يوم قصفت واشنطن الرباط والدار البيضاء سنة 1942
كيف يمكن تمثل قصة العلاقة بين المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية كما تحققت في التاريخ المعاصر والحديث؟. ما هي أبعادها سياسيا وحضاريا وأمنيا وتجاريا؟. لماذا بقيت حقيقة العلاقات بين البلدين سجينة كليشهيات عناوين كبرى، دون الغوص في تحليل المعنى التاريخي لتلك العلاقة النوعية والخاصة؟. أين يكمن السر في كل الرسوخ الإستراتيجي للعلاقة بين واشنطن والرباط؟. وما الذي يشكله «لوبي التاريخ» في تجسير تلك العلاقة بين الدولتين؟. ثم ما الأهمية التي للجغرافية في العلاقة بين طنجة وبوسطن، وبين الدار البيضاء ونيويورك، وبين الصويرة وفلوريدا؟.
إنها بعض من الأسئلة التي تحاول هذه المادة الرمضانية أن تجيب عنها، من حيث هي تحاول رسم خط تاريخي لميلاد وتطور العلاقة بين المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية. نعم، هي تستحضر أكيد، أن عين درس التاريخ المغربي ظلت دوما مصوبة باتجاه الشمال المتوسطي في أبعاده الإسبانية والبريطانية والفرنسية والألمانية، وهي تحاول أن تنزاح قليلا صوب غرب المغرب باتجاه عمقه الأطلسي، من خلال مغامرة نبش الغبار عن ذاكرة العلاقات بيننا وبين بلاد «العم سام». ففي ذلك تفسير آخر للكثير من القصة المغربية (الدولة والمجتمع) في التاريخ الحديث والمعاصر وضمن مهرجان اصطخاب المصالح بين القوى العالمية، التي جغرافيته مجال من مجالات تقاطع تلك المصالح.
محطة أخرى حاسمة في تطور العلاقات المغربية الأمريكية، ستشهدها سنوات الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945)، شكلت ما يمكن وصفه ب «الإنعطافة النهائية» لإعطاء تلك العلاقة بعدا أمنيا وعسكريا قويا، لا يزال متواصلا إلى اليوم. ذلك أن موقع الجغرافية المغربية، ضمن الإستراتيجية القومية العسكرية والأمنية الأمريكية قد نُحِت إطاره وشكله منذ تلك السنوات.
عمليا، لا يمكن تمثل قوة تلك «الإنعطافة النهائية» في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والمغرب، بدون العودة إلى التحول المسجل في النظام العالمي في تلك السنوات الملتهبة ما بين 1929 (سنة الأزمة الإقتصادية الكبرى) و 1949 (تاريخ إنشاء معاهدة حلف شمال الأطلسي). فخلال هذه العشرين سنة، صنع قدر العالم الحديث الذي لا تزال آلياته متواصلة علائقيا ومؤسساتيا واقتصاديا وماليا وعسكريا وأمنيا إلى اليوم. بعد أن كان الصراع والتنافس ضمن الفضاء الغربي الأروبي وضمن الفضاء الأطلسي بين 1800 و 1945، كبيرا بين القوى التقليدية الأروبية الكبرى، ذات الوزن الإقتصادي والتقني عالميا، ممثلة أساسا في ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وروسيا.
