أمن درب السلطان «يكوّن» المواطنين في علم «تابوليسيت»

تفتقت عبقرية القائمين على الشأن الأمني بمنطقة الفداء مرس السلطان، المُستعار مقرها من آنفا واللاجئة إلى ترابها، عن فكرة عبقرية تستحق أن تُدرّس أكاديميا، وأن تخصص لها ساعات التحصيل العلمي، النظري منه والتطبيقي، لاستيعاب فلسفتها، التي تتمثل في «تكوين» المواطنين المشتكين في أصول ومناهج علم «تابوليسيت» حتى «يغرفوا» من غزارة نهره وينهلوا من فوائده وحكمه.
عناوين هذا المشروع «التشاركي» تترجمه تفاصيل واقعة من بين وقائع أخرى متعددة، نسردها على سبيل المثال لا الحصر، للاستدلال ومحاولة استنباط واستشراف بعض من الأهداف العميقة المسطّرة، التي تجد ضالتها المنشودة في الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة والنجاعة وتخليق المرفق العام، وغيرها من القيم التي تنهل مما هو كوني ودستوري فضلا عن ترسانة التشريعات الوضعية، وهو المشروع الذي يجب على الإدارة العامة للأمن الوطني أن تعمل على تعميمه، بعدما كان عبارة عن «بروجي بيلوط» حقّق أهدافا لا تعدّ ولا تحصى، ومكّن من «رجم» عصافير بحجرة واحدة، أهمها تخفيف الضغط عن الإدارة الأمنية وإبعاد المشتكين عنها.
الحالة/ المثال، تتعلق بتنفيذ تعليمات النيابة العامة في واقعة إصدار شيك بدون رصيد، ولأن تنفيذ إجراء قانوني في هذا الباب ليس بالأمر الهيّن، فقد طلب من المشتكية، أن تتقمص دور «كولومبو»، بعد طول زيارات للمصلحة المختصة، التي حققت خلالها جملة من المكتسبات، على رأسها الرفع من منسوب الصبر والقدرة على التكيّف مع مختلف الظروف والسياقات، وتحقيق رصيد جديد من درجات التحمل، فبعد أن اجتازت الأسدس الأول والثاني بنجاح واستحقاق كبيرين، انتقلت إلى الأسدس الثالث الذي يهمّ تجميع البيانات والمعطيات الشخصية للمشتكى به، التي لا علاقة لها بما هو مضمّن في الوثائق، ومنها تقديم المواصفات الجسمانية الحالية، الطول، لون البشرة، محل السكن، مكان العمل، مواعيد الدخول والخروج من وإلى المنزل وغيرها من التفاصيل الأخرى، التي كان على «الطالبة»، لحقّها المنشود، أن تبيّن عن إمكانياتها وأن تجتاز هذا التكوين الجديد وامتحانه بنجاح، فوجدت نفسها في الشارع العام، تقطع الدروب وتتعقّب ظل المشتكى به، الصادر ضده أمر الضبط والإحضار، لتسديد ما بذمته ومساءلته القانونية عن سلوكه وتبعاته.
عقبة، تمكنّت خلالها المتضررة من تجميع جملة من المعطيات التي من شأنها تبسيط مسطرة الإيقاف، لكنها وجدت نفسها مدعوة من جديد لاجتياز «أسدس» رابع، يتمثل في رصد وتعقب المبحوث عنه في سياق تكميلي، يساهم في حصر قُطر تحركاته وضبطها، وهذه المرة اضطرت إلى الانتقال إلى محيط تمدرس أبنائه، خلال فترة ما قبل الحجر الصحي، وتسجيل توقيت حضوره اليومي لإيصالهم واستردادهم، وتحديد نوعية السيارة ولونها وترقيمها، وغيرها من التفاصيل، وعندما أنهت هذه المهمة التي تطلّبت أياما من التتبع، واعتقدت أنها أتمّت كل مراحل التكوين «البوليسي»، وبأن مرحلة الانتقال من النظري إلى التطبيقي على أرض الواقع قد حلّت، طلب منها مواصلة المراقبة والتتبع، والتبليغ بالمبحوث عنه متى تم ضبطه من أجل تحقيق التدخل الميداني، الأمر الذي تعذر القيام به، بسبب الجائحة التي فرضت التعليم عن بعد، وما تلاها من تطور للأحداث؟!
أشهر من التكوين النظري والميداني، بخلاصات ليست بالسهلة، الأكيد أنها ستكون مفيدة لـ «الطالبة» على المستوى الشخصي لتأهيل مقدراتها في الرصد والتتبع وكيفية تجميع المعطيات والمعلومات، والتعامل مع مختلف عقبات الحياة اليومية، ومن أجل استيعاب المنهجية التي يتعامل بها بعض المسؤولين والمجهود الذي يبذلونه لتنفيذ التعليمات، الأمر الذي لا يكون هيّنا دوما، وبالتالي فمن شأن هذه التداريب إطلاع العموم على هذا الوجه المستتر «الصعب» والإكراهات التي تحول دون تحقيق بعض النتائج/التعليمات المرجوة، فمن عاش ليس كمن سمع، وهو ما يسعى القائمون على الشأن الأمني بالفداء مرس السلطان إلى ترسيخه وضمان استيعابه من طرف «الجميع»، لكي لا يحتج أحد على تأخر إجراء ولو تطلّب الأمر أشهرا أو سنوات، أو انتظار أن يتقدّم المشتكى به بنفسه إلى المصلحة الأمنية، بعد أن يكون أخبر المشتكين بذلك، كما وقع قبل عيد الأضحى رغبة في الحصول على تنازلاتهم!؟


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 18/08/2020