أكدت الجائحة الوبائية لفيروس كوفيد 19 ضرورة ضمان التقائيتها مع برامج أخرى لمواجهة المخاطر الجديدة

هل تسهر السلطات مع باقي المتدخلين على تحيين مخططات «أورساك» في الدارالبيضاء؟

 

اجتازت بلادنا اللحظات الصعبة من زمن الجائحة الوبائية لفيروس كوفيد 19 بأقلّ الخسائر، بفضل التدابير الاستباقية التي تم القيام بها تفعيلا للتوجيهات الملكية، وأمكن بالرغم من الخسائر التي تم تسجيلها على مستوى الأرواح، والتبعات الاجتماعية والاقتصادية، الخروج من الأزمة بشكل يبعث على الافتخار، بفضل تعبئة الموارد البشرية الصحية بالأساس ومعها باقي القطاعات الأخرى التي تواجدت في الصفوف الأولى لمواجهة الوباء.
تحدّ وبائي، جعل المهتمين بالشأن الصحي تحديدا، يقيسون درجة مرونة نظامنا الصحي، الذي لا يتوفر على المقومات التي تتوفر لكبريات الدول المتقدمة اقتصاديا، من خلال تقييم ثلاث خصائص تتمثل في كيفية استيعاب الأزمة الصحية، ومدى القدرة على التعامل مع الوضع والملائمة معه، ثم التحول أو التغيير، إما من خلال تحيين وتطوير المنظومة الصحية نحو الأفضل، أو الإبقاء عليها كما كانت عليه في السابق، أو التقهقر والضعف. وهو ما يجعلنا نتساءل عن قدرة هذه المنظومة على التعامل مع طوارئ صحية أخرى، قد تظهر في أية لحظة، لا سيما وأن المنحى التصاعدي للأوبئة هو في ارتفاع واضح خلال السنوات الأخيرة.
لقد كشفت الجائحة عن الدور الريادي للعنصر البشري في القطاع الصحي، الذي يجب تعزيز رصيده والرفع من مقدراته وتجويد ظروف عمله وتحسين أوضاعه المادية وتوفير الحماية القانونية له، من خلال تحديد اختصاصاته ومهامه بشكل واضح، واتخاذ كل التدابير الممكنة لحماية مهنيي الصحة، إذ أدت الجائحة الوبائية إلى فقدان العديد من الأطر الصحية بشكل عام، من أطباء وممرضين وتقنيين وإداريين، الذين سقطوا في معركة مواجهة الفيروس. أزمة صحية بيّنت كذلك أهمية شبكة العلاجات الأساسية التي ساهمت بشكل كبير في استيعاب أعداد المرضى وتمكينهم من الفحوصات الضرورية للكشف عن الفيروس والتكفل بالمرضى في المنازل، وهو نفس الدور الذي وقف الجميع على أهميته خلال عمليات التلقيح بالجرعات المختلفة، والذي لعبت فيه مصالح وزارة الداخلية دورا حاسما هي الأخرى، وهنا تظهر مرونة النظام الصحي من عدمه، من خلال القدرة على تعبئة كل الفاعلين والموارد الممكنة، وهو ما تجسّد كذلك من خلال الشراكة مع القطاع الخاص، خاصة على مستوى مصالح الإنعاش والعناية المركّزة.
جائحة الأمس المستمرة تفاصيلها بدرجات أقلّ، تحيلنا خلال دراسة المؤشرات المختلفة المتعلقة بها على الوقوف عند المخزون الاستراتيجي أيضا، على مستوى الأدوية والمستلزمات الطبية المختلفة، وفي ارتباط بمراكز التثليج التي ظهرت أهميتها لتخزين اللقاحات، وغيرها من المجالات الأخرى المفتوحة كالماء والغذاء والطاقة وما إلى ذلك، وهو ما يدفع لاستحضار «مخططات أورساك» للتعامل مع الكوارث المختلفة، التي لايجب أن تقف عد حدود ما هو مناخي كالفيضانات والزلازل أو له صلة بحوادث عرضية من انهيارات أو حرائق أو غيرها، والتي تتكفل بها مصالح الوقاية المدنية التي تعدّ دراسات بشأنها تحدّد وتعرّف من خلالها المخاطر المحتملة، لكنها وبكل أسف تظل حبيسة مصالحها ولا تكون مفتوحة في وجه باقي المتدخلين المعنيين.
