أحبّ الخيانة وأكره الخيالة
أحبّ الفساد والكساد ورعاية الجراد
أحبّ أن أبيع الحق من أجل الباطل
أحبّ أن أكون باطلا
أحبّ ألّا أتفوّه بالحق
أحبّ أن أكون شيطانا أخرس
أحبّ كثرة الكلام وقلة الفعل، فالكلام فاعل منصوب على طاولات المقاهي، في الأسواق وفي قرون الجبال، في الزوايا الحادّة من الحانات والمواخير والفنادق المصنّفة وغير المصنّفة، في المداشر والأرياف والقفار،بينما الفعل مجرور بالعلّة التي أصابت القلوب والألسنة وعاجت صوب الصّمت بحثاً عن علاج، استفحل الدّاء واستعصى على أهل الوقت إيجاد الدواء، لا بالبُخّ ولا بالكيّ يمكن أن نستأصل سرطان هذه الآفة التي حيّرت العقول قبل القلوب، وقوّضت أمماً وجاءت بأمم أخرى تعشق الإقامة في الأوحال والعيش في المستنقعات. لذا أحبّ مناصرة الزيف والتملّق والتّزلّف ولحس الْكَابّة والأحذية والغموض في الصفقات والشبهات التي تغني اللصوص وتفقّر الفقراء، إلى جانب هذا هناك لْحِيسُ الأكتاف والأيادي والجيوب. وأحبّ معاداة الاستقامة والقناعة، الحق والواجب، الشفافية والوضوح.
أحبّ أن أقدّم الميم حتى أنجو من لعنة أهل الوقت التي تلاحق كل عاصٍ ومتمرّد على حُكمها وحِكمتها، أما أنا / أنت فلا يجب عليك إلا الخضوع والخنوع، والاستكانة في الخوف والرُّهاب، أموت صبابة في نَعمْ وكُرهاً في لَا، إذ لا رأي يُسمَعُ له، كُلْ ونَمْ ولا تفكّر في مقام العلّية والمجالس المخملية، والكراسي الرجراجة التي تمغنطس المرء وتجعله ينسى من خَلَقه وينسى أباه وأمّه ثم عشيرته ودينه، ويحارب النهار ويلتحف الليل.
لذا فأنا مدين للفساد الذي عرّاني وكشف حقيقتي، التي كنت أداريها بالأقنعة وألبسها لكل مقال وفي أيّ مقام، وأمام صاحب السُّلْطَة والسَّلْطَة. مدينٌ لذوي الحِيل الذين يحوّلون الحقيقة وهماً والوهم واقعاً، الذين يمتطون صهوة الديمقراطية لتكريس البيروقراطية والزبونية والوصولية والانتهازية المقيتة، الذين يتقنّعون ألف قناع وقناع حُبّاً في مناصب زائلة وسلطة قاتلة، الذين ينتسبون إلى قبيلة الشيطان ويمارسون أبشع الجَوْر والظلم والبهتان على الإنسان.
مدينٌ للفساد لأنه الْبّزُّولة التي ألفتها يدي لاستدرار لبن المشاريع المسكوب في الأرصدة بدَل الواقع…
أكون شرساً بطلاً، مناضلا ومقاوما أمام العامّة والجهلاء، كلباً نابحاً جهرا متذلّلاً سِرّاً، حِمْلا وديعا وسط القطيع، أقاطع المسؤولية والمحاسبة وأساند السرقات الموصوفة والناهبة لخيرات البلد، أكون العالِم والعميل لا ضير في ذلك، أكون المستتر المبني للمجهول ولا أرضى أن أكون الظاهر الواضح المعلوم، لأني أحبّ الوطن حين يكون معتلَّ الإدارة والمؤسسة، معتلّ الحياة السياسية، أجوف في العِلم والنور، فارغ الجوهر برّاق المظهر، ناجحا في صفع المواطن بما ملكت أيماني من قمع وقلع وقرْع، لا أبالي بمن يشكو ويشتكي، بمن عينه بصيرة ويده قصيرة، أحيا حين أرى الناس تموت في أعالي الجبال ومغرب الخبز والشاي والسّكر، أمام المستشفيات الغمومية ( من الغمّ)، أمام قوارب الموت وهي تزفّ لنا الجثامين وأسماء المجهولين عبر قنوات الصرف الإعلامي بعيون مفتوحة وأفواه مبشوشة رغم فداحة المصاب.
وعليه فأنا المواطن الصالح وهم الخونة
أنا الأمين على أمن البلد وهم أعداء الوطن
هم الأوباش وأنا راعي الأمانة
هم لا يتقنون غير فتح الأفواه عند موائد الزرود وعند طبيب الأسنان.
هم الصائمون عن إدانة الباطل
أنا الساهر على رعاية الزيف وحراسة الأبواب الخلفية.
