ألفونسو ديفيز : من مخيم للاجئين في غانا إلى بطل أوربا لكرة القدم

توج اللاعب ألفونسو ديفيز رفقة فريقه بايرن ميونيخ الألماني، أول أمس الأحد، بكأس أبطال أوربا بعد الفوز على باريس سان جيرمان بهدف مقابل لاشيء.
وأكيد، لعب ألفونسو ديفيز دورا كبيرا في مساعدة فريقه في تحقيق اللقب الأوربي، إذ قدم أداء عاليا في كل المباريات التي خاضها فريقه خلال كل المحطات الإقصائية وصولا إلى مباراة النهاية.
ومن يشاهد ديفيز بمهاراته وتقنياته وقوته البدنية، ويعلم أنه أضحى من أغلى اللاعبين في العالم على مستوى بورصة الانتقالات، لن يتخيل أن هذا الشاب ذي الأصول الليبيرية، قطع أشواطا
في حياته جد مؤلمة، وعانى كثيرا قبل أن يصبح نجما ساطعا في سماء الكرة العالمية.
حكاية ألفونسو ديفيز انطلقت من مخيم للاجئين في غانا.. ثم الهجرة مع الأسرة لكندا.. وهذه تفاصيل الحكاية:

 

ولد ألفونسو ديفيز أفضل لاعب في بايرن ميونيخ، في أحد مخيمات اللاجئين في غانا عام 2000، بعد هروب والديه من الحرب الأهلية في ليبيريا، التي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف. عاش طفولة تعيسة وشاقة في غياب أدنى شروط العيش الكريم، إذ تقول والدته فيكتوريا: «كان علينا عبور الجثث للذهاب والعثور على الطعام، الأمور كانت صعبة للغاية».وقضى ديفيز طفولته في منزل داخل المخيم مصنوع من الألواح الخشبية ومحاط بستائر بدلا من الجدران، وكانت حياته متواضعة للغاية حيث كان ينقصها أن توفر له عائلته الطعام والشراب والملابس.
وجد الطفل الصغير ألفونسو ديفيز، في كرة القدم طوق النجاة والأمل الوحيد للخروج من هذه الحياة الصعبة التي عاشها في صغره.
ومارس كرة القدم وهو في الخامسة من عمره قبل أن تتيح الفرصة لعائلته للسفر إلى كندا والإقامة في مقاطعة «أتاوا».
اقتصرت ممارسته في كرة القدم على اللعب مع أصدقائه في المدرسة، قبل أن يشترك في برنامج «فوتي» المتخصص في اكتشاف الموهوبين في ممارسة كرة القدم والذين لا يملكون رسوم الاشتراك في الأكاديميات والنوادي الكندية المعروفة.ولحسن حظه تم اختياره للانضمام لفريق يُدعى «ميدموند هنستريكرز»، قبل أن تلتقطه أعين مسئولي فريق «فانكفور وايت كابس» الكندي والذي التحق به في سن الرابعة عشر.
بدأ ديفيز مشواره مع فرق الشباب بنادي فانكفور في مركز الجناح، قبل أن يتم تصعيده في وقت قصير للفريق الرديف بفضل تألقه وظهوره بمستويات رائعة ومميزة للغاية.
وانضم ديفيز إلى صفوف الفريق الأول بعد 5 أشهر فقط من انضمامه لتتاح له الفرصة للتألق في دوري المحترفين حيث لعب في مركزي الجناح الأيسر والظهير الأيسر. وحصل ديفيز على الجنسية الكندية عام 2017، وقام بتمثيل منتخب كندا في أعمار الناشئين والشباب قبل أن يشارك مع المنتخب الأول وعمره 16 عاما ليصبح أصغر لاعب كندي يشارك مع المنتخب الأول.وخاض ديفيز 17 مباراة دولية، وتمكن من تسجيل 5 أهداف.
وفي 2018، حصل ديفيز على جائزة أفضل هدف وأفضل لاعب في ناديه قبل أن يحصل أيضا على جائزة أفضل لاعب كندي في العام ذاته وهو ما دفع مسئولي بايرن ميونيخ الألماني أن يطلبون التعاقد معه لينضم لصفوف الفريق البافاري في يناير 2019.
وفقا لأخر دراسة كشف عنها المركز الدولي للدراسات الرياضية، احتل ديفيز المركز التاسع بين قائمة أغلى لاعبي العالم بـ133.5 مليون يورو وهو الظهير الأيسر الوحيد في القائمة، وبالتالي فهو أغلى لاعب في مركزه خلال الوقت الراهن، لكنه ليس المدافع الأغلى في العالم حيث يعد ألكسندر أرنولد لاعب ليفربول هو أغلى مدافع في العالم بقيمة تسويقية تصل إلى 171 مليون يورو وهو في المركز الرابع ضمن قائمة الأغلى في العالم.
وكان ديفيز قد تألق في مباراة برشلونة وصنع الهدف الخامس الذي سجله جوشوا كيميتش بعد عمل فردي رائع وتوغل داخل دفاعات البارصا من الجبهة اليسرى.
وتمكن الظهير الكندي من تقديم مباراة كبيرة والمشاركة لمدة 84 دقيقة على الرغم أنه عانى من الإصابة قبل المباراة والتي كانت تهدد مشاركته.