كان النزوع إلى حل أزمات ذلك التنافس بين القوى الأروبية يذهب دوما في اتجاه الحلول العسكرية العنيفة، التي نتائجها كامنة في ما نعرفه من فاتورة مدمرة لأروبا خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية. مما جعل النتيجة الكبرى، بعد الحربين، تتمثل في نهاية دورة تدافع أروبي عنيفة لقيادة العالم الرأسمالي، امتدت منذ حروب نابليون بونابارت الأروبية (1803) حتى حرب أدولف هتلر النازية (1939)، أي على امتداد حوالي 126 سنة. وشاء مكر التاريخ، أن تكون نتائج تلك النهاية عمليا في صالح قوة من خارج الجغرافية الأروبية، ومن ضمن النظام الرأسمالي اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، هي الولايات المتحدة الأمريكية. أي تلك الدولة التي تأسست منذ 169 سنة فقط، لتصبح القوة العالمية الرأسمالية الأولى مع نهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945، خاصة بعد تأسيس البنك الدولي (قوة مالية دولية للدولار)، وهيئة الأمم المتحدة (بتطوير مبادئ ويلسون الأمريكية من قبل رئيسها الجديد روزفلت)، ثم إنشاء مؤسسة الحلف الأطلسي الشمالي الغربي (التي ولدت كإطار سياسي تنظيمي للقوى الغربية بمبادرة أمريكية، قبل أن تتحول إلى إطار عسكري مع اندلاع الحرب الكورية واشتداد تنافس الحرب الباردة مع المعسكر الشرقي بقيادة موسكو السوفياتية).
واشنطن الجديدة هذه، التي نقدم هنا فقط عناوين جد مختصرة لتحولها إلى قوة عالمية قائدة للمعسكر الغربي طيلة ثلثي القرن 20، غيرت من خرائط علاقاتها الدولية، بالشكل الذي جعل بعض الجغرافيات (من ضمنها الجغرافية المغربية) أصبحت ذات مكانة استراتيجية ضمن مخططها القومي الأمني والعسكري والسياسي والإقتصادي.
صحيح أن واشنطن قد واصلت التعامل مع الجغرافية المغربية، بما يتوافق وموقفها المبدئي منذ القرن 18، المتأسس على عدم التصادم مع مصالح الدول الأوربية في الفضاء المتوسطي الشمال إفريقي، باعتباره مجال نفوذ تلك الدول مصلحيا وتجاريا وأمنيا. لكن الجديد في هذه المرحلة هو أنها غيرت من مستوى درجة حضورها الجيوستراتيجي فيه، عبر البوابتين المغربية والتونسية، زمن الحرب العالمية الثانية، مع امتياز خاص للمغرب لاعتبارات جغرافية متوسطية وأطلسية. وكانت الترجمة لذلك هي الإنزال العسكري الأمريكي بالمغرب في نونبر 1942، الذي جاء بعد قرارها الدخول عسكريا في الحرب العالمية الثانية في دجنبر 1941. مع الإنتباه أنه مرة أخرى، مثلما حدث خلال الحرب العالمية الأولى، التي لم تدخلها واشنطن سوى سنة 1917، ثلاث سنوات بعد اندلاع تلك الحرب المدمرة، فإنها لم تدخل فعليا إلى الحرب العالمية الثانية سوى بعد ثلاث سنوات من اندلاعها سنة 1939. وأن سبب دخولها هو إعلان أدولف هتلر الحرب على أمريكا (بعد احتلاله فرنسا سنة 1940) كونها تقدم السلاح للمحور البريطاني والسوفياتي، وأنها في مواجهة مع حليفتها اليابان بالمحيط الهادئ.
