وكالات
نشر موقع «إنسايد أوفر» الإيطالي تقريرا، تطرق فيه إلى التغييرات التي طرأت على الصعيد العالمي خلال العقدين الماضيين، انطلاقا من تنصيب ثلاثة باباوات، وانتخاب أربع رؤساء للولايات المتحدة، وصولا إلى تناول ثلاثة رؤساء للجمهورية الإيطالية على السلطة، هذا دون احتساب رؤساء مجلس الشيوخ.
وقال الموقع إن عقدين من الزمن لا يمثلان حقبة تاريخية، لكن حدثت خلالهما جملة من الأحداث الملحوظة.
هجمات 11 شتنبر 2001
أوضح الموقع أن الألفية الجديدة انطلقت في 31 ديسمبر 1999، بوصول فلاديمير بوتين إلى الحكم في روسيا. وأجريت في سنة 2000 أكثر الانتخابات إثارة للجدل في التاريخ الأمريكي، انتهت بفوز جورج بوش الابن بفضل بضعة أصوات في فلوريدا. ومع ذلك، عندما يفكر المرء في بداية القرن الحادي والعشرين، فإن أول ما يتبادر إلى ذهنه هو أحداث 11 سبتمبر 2001.
وبيّن الموقع أن جميع المحطات الإخبارية تناقلت بعد الساعة الثالثة ظهرا بالتوقيت الإيطالي الصور التي بثتها شبكة «سي إن إن» الأمريكية عن الحادثة، واجتاح شريط «الأخبار العاجلة» جميع البرامج الترفيهية المقررة بعد ظهيرة عادية في سبتمبر. ويتذكر الجميع ماذا كان يفعل لحظة اصطدام طائرتين بالبرجين التوأمين.
اعتبر الهجوم في نيويورك حدثا بارزا في بداية القرن، لسببين محددين، من ناحية، أن لا أحد توقع هجوما يستهدف قلب القوة الأمريكية، خاصة بعد سقوط جدار برلين حديث العهد، ومن ناحية أخرى، لأن التلفزيون الحي نقل إلى بيوت المشاهدين لساعات طويلة أشباح إرهاب قادرة على أن تعكر صفوة الحياة اليومية لقرن وعد بأن يكون أكثر أمانا.
التدخل الأمريكي في أفغانستان والعراق
بعد هذه الهجمات بفترة وجيزة، تعرف العالم أيضا على شبكة الجزيرة، التي أصبحت شائعة تقريبا مثل الشبكة الأمريكية سي إن إن. ومن خلالها، قام أسامة بن لادن، الشخص المسؤول عن هجوم 11 أيلول/ سبتمبر ومؤسس تنظيم القاعدة، بإلقاء كلماته. ظهر بن لادن، مع رسائله في مساء يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2001، عندما هاجمت الولايات المتحدة أفغانستان للحرب على الإرهاب، بعد الاشتباه في تعاون نظام طالبان مع القاعدة.
وذكر الموقع أنه بعد سنتين، هاجمت الولايات المتحدة عراق صدام حسين في 9 نيسان/ أبريل 2003. ونتيجة لذلك، انهار نظام الرئيس العراقي، ودخلت القوات الأمريكية بغداد في حرب بررتها شكوك، اتضح فيما بعد أنها خاطئة، حول امتلاك صدام أسلحة الدمار الشامل. وبعد ما يقرب من عقدين من الزمن، لا يمكن القول إن الحرب انتهت، بل تسببت الحملتان في زعزعة استقرار الشرق الأوسط.
الربيع العربي
وأضاف الموقع أنه بعد سنة من تلك الهجمات كانت مدريد في سنة 2004 ولندن في سنة 2005 أول مدن أوروبية تتعرض للهجوم من قبل الإرهاب الجهادي. في غضون ذلك، كان الجميع على موعد مع حدث آخر مهم سنة 2011. في تلك السنة، وقع الشرق الأوسط في دوامة توتر أخرى، وسرعان ما وصلت عواقبها إلى أوروبا. من تونس إلى مصر، مرورا بسوريا وليبيا ودول أخرى في المنطقة، خرجت الشعوب إلى الشوارع للاحتجاج ضد الأنظمة الحاكمة.