يقول في حوار سابق نشره موقع
 The Players Tribune:

«عندما انضممت إلى فانكوفر وايتكابس في عمر الرابعة عشر، كنت في قمة التوتر، فقد تركت عائلتي في إدمونتون، وكنت فتى خجولا للغاية، لم أكن أتحدث كثيرا، ولم أشعر أنني واحد من أفضل اللاعبين هناك.فقد خضعت قبلها لاختبارين لم أنجح فيهما، واحتجت إلى خوض اختبار ثالث لأنضم للنادي.عندما تم تصعيدي للفريق الرديف، كان ذلك الوقت الذي اصطدمت فيه بالحائط بالفعل.فجأة وجدت نفسي ألعب مع الفتية الكبار، وخلال الأسابيع القليلة الأولى لم أفعل أي شيء بالصورة الصحيحة، لم أستطع مجاراتهم، لم أكن قويا كفاية، لم أفكر بالسرعة الكافية، تمريراتي كانت سيئة، وعندها بدأت أشك في نفسي.أخذت خطوة إلى الوراء لأقيّم وضعي، حلمي كان أن أصير لاعب كرة قدم كبير في أوروبا.
الثلوج صدمتني عندما وصلت إلى كندا، فقد كنت أبلغ 6 أعوام، وُلدت في مخيم لاجئين بـ غانا لوالدين من ليبيريا.أتذكر استيقاظي في أحد الأيام لأرى شيئا أبيض اللون يغطي أرض الشارع، لم أدر ما هذا، خرجت مرتديا تي شيرت وبنطالا قصيرا، لمسته، كان ثلجا. أبي وأمي استيقظا أيضا وخرجا لالتقاط بعض الصور اللطيفة.وقد كان هناك العديد من الأمور في إدمونتون لم أعتد عليها: المنازل، المدارس، طريقة اكتساب الأصدقاء، لم أعرف أي شخص هناك سوى عائلتي، ولم أكن متحدثا كما أنا الآن.أنا وأصدقائي ارتبطنا بالرياضة، مارست العديد منها: الركض، كرة السلة، كرة الطائرة.
أبي، ديبياه، كان يلعب كرة القدم لفريق هاوٍ في إدمونتون، واعتاد مشاهدة تشيلسي كل أسبوع، ولذا فقد ترعرعت وأنا أشاهد ديدييه دروجبا، ومايكل إيسيان.
تشيلسي بات فريقي المفضل، وعندما أذهب إلى فراشي، كنت أحلم أنني صرت نجما كبيرا في أوروبا يسجل الأهداف وتحتفل معه آلاف الجماهير صراخًا.
في أحد الأيام عندما كنت في التاسعة أو العاشرة، أحد أصدقائي رآني ألعب في الاستراحة بالمدرسة، كان ذاهبا لخوض اختبار في فريق يدعى إدمونتون إنترناشونالز، وقد دعاني للقدوم معه.بعد عدة ساعات، كنا نسير صوب الملعب، وأخبرته أنني متوتر، فقام بطمأنتي.
في البداية، لمستي للكرة لم تكن حاضرة، لكني بعدها قمت بعدة مراوغات، وازدادت ثقتي في نفسي وبدأت أظهر ما أنا قادر على فعله.بعد ساعة أو ساعتين كنا جالسين على العشب ننتظر سماع النتيجة، كان الصمت مخيما، وتقدّم المدرب ونظر إلى ورقته، وبعد ثوانِ، قال: «مبروك أيها الفتية، لقد نجحتم جميعا».
ولذا انضممت للفريق، وواصلت متسلحا بشغفي تجاه الرياضة، كان شغفا حادا للغاية وملازما لي دوما، لكن مشكلة واحدة واجهتني، أنني كنت أتغيب عن التدريبات بسبب واجباتي كـ… جليس أطفال!!