لقد شكل ذلك الإنزال العسكري لقوات المارينز البحرية الأمريكية بمدن الدار البيضاء وآسفي والقنيطرة (عبر المهدية) في البداية، نقطة تحول جديدة في شكل العلاقة بين الولايات المتحدة والمغرب، بمنطق القرن 20، وبمنطق النظام العالمي المتغير فيه. ففرنسا سنة 1942 لم تعد ذات فرنسا سنة 1912، وإذا كان مستقبل المغرب كما كتب ليوطي في مذكراته، أثناء الحرب العالمية الأولى، يلعب في حرب الألزاس واللورين، فإن مستقبل فرنسا (النظام السياسي) أثناء الحرب العالمية الثانية أصبح يلعب في شمال إفريقيا (شكل المغرب نقطة محورية فيه). حيث أصبح القرار يصنع حينها من خارج باريس وأساسا من واشنطن ولندن. بل إنه حتى ضمان استمرارية التواجد الفرنسي بالمغرب، قد أصبح رهينا بالدعم الأمريكي، الذي قبل أن يصبح دعما عسكريا، فقد كان دعما تموينيا وغذائيا. لأنه حين نعود إلى قراءة تفاصيل وضعية التواجد الفرنسي بالمغرب، بعد سقوط باريس في يد القوات الألمانية لهتلر، سنجد أن المقيم العام الفرنسي نوغيس يطلب المساعدة العاجلة من واشنطن سنة 1941 على مستوى التموين الغذائي بسبب توقف أي مساعدة من باريس (أليس تقول أغنية الفنان الشعبي المغربي الحسين السلاوي «آعامك آمريكان»). وهو الطلب الذي تجاوبت معه واشنطن، لكن بشروطها الخاصة، المتمثلة في تعزيز شبكة تواجدها الديبلوماسي بمختلف المدن المغربية، وأن تكون تلك الشبكة الديبلوماسية الأمريكية (12 قنصلا جديدا) هي المشرفة على توزيع تلك المساعدات الغذائية الأمريكية على المغاربة. إنها عمليا وصاية داخل وصاية، أي وصاية أمريكية على الوصاية الفرنسية المفروضة على المغاربة (في الذاكرة الجماعية للمغاربة كانت تلك السنوات 1941 – 1942 – 1943، سنوات «عام الجوع» و «عام البون»، أي الحصول على التموين الغذائي بورقة إدارية).
كان ذلك التواجد الأمريكي الجديد، مؤسساتيا، بالمغرب حينها مقدمة للتواجد العسكري والأمني والمخابراتي به، ابتداء من نونبر 1942، الذي شكل نقطة البداية لإعادة تدويل «القضية المغربية» من جديد، لكن هذه المرة بمنطق حسابات القرن 20، التي في القلب منها القوة العالمية الجديدة واشنطن، وليس منطق القرن 19، الذي كانت في القلب منه القوى الأروبية، أساسا باريس ولندن ومدريد وبرلين. لقد أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية هي الفاعلة في «القضية المغربية» حينها وليست فرنسا وإسبانيا وحدهما. من حينها صار التواجد الأمريكي في الجغرافية المغربية تواجدا مختلفا وجديدا، بخلفية عسكرية وأمنية غير مسبوقة. لقد ترسخ من حينها الرهان الجيو ستراتيجي الأمريكي على الجغرافية المغربية، ضمن خريطتها الأطلسية، ولم تفرط فيه إلى اليوم، الذي شكل الإنزال العسكري لقوات المارينز التدشين العملي له.
نعم، هو إنزال ضمن منطق وحسابات الحرب العالمية الثانية، لكنه أيضا إنزال ضمن المخطط الأطلسي لواشنطن متجاوز لزمن الحرب الكونية تلك. وهنا يكتسب موقف سياسي أمريكي عنوانا من عناوينه الواضحة والدالة، المتمثل في قرار الرئيس الأمريكي روزفلت بالتنسيق مع رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل عقد لقاء قمة سياسية وعسكرية بالدار البيضاء سنة 1943 (شهرين فقط بعد الإنزال العسكري الأمريكي)، عرفت ب «قمة لقاء آنفا» الذي وُضِعَتْ فيه عمليا مخططات مشروع «الحلف الأطلسي» البكر الأولية، وهي القمة التي دامت من 14 إلى 24 يناير 1943. وأنه خلال تلك القمة سيخصص موعد للقاء مع السلطة الشرعية للدولة المغربية ورمز السيادة فيها، ممثلة في الجالس على العرش، الملك الوطني محمد الخامس، بحضور ابنه الأمير مولاي الحسن، تم فيه تقديم الإلتزام بدعم استقلال المغرب ضمن مبادئ «الحلف الأطلسي» الأمريكية البريطانية الجديدة (ليس اعتباطا أن قدمت الحركة الوطنية المغربية بالرباط وثيقة المطالبة بالإستقلال يوم 11 يناير 1944، سنة بالتمام والكمل بعد ذلك الإستقبال الأمريكي البريطاني للملك الوطني محمد الخامس. فقد كانت الرسالة السياسية تلك تذكيرا للقيادة الأمريكية والبريطانية بما التزمت به لسلطان المغرب من حق المغرب في نيل استقلاله).