سقط نظام بن علي ومبارك، لكن لا تزال الحرب تدور في ليبيا وسوريا، حيث انتهى عهد معمر القذافي في ليبيا، بينما تمكن الأسد من الاحتفاظ بالسلطة. أفسحت القضيتان الليبية والسورية منذ سنة 2015 فصاعدا المجال أمام التقدم السياسي في الشرق الأوسط لقوتين قديمتين: روسيا وتركيا، اللتان تحاولان الأخذ بزمام المبادرة في المنطقة الأكثر استراتيجية في العالم.
التغييرات في الفاتيكان
ولئن كان العالم متأثرا بالتغيرات في الشرق الأوسط، إلا أنه لا يمكن التقليل من شأن الأخبار القادمة من الفاتيكان. بدأ القرن الحادي والعشرين مع البابا يوحنا بولس الثاني، الذي تم تنصيبه سنة 1978، ليجعل الكنيسة مواكبة لسنة 2000، لكن اسمه ارتبط ارتباطا وثيقا بالقرن العشرين.
يعتبر تاريخ وفاته، 2 أبريل 2005، من أكثر تواريخ بداية القرن ذكرا، وخلفه جوزيف راتسينغر، الذي أخذ اسم بنديكت السادس عشر. ستظل شخصية نهاية اللاهوتي مذكورة إلى الأبد قبل تقديم الاستقالة المدوية في 11 شباط/ فبراير 2013.
وفي 13 مارس 2013، انتخب المجلس خورخي ماريو بيرجوليو، البابا الحالي فرانسيس. وللمرة الأولى، تعرف للكنيسة باباوان داخل جدران الفاتيكان: واحد في السلطة والآخر «فخري».
الأزمة الاقتصادية
أشار الموقع إلى أن سنة 2008 كانت نقطة تحول حقيقية أفلس فيها بنك ليمان براذرز، وكان العالم شاهدا عاجزا على واحدة من أسوأ الأزمات المالية في التاريخ العالمي. في الولايات المتحدة، تراجعت سوق الأوراق المالية، وارتفعت معدلات البطالة بشكل كبير وانتهى الاقتصاد في ركود عميق. واجهت العديد من الدول الأخرى -بما في ذلك إيطاليا- مصيرا مشابها.
وتشير الهيئة الوطنية للشركات والبورصة إلى أن الأزمة المالية للقروض العقارية بدأت في الولايات المتحدة في سنة 2006. وتعود أسباب الأزمة إلى سنة 2003، عندما بدأ منح القروض العقارية عالية المخاطر بوتيرة كبيرة للحرفاء، الذين لا يمكنهم تقديم ضمانات كافية.
وتُعزى العوامل التي حفزت نمو القروض العقارية عالية المخاطر إلى ديناميات سوق العقارات الأمريكي وتطور السندات المالية. وتشير التقديرات إلى أن 1.2 مليون وظيفة فقدت في إيطاليا بين سنة 2008 ومنتصف 2014، وهي تعدّ ثاني دولة في الاتحاد الأوروبي من حيث فقدان الوظائف.
عودة القومية: ظواهر شعبوية وسيادية
أورد الموقع أن الأزمة الاقتصادية أولا، ثم أزمة النظام الليبرالي آنذاك، ولّدتا موجة من عدم الثقة تجاه الأحزاب التقليدية، غير القادرة على استيعاب التغيير الذي يحدث بشكل كاف.
في جميع أنحاء الغرب، تعرضت الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية، التي كانت قد حولت انتباهها من الطبقات الشعبية والمتوسطة إلى النخبة العالمية بعد سقوط جدار برلين، إلى الاجتياح من قبل موجة جديدة من الأحزاب القومية، التي تتوق إلى استعادة السيادة الضائعة بسبب العولمة وحماية الطبقات الأقل ثراء والطبقات الوسطى، التي أصبحت مستنفدة إلى حد كبير أثناء العولمة، مثل رابطة الشمال في إيطاليا، والتجمع الوطني لمارين لوبان في فرنسا، وحزب البديل في ألمانيا.
ومثلت سنة 2016 ثورة حقيقية في هذا المجال بالاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والنصر المذهل لدونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 ضد هيلاري كلينتون.