مخططات ذات خصوصيات، من المفيد بشكل كبير اليوم، الوقوف على كيفية تنزيل إجراءاتها وتدابيرها في ظل أوضاع متعددة تطرح أكثر من علامة استفهام، لاسيّما وأنها تنص على إشراك الجماعات الترابية، وهذا ما يدفعنا لطرح سؤال عريض في ارتباط بهذه المجالس، ويتعلّق بمدى استعداد الدارالبيضاء نموذجا، في ظل جائحة مماثلة للتي عاشتها بلادنا المتعلقة بفيروس كوفيد 19 وفي علاقة بالمخاطر الجديدة المختلفة الممكن حدوثها، وأمام استمرار ضعف الموارد البشرية والعزوف عن المشاركة في مباريات التوظيف، والعجز عن استيعاب أعداد المرضى «العاديين»، ووجود أوراش طرقية مفتوحة في مختلف مناطق المدينة، للتعامل مع أزمات مختلفة كمّا وكيفا، لا سيّما الصحية منها.
إن جوهر السؤال، يرمي إلى الوقوف على مدى تحيين المخططات المسطّرة من عدمه، والحث على عدم الاكتفاء بها لوحدها إذ يجب أخذ المتغيرات والمخاطر الجديدة بعين الاعتبار، والحرص على ضمان التقائيتها مع برامج أخرى قطاعية تعمل جميعها لتحقيق نفس الغاية، المتمثلة في التدخل السريع والفعال والناجع، والتكفل بالضحايا والمرضى وتلبية احتياجاتهم التي قد تكون استثنائية، وتحقيق أهداف مرضية على مستوى إنقاذ الأرواح، وهو ما يتطلب، على سبيل المثال لا الحصر، العمل بالمخطط الأبيض في المؤسسات الاستشفائية حتى تكون قادرة على استيعاب عدد أكبر من المتوافدين على مصالحها والتكفل بهم، وتوفير الحاجيات الأساسية للتعامل مع كل حالة بعينها، وهناك أمثلة في هذا الباب توضح الصورة بشكل جليّ، كأحداث 16 ماي 2003، حادث روزامور بليساسفة، حادث حريق مصفاة لاسامير بالمحمدية، الذي عرف تخصيص جهد كبير لتوفير قنينات الأوكسجين خوفا من الاختناق، وغيرها من الحوادث الأخرى…
وقفة تتطلب كذلك، مراجعة الإمكانيات المعبأة، وقياس احتمالات النجاعة في ظل كل الأوضاع المختلفة، تلافيا للمفاجآت غير السارة، والقيام بعمليات للمحاكاة، هذه الخطوات وغيرها التي لا يتم تقديم أية توضيحات بخصوصها للأسف بشكل لا يبعث على الاطمئنان، فإذا كانت الجائحة الوبائية لفيروس كوفيد 19 قد خفتت حدّتها، في الظرف الحالي، فإن هذه اللحظة التي تتميز بـ «غياب» الضغط، يجب أن تكون مناسبة لإحصاء وجرد الإمكانيات المتوفرة، بشريا وتقنيا ولوجسيتيكيا وماليا، وتكوين الموارد البشرية والبحث في سبل تعزيز رصيدها، وإعداد توقعات عن مختلف المخاطر المحتملة، وتهييئ المنظومة الصحية والمنظومات الموازية للتعامل مع أي مستجدّ، أي أن يكون نظام اليقظة فاعلا وناجعا، فسؤال التخطيط يطرح نفسه بإلحاح الذي يجب ألا يكون ظرفيا ومناسباتيا وإنما مركزيا بشكل يضمن ديمومته واستمراريته.
تخطيط يجب أن يكون تشاركيا وتكامليا، واستحضار نموذج الدارالبيضاء في ارتباط بالموضوع، يأتي لكونها تحتضن كثافة سكانية كبيرة ولأنها القلب الاقتصادي النابض للمغرب، التي تتميز بحركية ودينامية كبيرة برّا وبحرا وجوا، وتتحمل مسؤولية تدبير جماعتها مسؤولة سبق أن كانت مديرة جهوية للصحة بجهة الدارالبيضاء سطات، في مكتب قريب من مكتب والي الجهة، وهو ما يتطلب أن يكون مستوى التنسيق أكبر والحصيلة مطمئنة، الأمر الذي تكذّبه، نموذجا، الكيفية التي تنقل بها سيارات الإسعاف المرضى يوميا نحو مؤسسة صحية من مؤسسات المدينة، وسط الاختناق والفوضى المرورية، وتؤشر عليه وضعية مقابر العاصمة الاقتصادية، التي تجد صعوبة في احتضان الموتى في ترابها؟


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 18/05/2022