشيخوخة وأمراضها، وبالتالي فهو لا يجيب عن الاحتياجات الصحية المختلفة للمعنيين بالأمر، الذين يعيشون معاناة متعددة الأبعاد.
شيخوخة يتم تخليد يومها العالمي، يومه الجمعة فاتح أكتوبر من كل سنة، وهي مناسبة لتسليط الضوء على واقع مسنات ومسني المغرب، حيث أكد الدكتور مصدق مرابط، الطبيب العام، في تصريح لـ «الاتحاد الاشتراكي» على أنه ابتداء من 60 سنة، يمكن التعامل مع الشخص باعتباره مسنا إذا ما كان يعاني من مرض مزمن أو أكثر، أو عند سن 70 سنة فما فوق حين يتعلق الأمر بشخص لا يعاني من أية أمراض مزمنة، مشددا على أن هذه الفئة العمرية تكون عرضة للعديد من الأمراض، كما هو الحال بالنسبة للأمراض المزمنة المختلفة، كأمراض القلب والشرايين، والضغط الدموي والسكري، وأمراض المفاصل والعظام، إضافة إلى أمراض الجهاز الهضمي، فضلا عن الخرف والباركنسون، وانتفاخ البروستات والسلس البولي وغيرها من العلل. وضع يشدد الخبير الصحي على أنه ينضاف إليه الثقل الاجتماعي والاقتصادي بسبب الفقر والهشاشة، لا سيما حين يكون المسن بدون معيل وبدون مورد رزق ويعيش العزلة، كما هو الحال بالنسبة للأرامل وغيرهن، لافتا الانتباه بالمقابل إلى أن الكثيرين وإن كانوا أفرادا في أسر متوسطة إلا أنهم يعيشون عزلة «قاتلة» ترخي بوقعها عليهم نفسيا وجسديا على حد سواء.
وأبرز الدكتور مصدق أن عدد المختصين في أمراض الشيخوخة في المغرب لا يتجاوز 10 أطباء، مشددا على أن هذا الرقم يجب أن يتضاعف وبقوة وأن يتم تكوين ممرضين مختصين في نفس المجال، فضلا عن إحداث مصالح استشفائية خاصة، مشيرا إلى أن مجموعة من المسنين يوجدون كنزلاء في دور للرعاية الاجتماعية، ويتلقون المساندة من جمعيات المجتمع المدني، في حين أن آخرين يهيمون في الطرقات والشوارع، والبعض الآخر يعدّون الأيام في انتظار لحظة وداع بعد عمر أفنوه في مواجهة الحياة وأعبائها عوض أن تكون هذه الفترة لحظة راحة واسترخاء وسكينة لهم. وضعية اجتماعية معقّدة سبق أن أكدتها أرقام وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، التي أبرزت أن أكثر من 52 في المئة من الأشخاص المسنين الذين تفوق أعمارهم 60 سنة ليس لديهم مصدر دخل، وأكثر من في المئة منهم يعانون من مرض مزمن واحد على الأقل. وفي نفس السياق، أكدت نتائج المسح الوطني حول السكان وصحة الأسرة لسنة 2018، أن 52.4 في المئة من الأشخاص البالغين أكثر من 60 سنة ليس لديهم مصدر دخل، خاصة المسنات، ويتعاظم الأمر في الوسط القروي أكثر منه في الحضري، مما يبين حجم الإشكالية التي تسائل المجتمع ومؤسساته.
واقع قاتم، سلّط الضوء على جانب منه في تصريح لـ «الاتحاد الاشتراكي»، مصطفى جعا، الإطار التمريضي والمختص في قضايا الشأن الصحي، الذي تناول زاوية جد مؤلمة، مشيرا إلى أنه من خلال العمل اليومي للأطر الصحية في المستشفيات، خاصة أقسام الاستقبال والمستعجلات، فإنه غالبا ما تتم مواجهة ظواهر حزينة وتصرفات يمكن وصفها بـ «الشاذة»، والتي تحولت مع الوقت وبكل أسف إلى ممارسات «عادية». وأوضح جعا، أن من بين هذه الظواهر إحضار مسنين إلى المستشفيات تحت ذريعة الحاجة لعلاج من مرض معين، حيث يتضح في غالب الأحيان أنهم يعانون من إهمال وقلة عناية تقتضيها مرحلة الشيخوخة، أي أنهم في حاجة إلى الدعم وإلى تلبية الحاجيات الأساسية، مما يظهر على أن التكفل بهم أصبح بالنسبة للبعض مسألة صعبة وربما مكلّفة، أو أن هناك عدم استيعاب لمفهوم العناية الاجتماعية بفئة في فترة وهن وضعف. وأكد الخبير في الشؤون التمريضية في تصريحه للجريدة أن غالبا ما يتم ترك هؤلاء المسنين داخل المستشفيات وبأقسام المستعجلات لأيام ولشهور، مشيرا إلى أن حتى من كان منهم مريضا وتلقى علاجا يبقى لفترات طويلة بدون أن يزوره أحد أو أن يسأل عنه أقاربه، بل أن منهم من يفارق الحياة بعد مدة وحيدا؟
وتقاسم جعا مع الجريدة حالة من بين حالات كثيرة، يجد مهنيو الصحة أنفسهم أمامها، ويتعلق الأمر بحالة سيدة مسنة اصطحبها ابنها إلى قسم المستعجلات برفقة سيدة قال بأنها زوجته، وعندما تم فحصها تبين أنها على أنها تحتاج إلى بعض المكملات الغذائية والأدوية فقط التي يمكنها أخدها في المنزل، فقرر ابنها تركها أمام المصلحة إلى حين جلب الأدوية لكنه لم يعد. وأوضح المتحدث أنه وبعد طول انتظار تم الاحتفاظ بها بقسم الملاحظة بقسم المستعجلات ومرت أيام بدون عودة ابنها، الذي ظلت تردد اسمه، وهي الحالة التي خلقت تعاطفا وألما في نفس الوقت، دفع إلى نسج الأطر الصحية لعلاقة إنسانية معها، لكنها بعد أقل من 20 يوما فارقت الحياة، وهي تقص قصة مبتورة بسبب عدم القدرة على التذكر عن ابنها القادم من أحد البوادي ومرافقته التي لم تكن زوجته والمنزل الذي تركته ورائها…
لم تكن قصة السيدة الوحيدة التي عاش جعا وزميلاته وزملائه تفاصيلها ، بل أن هناك قصصا كثيرة، منها تلك التي تخص رجلا مسنا، تُرك في المنزل لفترة كبيرة بدون عناية حتى أصيب بتقرحات خطيرة على مستوى الورك، لكن وعيه وإدراكه ظلا حاضرين، ومن بين ما حكاه في المستشفى، أنه يتوفر على أملاك مختلفة لكنه يعيش إهمالا من طرف أفراد أسرته، الذين لا يهتمون به وينتظرون وفاته من أجل الإرث. وهو ما عاينته الأطر الصحية فعلا لاحقا، إذ وبعد مدة طويلة قضاها في المستشفى في غياب أية زيارة إلا نادرا، يقول جعا، حضر جمع كبير من أقاربه بعد وفاته لتسوية المساطر الإدارية الضرورية، مؤكدا على أن هناك المئات من الحالات المماثلة بل أن هناك قصصا أكثر قساوة، تؤكد على أن التكفل بالأشخاص المسنين، سواء المرضى أو في «حالة عادية»، يعرف أزمة حقيقية على المستوى العائلي والمجتمعي وحتى المؤسساتي؟


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 01/10/2021