أزمة النظام الليبرالي العالمي
في نهاية الحرب الباردة، دخلت الولايات المتحدة العالم بقدرات وقوة ونفوذ غير مسبوقة. مع هزيمة الاتحاد السوفيتي ونهاية عصر القطبية الثنائية، بدأ السياسيون الأمريكيون يحلمون بنمذجة العالم في صورة ومثال القوة العظمى الوحيدة المتبقية.
أبدى فرانسيس فوكوياما رؤية متفائلة للمستقبل في التأمل الذي عكسه في مقالته «نهاية التاريخ؟»، التي نشرتها مجلة «ناشيونال إنترست» في صيف سنة 1989، والتي تظهر فيها الليبرالية في عيون العالم السياسي اللامع، الرابح الوحيد الممكن والهدف النهائي للتطور التاريخي للإنسان والمجتمع.
كما ذكر مستشار الأمن القومي لجورج بوش، برنت سكوكروفت، في وقت لاحق في كتاب نُشر سنة 1999 بعنوان «عالم متغير»، أن الولايات المتحدة وجدت نفسها «تقف وحدها في ذروة القوة». ومع خروج السوفييت من اللعبة، كانت لدى الولايات المتحدة وقادتها «فرصة نادرة لتشكيل العالم والمسؤولية العميقة لفعل ذلك بحكمة، لا لمنفعة الولايات المتحدة فحسب، بل لجميع الأمم».
مع صعود روسيا والصين وظهور عالم جديد متعدد الأقطاب، لم يعد للأحادية القطبية التي اعتمد عليها في تشكيل النظام الليبرالي العالمي أي وجود. ومن الواضح حاليا أن النظام الليبرالي والديمقراطي والرأسمالي ليس هو النموذج الوحيد الممكن لعالم معولم، ما يعني أن الأشكال السياسية الأخرى ستستمر.
صعود الصين وروسيا
وواصل الموقع الحديث عن روسيا التي عززت دورها كقوة عظمى بعد الأزمة العظيمة في التسعينيات، وذلك بفضل ضم شبه جزيرة القرم والتدخل الروسي في سوريا في سنة 2015. كما أصبح التنافس بين واشنطن وبكين أكثر عدوانية ابتداء من يناير 2018، عندما كشف البنتاغون عن «استراتيجية الدفاع الوطني» الجديدة التي تعرّف الصين وروسيا بأنها أكبر تهديدين للمصالح المباشرة للولايات المتحدة، وتعدّ النخبة السياسية في واشنطن وبكين التهديد الأول الذي تواجهه القوة العظمى الأمريكية.
كان ذلك نقطة تحول أفضت إلى تغيير عميق في سياسة الدفاع الأمريكية بعد الحرب على الإرهاب التي قادتها إدارة جورج بوش الابن بعد 11 سبتمبر 2001.
ووفقا لستيفن إم. والت، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد، فإنه «في عالم يتعين على الدول فيه حماية نفسها، تنظر قوتان إلى بعضهما البعض بحذر وتتنافسان؛ للتأكد من أنهما لا تتخلفان أو تصبحان عرضة للخطر وحتى عندما يتم تجنب الحرب، من المرجح أن تحدث منافسة شديدة على الأمن».
ويشير والت إلى أن الصين «لم تعد ملتزمة بسياسة النمو السلمي لدنغ شياو بينغ، لأن هذا النهج كان منطقيا عندما كانت الصين أضعف وخدعت الكثير من الغربيين».
وفي الختام، ذكر الموقع أنه في سنة 2005، توقع البروفيسور جون ميرشايمر أن الصين كانت تتجه إلى الهيمنة الإقليمية، وإذا حافظت على وتيرة النمو الاقتصادي والعسكري الذي كانت تمر به في ذلك الوقت، فمن المحتمل أن تكون قد دخلت في منافسة أمنية مع الولايات المتحدة نفسها، وهذا ما يحدث حاليا.
مواجهة أمريكية إيرانية محتملة
رجحت صحيفة إسرائيلية، نشوب مواجهة عسكرية بين إيران وأمريكا، وهو ما يمثل فرصة سانحة لـ»إسرائيل»، داعية إلى القيام بـ «عمل عسكري وقائي»، أمريكي إسرائيلي ضد إيران.