عُرفت عملية الإنزال الأمريكي العسكرية تلك، التي قادها الجنرال إيزنهاور، الذي سيصبح، فيما بعد رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية لولايتين ما بين 1953 و 1961، ب «عملية طورش» (الشعلة) بقوات عسكرية ضخمة بلغت 35 ألف جندي أمريكي. وهي العملية العسكرية التي تم التهييئ لها في سرية مطلقة بين كل من واشنطن ولندن، وبدون علم حكومة فيشي الفرنسية ولا مقيمها العام بالمغرب الجنرال نوغيس، عدا مجموعة من الضباط الفرنسيين من تيار «فرنسا الحرية» . ولقد نفذت في البداية ليلة 7 و 8 نونبر 1942 بميناء المهدية عند مصب نهر سبو قرب مدينة القنيطرة بقيادة الجنرال تروسكوت، تلاها إنزال آخر مواز بمدينة آسفي بقيادة الجنرال إرنست هارمون ليلة 7 نونبر بعدد قوات يقارب 6500 عسكري أمريكي وبريطاني، ثم إنزال أكبر وأهم بالدار البيضاء، انطلاقا من جهة مدينة المحمدية، بقيادة الجنرال أندرسون، استعملت فيها أسلحة جد ثقيلة من قبيل أربع مدمرات وحاملة طائرات وناقلات جنود بحرية وطرادتين وقوات عسكرية بلغ عددها أكثر من 18 ألف جندي. ولقد استمرت المواجهات المسلحة العنيفة بين قوات المقيم العام الفرنسي نوغيس وتلك القوات الأمريكية بالدار البيضاء ثلاثة أيام قصفت فيها عدد من أحياء المدينة وضواحيها، انتهت بانتصار القوات الأمريكية، تماما مثلما حصل في آسفي والمهدية. وكانت خطة نوغيس هي منع تقدم تلك القوات إلى الداخل المغربي صوب فاس وتازة والجزائر، لكنه فشل في ذلك، قبل أن يغادر المغرب (فرارا) صوب البرتغال يوم 4 يونيو 1943.
عمليا تعتبر عملية «طورش» العسكرية، عملية مزدوجة أمريكية بريطانية، نفذت بكامل شمال إفريقيا، مع توزيع أدوار، حيث نزلت القوات البريطانية بكل من شاطئ وهران ومدينة الجزائر في الضفة الجزائرية، وجزء آخر منها في صحراء تونس. بينما نزلت قوات المارينز الأمريكية بالمغرب عبر المداخل الثلاث الرئيسية التي ذكرنا (القنيطرة، الدار البيضاء، آسفي)، وكانت عملياتها العسكرية عنيفة جدا بالمدفعية الثقيلة والطائرات، خلفت في ثلاثة أيام ما يقدر ب 700 قتيل وجريح في صفوف القوات الفرنسية وقوات الغوم المغربية والسينغالية. مع تنفيذ مخطط إنزال استراتيجي محوري بكامل الجغرافية المغربية من مراكش (حيث وضعت قيادة عسكرية أمريكية جنوب المدينة قرب بنجرير بتعداد يصل 2800 عسكري أمريكي )، ثم أكادير (التي وضعت بها قيادة عسكرية أمريكية بحرية لمراقبة الغواصات بالمحيط الأطلسي) إلى وجدة، مرورا بمدن فاس ومكناس وجرسيف، مع قواعد عسكرية جوية وبرية مركزية بالقنيطرة والدار البيضاء وآسفي. لأن المخطط العسكري الأمريكي، الذي قاده واحد من كبار جنرالاتها (إيزنهاور)، كان يهدف في العمق ترسيخ التواجد الأمني والعسكري والمخابراتي بالمغرب، ضمن مخطط أكبر لتطويق النازية من الجنوب المتوسطي، وتحويل جغرافيتنا الشمال إفريقية إلى منطلق لتحرير أروبا الغربية عبر بوابتها الجنوبية المتوسطية (أساسا كورسيكا ومارسيليا الفرنسيتين وصقلية الإيطالية). وأن ذلك التواجد العسكري الأمريكي سيتعزز أكثر سنتين بعد نهاية الحرب العالمية الثانية (أي في سنة 1947) بإنشاء القواعد العسكرية الأمريكية الجوية والبرية بكل من النواصر بضواحي الدار البيضاء والقنيطرة وسيدي يحيى الغرب وسيدي سليمان، التي ظلت تعمل حتى بداية السبعينات من القرن 20.