أنا في التاسعة عشر الآن، شقيقي آنجل تبلغ 8 سنوات، وشقيقي بريان يبلغ 12 عاما، ولذا قبل 7 سنوات، رعايتهم كانت واجبة على مدار الساعة، ووالديّ لم يستطيعا فعل ذلك دوما.والدي عمل في مصنع تعبئة دجاج، أحيانا كان يغادر المنزل في منتصف الليل ثم يعود مساءً.أما أمي فيكتوريا، فعملت كعاملة نظافة، كانت تغادر المنزل في التاسعة مساءً وتعود في الثامنة صباحًا.لم يستطيعا تحمل نفقات استقدام جليسة أطفال مع عملهما طوال الليل، ولذا فبينما كان أصدقائي يتدربون أو يلعبون ألعاب الفيديو، كنت أنا منشغلا بتغيير الحفاضات وغناء التهويدات.
نعم، هذا لم يكن مناخا مثاليا لتطوري، لكني كنت محظوظا بعض الشيء، ففي أحد الأيام غادر صديق لي للانضمام إلى فريق آخر يُدعى إدمونتون ستراكيرز، والده كان مدربا هناك، وقد دعاني للانضمام معه، ولا أدري لماذا وافقت حتى الآن، فهذا الفريق كان الأسوأ في الدوري.لكني ممتن لهذا القرار، لأن والده كان نيك هوسيه، الذي هو الآن وكيلي.وعندما بلغت 11 عاما، كنت لا أزال لاعبا في فريق سترايكرز، وتسجلت أيضا في أكاديمية سانت نيكولاس لكرة القدم حيث كنت أتدرب يوميا.وفي غشت 2015، عندما بلغت 14 عاما، كنت جيدا كفاية للانضمام إلى فانكوفر وايتكابس.
كان صعبا عليّ أن أترك عائلتي في هذا العمر، لكن لحسن الحظ، ففريق فانكوفر ساعدني بكل شيء احتجته، اهتموا بأمر السكن، وبشأن المدرسة عندما لم أستطع الحضور بسبب التدريبات، خصصوا لي مدرسا، اعتنوا بي من اليوم الأول حتى الأخير.
في أبريل 2016، لعبت بعض المباريات السيئة، ووصل الأمر إلى أنني كنت أجهل ما يجب علي فعله، لكن أحد اللاعبين الكبار في الفريق الأول حاول رفع معنوياتي، كان اسمه با مودو كاه، لاعب خبير خاض تجارب في النرويج، والسويد، وهولندا، وقطر، والمملكة العربية السعودية، كما لعب لـ بورتلاند تيمبرز.
شاهد مبارياتي وعرف أنني أعاني، وظل يخبرني: «عليك أن تواصل، كلنا نخوض مباريات سيئة، ولكن فقط أصحاب العقلية القوية هم من يقدرون على النجاح».
في البداية ظننته يردد ذلك فقط حتى يكون لطيفا، ولكن تلك الجملة التصقت في ذهني!
فقط أصحاب العقلية القوية هم من يقدرون على النجاح.
ولذا فقد بدأت في الأخذ بنصيحته، وواصلت القتال، وبدأت اللعب بشكل أفضل، في مايو سجلت أول أهدافي في دوري الرديف، وفجأة ودون سابق إنذار، كارل روبينسون مدرب الفريق الأول جاء إليّ وقال: «ألفونسو، نريدك أن تأتي للتدرب معنا».