ونوهت صحيفة «يديعوت أحرنوت» العبرية في مقالها الافتتاحي الثلاثاء، والذي كتبه معلقها العسكري أليكس فيشمان، إلى أن «إمكانية أن تشرك إيران إسرائيل في المواجهة العسكرية المتصاعدة بينها وبين الولايات المتحدة، هي فرصة من ناحية جهاز الأمن الإسرائيلي».
وأشارت إلى أن وزير الحرب نفتالي بينيت، «يبث لهيئة الأركان رسالة واضحة؛ المزيد من معدل السرعة؛ فمن هجمات تأتي على سبيل الرد ضد أهداف إيرانية في سوريا إلى هجوم مبادر إليه ومتواصلة».
بمعنى آخر، «في حال كانت إسرائيل تهاجم اليوم أهدافا ايرانية وسورية فقط عندما ينكشف عتاد عسكري إيراني وصل لسوريا، بهدف تعزيز البنية التحتية العسكرية الإيرانية في سوريا لبنان، فإن الوزير بينيت، يعتقد أنه حان الوقت لتغيير الاستراتيجية، عدم انتظار أن يأتي العتاد، بل ضرب أهداف ايرانية في ظل جباية ثمن باهظ في الأرواح، حتى يجف مسار إرسال السلاح من العراق لسوريا، وتفهم إيران أن الاستثمار في المواجهة مع إسرائيل، هو مستنقع مغرق».
وأوضحت أنه «ليس من المؤكد أن كل قيادة الجيش تتبنى استراتيجية بينيت القتالية هذه، ولكن صاروخا جوالا واحدا على حيفا كفيل بأن يغير رأيها».
وفي حال «استغلت إيران الهجوم الأمريكي الأخير في العراق كي تعاقب إسرائيل، فإنهم سيخدمون أولئك الذين يدعون في إسرائيل إلى استغلال الضائقة الإيرانية السياسية في العراق والاقتصادية في الداخل، من أجل التخلص من الإيرانيين في سوريا»، بحسب الصحيفة.
وذكرت «يديعوت أحرونوت» أن «2020 عام للمواجهة العسكرية بين إيران والولايات المتحدة، ويبدو أن حجر الدومينو الأول في طريق المواجهة سقط منذ هذا الأسبوع، مع تبادل الضربات على الأرض العراقية بين الجيش الأمريكي والمليشيات المؤيدة لطهران».
ورأت الصحيفة، أن السيناريو الذي حذر منه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في حزيران/ يونيو الماضي، بأن «مقتل أمريكي في العراق سيكون اجتيازا لخط أحمر»، فقد بدأ هذا السيناريو «يتحقق بالفعل».
وقدرت أن «الصدام القريب يسرع اشتعالين؛ الأول؛ هو النشاط العسكري الإيراني المباشر ومن خلال مبعوثين ضد الولايات المتحدة وحلفائها، في حال قررت طهران إدخال «تل أبيب» في صورة الضغوط على واشنطن، وحينها ستجد إسرائيل نفسها في مواجهة مسلحة معهم في سوريا وربما لبنان».
وأما الاشتعال الثاني، فهو في «حقل خرق الاتفاق النووي، حيث أعلنت إيران مؤخرا عن سلة من التراجعات عن الاتفاق النووي»، بحسب «يديعوت»، التي أكدت أن «من شأن هذه الاختراقات، أن توصل إيران في 2020 إلى إنتاج اليورانيوم بكمية أعلى بعشرة أضعاف عما هو مسموح لها في الاتفاق، وهذا من ناحية الولايات المتحدة وإسرائيل، يعتبر كمية تسمح بالانطلاق نحو القنبلة النووية».
وفي يناير 2020، «تهدد إيران بالإعلان عن رفع درجة تخصيب اليورانيوم فوق 4.5 في المئة، في ظل استخدام أجهزة طرد مركزي حديثة محظور استخدامها».
وعند هذه النقطة، رجحت الصحيفة أن «تنضم دول غربية مشاركة في الاتفاق مثل؛ فرنسا، بريطانيا وألمانيا، إلى العقوبات الأمريكية على إيران، ومن هناك يصبح كل شيء متاحا»، موضحة أن هذا الوضع، «ليس له حل في هذه اللحظة، وهي دعوة لعمل وقائي عسكري، أمريكي إسرائيلي أو غيره».