لابد من تسجيل معطى تاريخي هام هنا، هو أن الملك الوطني محمد الخامس، وفي تضاد مع موقف المقيم العام الفرنسي الجنرال نوغيس، سيرفض مغادرة قصره بالرباط صوب فاس (رغم القصف الأمريكي لمطار الرباط)، بل وأنه أعلن رسميا دعمه لقوات الحلفاء بقيادة واشنطن. مثلما أن الرئيس الأمريكي روزفلت حين جاء إلى المغرب في يناير 1943، اعتبر أول رئيس أمريكي يسافر عبر الطائرة خارج الولايات المتحدة الأمريكية، وأن رحلته عبر طائرة بوينغ 314، دامت 4 أيام توقف خلالها للتزود بالوقود بكل من كوبا، البرازيل، غامبيا قبل أن تحط بمطار آنفا بالدار البيضاء، لتجنب السفن الحربية الألمانية بشمال المحيط الأطلسي.
بالتالي، فإن الإنعطافة الكبرى، في مسار تاريخ العلاقات المغربية الأمريكية، بأفق استراتيجي، ضمن المنظومة الأطلسية الجديدة لواشنطن، ستتحقق في هذه المرحلة الزمنية الملتهبة من القرن 20، بمنطق حسابات النظام العالمي الجديد حينها، الذي رسخ قيادة أمريكا للمعسكر الغربي الرأسمالي، بعد أن استلت واشنطن تلك القيادة من القوى الأروبية التقليدية، سيدة البحار السابقة، خاصة بريطانيا وباريس. من حينها أصبح المغرب رهانا أمريكيا، بأفق أمني وعسكري وليس فقط بأفق تجاري واقتصادي، كما كان عليه الأمر طيلة القرن 19، والعقود الأربعة الأولى من القرن 20. وأنه لا يمكن تمثل قوة تلك الإنعطافة، في أفقها الجيو ستراتيجي، بدون استحضار ما يمكن وصفه ب «العقيدة السياسية القومية» الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية منذ نهاية القرن 19 وبداية القرن 20، كما بلورها واحد من منظري السياسة الأمريكيين الكبار ألفريد ماهان في كتابه الصادر سنة 1893 تحت عنوان «القوة البحرية وتأثيرها على التاريخ»، الذي اعتبر المرجع الرئيسي لكل الخطط السياسية لواشنطن على عهد الرئيس ثيودور روزفلت ما بين 1901 و 1909، الذي في عهده بالمناسبة أرسلت أول سفارة مغربية إلى البيت الأبيض من قبل السلطان مولاي حفيظ، بعضوية العربي بن محمد الصنهاجي و 10 أفراد آخرين، غادروا جبل طارق صوب أمريكا يوم 19 شتنبر 1909 (لم تحقق المراد منها لأسباب مركبة ليس هنا مجال تفصيل القول فيها، كما يؤكد ذلك الأستاذ محمد بنهاشم في كتابه «العلاقات المغربية الأمريكية»).
ضمن واقع الدور الأمريكي الجديد عالميا ذاك، المنطلق منذ الحرب العالمية الأولى والمترسخ بقوة أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية، صار شكل العلاقات المغربية الأمريكية متناغما مع شروط القرن 20، حيث تحولت بلادنا إلى رهان أمريكي عسكري وأمني وسياسي بأفق الحساب الإستراتيجي الأطلسي لواشنطن، ولا يزال يتعزز ذلك الرهان إلى اليوم.