أنواع التأديب وآثاره في الممارسة التربوية

مظاهر التأديب المدرسي متعددة بتعدد السلوكات المشينة المرتكبة ، منها إجبار التلميذ على الوقوف خلف الطاولات “ Le piquet « في وضعية صعبة كرفع الرجل الواحدة أو اليدين ، أو الحرمان من الاستفادة من أحب فترة للتلميذ وهي فترة الاستراحة أو التربية البدنية أو أي نشاط مواز من قبيل الخرجات أو الزيارات أو التمتع بعروض لفرق بهلوانية أو ترفيهية، و قد تكون العقوبة محددة في الكتابة لمرات متكررة لفقرة أو جملة، ومن الأساتذة من يلجأ إلى تقزبم النقط المحصل عليها في بعض الفروض أو الاختبارات إلى جانب كل هذا، هناك اللسان السليط المعتمد على الكلمات النابية من قبيل الإهانة أو الاستهزاء بالتلميذ أمام زملائه أو كتابة كلمات قاسية و جارحة على لوح أو ورق و تثبيتها خلف ظهره و الطواف به عبر أقسام المدرسة « حمار – كسول – بغل – ـ ـ « لتبقى عقوبة الضرب بأنواعها طريقة ينهجها الكثير رغم تأكيد المذكرات الوزارية على منعها، والتي تكون إما بالضرب على الأرجل « فلاقة «، أو على الأيدي أو الأصابع و أحيانا عشوائية على جسم التلميذ بكامله، وهي الأخطر « وتكون بواسطة العصا تأتي على الأخضر واليابس ، فهذه الآلة الشبيهة بطاحونة عمياء لا يهمها إلا الحطب الذي يشغل محركها والضحية التي ستقدم العبرة ـ ـ ـ العنف كان يمارس في كل مكان من الجسد ، الرأس وليدين و رؤوس الأصابع و الركب و كانت الممارسة مدعمة بفكرة ترى أن الطفل سينسى والحقيقة أن الأطفال لا ينسون . « (1)
ليبقى اللون الأحمر للصفر على الورقة نوعا آخر « شفنجة – زيرو « كرمز قاس للعنف الرمزي الملتصق ب « المكلخ – الضبع – الحمار – السطل – ـ ـ « علامة مميزة قد لا تفارق التلميذ داخل القسم أو خارجه من طرف زملائه و قد تحوله إلى تلميذ عنيف كوسيلة للدفاع عن نفسه و كنوع من التهديد لمن يلاحقونه بهذه العبارات ، ما عدا بعض الأساتذة الذين يلجؤون إلى تهديد التلاميذ بالمدير أو أستاذ آخر فاقت شهرته الآفاق في طرق الضرب .
و أمام السلوكات الأكثر عنفا من قبيل استعمال العنف بوسائل و آلات حادة أو سلاح أبيض سواء ضد تلميذ أو أحد الأطر التعليمية نتجت عنه أضرار جسيمة يمكن أن تشكل رغبا داخل المؤسسة ، تلجأ الإدارة بعد اجتماع مجلس الأساتذة لاتخاذ قرارا تراه مناسبا للجرم المقترف إما بالطرد أو تغيير المؤسسة حفاظا على السير العادي للمؤسسة بناء على الفقرة الأولى من الفصل 11 من المرسوم رقم 113 . 72 . 2 بتاريخ 11 فبراير 1972 بمثابة النظام الأساسي المعدل في 2001 « يتحمل المدير المسؤولية التربوية و الإدارية و المالية للمؤسسة و يسهر على سير الدراسة و يحافظ على النظام و التأديب «.
لم يكن التأديب بواسطة الإكراه و العنف وسيلة تربوية ناجعة و لا هدفا لخدمة التربية لأنها حسب « جون لوك « ترمي إلى خلق داءين متناقضين ، العنف مقابل المخالفة حيث أنها لا تزيد الطفل إلا تمسكا بما هو أقبح ، فقد نحصل من خلال التأديب بالإكراه و العنف على الهدوء والصمت داخل القسم والاحترام المؤقت الذي يخفي وراءه العاصفة بكل ما تحمله من مكبوتات تظهر كسلوكات مشينة خارج القسم ( شغب ، عدوانية ، تخريب ، خربشة على الجدران و الطاولات ، سب و شتم ـ ـ ـ ) كما أن مردودية عطائه المدرسي تقل ويصبح مجرد ذات على مقعد .
و حتى نلامس أكثر آثار التأديب بالعنف على التلاميذ و التي تؤثر سلبا على أدائه الاجتماعي و السلوكي و التعليمي حيث يتحول إلى كائن لا يتفاهم ، عشوائي في اتخاذ القرارات ، عديم الثقة في نفسه و بالتالي انهيار الشخصية لديه .
و حسب الإخصائية النفسانية « ليلى قاسمي « (2) أن العنف ضد الأطفال قد يتجاوز الآلام والجروح إلى حد إلحاق الأضرار الجسيمة على مستوى النفسية سواء أكان العنف لفظيا أو جسديا كما أنه يتسبب في انخفاض على المستوى العلمي له و اضطرابات سلوكية كعدم امتثاله للأنظمة أوالأساتذة .
لذا نجد « لوك « الذي يعتبر من المعارضين الأقوياء للعقاب الجسدي يقول « بعيدا عن النصح بمعاملة الأطفال بقسوة ، أعتقد أن جعل التربية عملية عقاب قاس لا يمكنها أن تحقق إلا القليل من النتائج المرضية ، وعلى العكس من ذلك فإنها تحدث الكثير من الضرر ، فالطفل يراجع درسه ضد إرادته لأنه مرتاح من عدم ضربه، ويحرم نفسه من فاكهة يحبها جيدا لتلافي الضرب ، لكن توجيه أفعاله وتصرفاته بمثل هذه الدوافع، لا يمكن أن يكرس فيه شيئا سوى مبدأ الانحلال الذي يجب علينا محاولة اقتلاعه والقضاء عليه بكل الوسائل الممكنة، إن هذا النوع من التصرف الحقير يجعل المزاج كذلك حقيرا . « (4)
فالتأديب بمفهومه أداة تقويمية ينبغي التعامل معها بحرص شديد نتوخى من خلاله خلق جو الاحترام بين الأستاذ والتلميذ ، حتى وإن صدر من هذا الأخير جرم أو خطأ يستحق معه نوعا تأديبيا يكون مقتنعا به في حدود عدم الإهانة أو التحقير ،

المراجع :
1) محمد مكسي – « من جيل الفلقة إلى جيل الحوار « جريدة الاتحاد الاشتراكي (ملحق التربية ) عدد 10 يونيو 1999
2 ) ليلى قاسمي – اخصائية نفسانية جزائرية .
3 ) جواد دويك – « العنف المدرسي « مداخلة أكاديمية – شبكة المعارف / مارس 2000-
4 ) ج .ليف و ج . روستان – “ فلسفة التربية “ ص : 152 / 153 .

(*)كاتب وإعلامي


الكاتب : محمد الصفى(*)

  

بتاريخ : 21/04/2022