انهيار سياسة أمريكا الخارجية؟
نشرت صحيفة «الغارديان» مقالا لمراسلها جوليان بورغر، يلخص فيه مسار السياسة الخارجية الأمريكية عام 2019، واصفا إياه بأنه العام الذي انهارت فيه السياسة الخارجية الأمريكية، وأصبحت تعتمد على نزوات الرئيس دونالد ترامب.
ويشير بورغر إلى أن نهج الرئيس تجاه قضايا العالم لم يكن أكثر من تشابك في المصالح الشخصية والنرجسية وفورات على «تويتر».
ويقول الكاتب إن عقدا جديدا من القرن الحادي والعشرين على وشك البدء في ظل النذر السيئة القادمة من بيونغ يانغ، التي تهدد بالعودة إلى اختبار الصواريخ طويلة المدى بعد توقف عامين، مشيرا إلى أن بندول كوريا الشمالية انحرف من الحماس الدبلوماسي إلى التهديد، في وقت ينشغل فيه الرئيس الأمريكي ترامب بحملة إعادة انتخابه.
ويعلق بورغر قائلا إن «هذا قد يكون أمرا جيدا؛ لأن الرئيس الأمريكي سيكون منشغلا بحملة الرئاسة، ولن يكون راغبا في تخريب روايته عن السلام والازدهار في البلاد، وربما كان نذير سوء، حيث سيقوم كيم جونغ أون باستغلال اللحظة وارتكاب خطأ».
ويلفت الكاتب إلى أن المرة الأخيرة التي حصلت فيها المواجهة بين ترامب وكيم، لوح كلاهما بسلاحه النووي، مشيرا إلى أنه بحسب رواية جديدة، فإن ترامب أدهش مساعديه عندما طلب نقل 25 مليونا من سكان الحدود في كوريا الجنوبية إلى سيؤول لئلا يتم استخدامهم رهائن، وأمر بسحب عائلات القوات الأمريكية من كوريا الجنوبية، رغم ما قيل له بأن تحركا كهذا سيفسره الكوريون الشماليون على أنه مقدمة لهجوم.
ويقول بورغر إنه «تم قتل الأمر بهدوء من وزير الدفاع في حينه جيمس ماتيس، الذي استقال العام الماضي، ومن غير المحتمل أن يتجاهل الوزير الجديد مارك إسبر أمرا كهذا».
ويجد الكاتب أنه «بخروج الكبار في الإدارة كلهم، فإن ترامب لم يعد يثق بأي شيء سوى حدسه، وباتت القرارات تأتي من تغريداته، وغالبا ما تكون مفاجئة لمساعديه، وأصبحت سياسة ترامب الخارجية عام 2019 مشخصنة أكثر من أي وقت مضى، وتقوم على التحولات في مزاج الرئيس والتأثير الخارجي».
وينوه بورغر إلى أنه في آخر قمة بينهما في فبراير، قدم ترامب لكيم عرضا لنزع التسلح بشكل كامل، مع أن المسؤولين كانوا يعملون على نزع تدريجي يقابله تخفيف متدرج للعقوبات، إلا أن العلاقات بين الطرفين باتت تنهار بشكل بات فيه المسؤولون الأمريكيون ينتظرون هدية «عيد الميلاد» من كيم.
ويقول الكاتب إنه «في سوريا، فإن التغير المفاجئ أدى إلى مفاجأة الجنود الأمريكيين هناك، فبعد مكالمة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 6 أكتوبر، قامت القوات التركية بالدخول إلى شمال سوريا بعد انسحاب الجنود الأمريكيين، دون استشارة مع البنتاغون، وبعد انسحاب القوات الخاصة حاول ترامب تخفيف حدة التدخل التركي، من خلال رسالة غريبة هدد فيها أردوغان، قال له فيها: (لا تكن الرجل القاسي ولا تكن أحمق)، ثم أمر القوات الأمريكية بالعودة، معطيا لها مهمة جديدة، وهي (حماية النفط)».
ويعلق بورغر قائلا إن «استخراج المصادر الطبيعية لبلد قد يكون جريمة حرب، في وقت حاولت فيه البنتاغون تفسير كلام ترامب بطريقة لينة، وهي مواصلة محاربة إرهاب تنظيم الدولة، ومن غير المعلوم إلى متى سيظل التوازن قائما، فأردوغان يتعامل مع الأكراد على أنهم تهديد وجودي، وسيعمل ما بوسعه ليدفع ترامب لسحب قواته».
