في ذكرى ميلاد شاعر روسيا الأكبر، نحتفي اليوم بميلاد ألكسندر سيرغييفيتش بوشكين، الرجل الذي لم ينسجه التاريخ فقط ككاتب، بل كرمز للهوية الأدبية الروسية ومؤسس أدبها الحديث.
وُلد بوشكين في موسكو في ماي عام 1799، في أسرة نبيلة عريقة وتلقى تعليمه في «ليتسيه تسارسكو سيلو» حيث بدأت موهبته الشعرية في الازدهار مبكرًا. كان عاشقًا للحرية والجمال، وامتلك قدرة لغوية جعلته يعيد تشكيل اللغة الروسية من جديد، فصارت على يده أداة مرنة للتعبير الأدبي والفكري.
المسار الأدبي: عبقرية مبكرة
وصوت الثورة
بدأ بوشكين كتابة الشعر في سنٍ صغيرة، وسرعان ما ذاع صيته بين النخبة الأدبية في سانت بطرسبورغ. لكن ما ميزه لم يكن فقط إتقانه الفني، بل أيضًا جرأته الفكرية. ففي قصائده الأولى مثل «الحرية» عبّر بوضوح عن أفكاره الليبرالية وانتقاده للاستبداد، مما تسبب في نفيه من قبل السلطات القيصرية، لكن هذا النفي لم يكن خفوتًا لمسيرته بل انطلاقة جديدة. كتب بوشكين في منفاه أروع أعماله: رواية «يفغيني أونيغين» الشعرية التي رسمت بعمق صورة المجتمع الروسي ونفسيات أفرااده. في هذه الرواية يبرز أسلوبه الواقعي والسّاخر، مع نغمة رومانسية تلامس القلوب.
بين الشعر والمسرح والرواية
لم يكن بوشكين شاعرا فحسب، بل كان رائدا في المسرح والرواية والمسرح والنثر التاريخي. في «مأساة بوريس غودونوف» قدّم مسرحية تاريخية مليئة بالتوتر السياسي والدرامي. أما في «ابنة القبطان»، فقد برع في تجسيد شخصياته بتفاصيل إنسانية دقيقة مبرزًا صراعاتهم الداخلية والخارجية في خضم ثورات واضطرابات روسيا.كما أن قصته «ملكة البستوني» تعتبر نموذجًا مبكرا للأدب الروسي النفسي الذي سيتطور لاحقًا على يد دوستويفسكي .
إرث خالد ووفاة مأساوية
قُتل بوشكين في مبارزة عام 1837 وهو في أوج عطائه الأدبي في واقعة مأساوية تركت روسيا في حداد عميق لكن رغم قصر عمره، ترك بوشكين تراثًا أدبيًا لا يُقدّر بثمن، جعله يحتل موقع «أب للأدب الروسي»، ومصدر إلهام لأجيال من الكتاب والفنانين.
في ذكرى ميلاده، لا نحتفي فقط بشاعر مات منذ قرنين، بل نحيي روحًا لا تزال تنبض في أدب روسيا، في لغتها،وفي وجدان شعبها. لقد جعل بوشكين من الكلمة وسيلة للحب والحرية والحقيقة، وظل اسمه منقوشًا في ذاكرة العالم بوصفه أحد أعظم أدباء الإنسانية.
(صحفي متدرب)