كنت لا أزال أبلغ 15 عاما، وفي الحصة التدريبية الأولى قمت بتحية الجميع سريعا، وحاولت أن أجعل كرة القدم هي ما يتكلم، لكنهم كانوا يلعبون بقوة وسرعة أكثر مني، وشعرت أنني لست قادرا على مجاراتهم.
بعدها تذكرت ما أخبرني به با مودو كاه، كنت في حاجة إلى سماع ذلك، والآن أنا في حاجة إلى تذكره، ولذا فقد واصلت التدرب مع الفريق الأول وبدأت في التأقلم شيئا فشيئا.
ومن ثم في إحدى الحصص التدريبية، قمت بمراوغة القائد، كان طويلا للغاية، فتى ضخم، لا أستطيع شرح كيف أقدمت على ذلك، لكني سمعت بقية اللاعبين يصرخون: أوووووووووه!
تلك اللحظة أكدت أنني قادر على اللعب للفريق الأول، ولذا ففي 15 يوليو 2016، وقعت عقدا مع الفريق الأول، كانت لدينا مباراة في اليوم التالي، بمجرد أن جف الحبر على الورق، أخبرني كارل: «ستكون ضمن الفريق».
شعرت أن الأمر يتم بسرعة كبيرة، وفي اليوم التالي كنا نواجه أورلاندو سيتي أمام 22 ألف متفرج، جلست على دكة البدلاء وشاهدت أورلاندو يتقدّم في النتيجة، ثم قلبناها، ثم عادلوا النتيجة لتكون 2-2، وبينما كنت أحاول أن أفهم ما يحدث، كارل التفت إليّ وقال لي: «اذهب للإحماء».
قمت بالإحماء مع 3 لاعبين آخرين، ثم قال كارل: «الفونسو، ستدخل».
تجمدت! أعتقد أنني قلت له: «حقا؟!».
وضعت قميصي واستعددت، كانت الدقيقة 76، أشهروا رقمي على اللوحة الالكترونية، كنت متوترا للغاية، والمشكلة أنه عندما تكون متوترا، فإنك لا ترغب في لمس الكرة حقا، ولا تريد أي شخص أن يمررها إليك، لا تريد أن تخطئ.
لكن من ثم وصلتني كرة طويلة وأحد المدافعين جاء ركضا ليلحق بي، وأنا شعرت أنه سيصدمني، لكن بطريقة ما استطعت ترويض الكرة، ثم دخلت إلى العمق وأطلقت تسديدة.
وعلى الرغم من أنها لم تدخل المرمى، لكني اكتسبت الثقة في تلك اللحظة.
بعد ذلك، الأمور حدثت بسرعة شديدة، في 2017 صرت لاعبا أساسيا بالفريق، وفي العام التالي سجلت 8 أهداف في الدوري الأمريكي لكرة القدم وحصلت على جائزة لاعب الموسم في وايتكابس.
بعدها تقدّم بايرن ميونيخ بعرض من أجلي، وعندما يريدك بايرن، فلا يمكنك أن تقول لا.
بحلول وقت مغادرتي لـ وايتكابس في نوفمبر 2018، كنت شخصا مختلفا تماما عن الفتى الخجول الذي انضم إليهم قبل 4 سنوات، كنت أدرك إلى أين أنا ذاهب، كنت أعرف ماذا يحدث لي.
عندما وصلت إلى بايرن، لم أكن متوترا للغاية، فقد أردت أن أثبت للناس أنني قادر على اللعب في هذا المستوى، ولأني قطعت مسافة طويلة جدا للقدوم إلى هنا، فإني أردت اللعب والابتسامة على وجهي، دائما ما أذكّر نفسي بذلك.


الكاتب : إعداد: عزيز بلبودالي

  

بتاريخ : 25/08/2020