أحبّ الفساد في كل شيء؛
في الولاية والعمالة
في الدائرة والقيادة
في البلدية والجماعة
في الميزان والعدالة
في التعليم من أجل التعليب والتهذيب وصناعة الحشود والقطيع وتغييب العقل وتغليب النّقْل…
في الجامعة من أجل جمع لمّ شمل العلم وبحثه وتكسير ضلوع الموضوعية وإلحاق الضرر بالموضوع والعناية بالنرجسية والوصولية والمحسوبية حتى لا تصاب الجامعات بكوفيد الكفاءات. وتدريس ظاهرة الإقليشية في مراكز ومختبرات البحث العلمي.
أنا مغربي
أفتخر بالشوارع المبلّطة بالحُفَر
أفتخر بالأزقة المضاءة بالظلام وتكنى بأحياء الأمل والسعادة والنور والتقدّم ولا تحمل منها إلا الاسم، بينما الألم والشقاء والحلكة والتخلّف الوجه المخفي والمتواري خلف الشعارات الرنّانة والبرّاقة واللافتات المنمّقة بالكذب والبهتان على الإنس والجان.
أفتخر ببلادي التي يزداد فقراؤها فقرا ويغتني أغنياؤها غنى وتسلطا وتغوّلا.
أفتخر بصناديق الانتخابات الفارغة من الأصوات، والمملوءة الأسوار ونسب المشاركة المرتفعة، حيث يعلو سور السلطة إلى أعلى بينما سور الفقراء هو الأقصر لقتل روح الوفاء لروح الوطن وندائه.
أفتخر بالكراسي التي يرتع فيها بعض لصوص البلد والعملاء ونهب المال العام على عينيك يا بن عدّي…
أفتخر بالأرصفة المتربتة التي تقف عليها وجوه يعشش فيها البؤس والضياع والقلق والصبر الذي شاخ في المُقَل والأفئدة
أفتخر بالمقاهي المنتشرة كالفطر تبيع الفراغ لروادها وعاطليها، للسماسرة والقوّادين وبائعي الأوهام، وتبتسم في وجوه فتيانها وفتياتها بدون خجل ووجل
أفتخر بأعمدة الكهرباء المطفأة في كل المدن والمداشر، أقصد مصابيح التنمية الحقيقية.
أحبّ النّهب والنّهم والتّهم وأنبذ القمم والهِمَم
أحبّ غودو الذي ينتظره كل المغاربة ليحملوا حقائبهم هربا من عدالة الوطن
أحبّ الوطن الغشاش السمسار
أحبّ الجهل وأكره العِلْم
أحبّ الزيادة في الأثمان وأكره عدالة الإنسان
أحبّ المغرب الحاضر وأكره المغرب الحلم
أحبّ فاء الفسق والفتق والفرط وأنبذ فاء الفتح والفلاح والفصح
أحبّ ما يكرهون وأكره ما يحبون
أحبّ الكره لأنه دواء الحب
وأكره الحب لأنه خفيف في ميزان الباطل
أنا مغربي
لي الحق في إدانة الفقير والإعلاء من سومة الغني
لي الباطل سنداً والشيطان وليّاً
لي الحق عدوّاً والحقيقة امرأة مغتصبة من لدن الخونة
لي الحق في خيانة الوطن وصناعة الوثن
لي الحق في السير بدون حذاء وبلا مظلة كي أدرك أني مغربي
وأفتخر بمالذ من ألم وأمل
بما نضح من القِرَب من دم ودمع وعطشٍ
بما نحن أمامه الآن من ليل يطول على الجيوب والقلوب، على البلاد والعباد
على البحر والبر والجو
أفتخر بأني مغربي ودون سواي عدوّي
أموت حبّا في تزوير حياتي بالغش في الميزان والامتحان وعدالة النسيان
أموت صدقا في ممارسة النفاق
وأحيا في مارستان الكفاف والعفاف
أنا المغربيّ الطاعن في بحبوحة اليأس
الغارق حتى الأذنين في بحر البؤس
الضالع في اقتراف البشاعة والبراءة في آنٍ
أقول:
المغرب مغربان
الأول في طليعة الأوهام والأسقام خارج الحقيقة، داخل العيادة بدون دواء
والثاني في طليعة الوجع والفساد داخل المستنقع، خارج الفرح والأوراد
المغرب صورتان
صورة الوهم المروّج لها وصورة الواقع المنسية خلف كواليس السياسة وأهلها.
صورة الأحياء الموتى وصورة الموتى الأحياء
مغرب النقيضين لا المطابقة
أنا مغربي
لا دِينَ لي سوى الله
ولا دَيْن عليّ سوى حبّ الفساد والكساد ترعاه دار لقمان بحراسة شديدة ولصيقة من حليمة.
أنا المغربي

الكاتب : صالح لبريني
بتاريخ : 17/06/2025