ويفيد الكاتب بأنه «في أفغانستان بدا التخبط ذاته، فغير ترامب موقفه مرتين، وقضى زلماي خليل زاد معظم العام في مفاوضات مع حركة طالبان، ما أثار قلق حكومة كابول، وعندما كان يقترب من التوصل لاتفاق ألغى ترامب لقاء كان سيعقد في كامب ديفيد بذريعة هجوم نفذته الحركة في كابول، وكان قرارا مفاجئا لجميع المشاركين الذين شاركوا في محادثات لمدة 18 شهرا».
ويشير بورغر إلى أنه بعد أقل من ثلاثة أشهر أعلن ترامب في أثناء زيارة للقوات الأمريكية في أفغانستان عن العودة مرة أخرى للمفاوضات مع حركة طالبان.
ويرى الكاتب أن «قرار الرئيس إعطاء الضوء الأخضر لضرب إيران بعد إسقاطها طائرة مسيرة ثم تراجعه كان الأكثر غرابة، وذلك لأن المقاتلات الأمريكية كانت على بعد عشر دقائق عن الهدف، وفي قرارات الحرب والسلام لا يوجد هناك تفكير واضح، ولا يمكن استخدام مصطلح (السياسة الخارجية)».
ويبين بورغر أن «وزارة الخارجية الأمريكية والدفاع تخسران عندما تتصادم مصالح الرئيس وعائلته معهما، وكان هذا واضحا في فضيحة أوكرانيا، التي قادت يوم 18 كانون الأول/ ديسمبر إلى إجراءات عزل الرئيس في الكونغرس، فقد كان هدف السياسة الخارجية الأمريكية هو دعم حكومة كييف لمواجهة روسيا، لكن ترامب وضع قدمه على الكوابح، وحولها لخدمة أغراضه الانتخابية، واستخدام النفوذ الأمريكي -مساعدات عسكرية- من أجل التحقيق في منافس سياسي له».
ويفيد الكاتب بأن «البيت الأبيض تدخل لوقف الإجراءات العقابية ضد روسيا والسعودية وتركيا؛ لأسباب غير واضحة، وتتعامل إمبراطورية ترامب التجارية مع هذه الدول كلها، بالإضافة إلى الصين وإسرائيل، واقترض صهر الرئيس ومستشاره جارد كوشنر، المفترض أن يقدم خطة سلام لحل النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أموالا من المؤسسات المالية الإسرائيلية، وفي الوقت ذاته كانت الصين مجتهدة في منح براءات الاختراع لإيفانكا ترامب، في وقت كان فيه والدها يتفاوض مع بكين بشأن صفقة تجارية».
ويقول بورغر إن «الغرور الشخصي يظل وراء الكثير من تعاملات ترامب، الذي يريد تدمير ميراث سلفه واستبداله بشيء آخر، فقد تم بذل جهود كبيرة في الكونغرس والإدارة لإلغاء معاهدة التجارة الحرة (نافتا) مع المكسيك وكندا، واستبدالها بواحدة شبيهة لها، تعبر عن انتصار لترامب، ولم يتم استبدال اتفاقيات أخرى، مثل المعاهدة النووية عام 2015 مع إيران، التي خرج منها ترامب العام الماضي».
ويجد الكاتب أنه «في السياق ذاته فإن ترامب خرج من معاهدات التحكم في السلاح النووي، كما فعل بالمعاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى، ولم تعد هناك سوى معاهدة نووية واحدة لحماية العالم (نيوسارت)، التي تفرض حدا لانتشار السلاح على روسيا وأمريكا، ومن المتوقع أن تنتهي عام 2021، ومن الناحية الرسمية تريد واشنطن ضم الصين التي ترددت في الانضمام إلى معاهدة جديدة».
ويعتقد بورغر أن «مشكلة سياسة ترامب الخارجية هي أن كل مشكلة تتناقض مع الأخرى، فمن ناحية يرغب ترامب بجلب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط، وتخفيض مشاركتها في نزاعات المنطقة، وكان قراره عدم المضي في ضرب إيران انعكاسا لهذه الرغبة، إلا أن قرار الخروج من الاتفاقية النووية وتشديده العقوبات على إيران زاد من مخاطر الحرب، وفي الوقت الذي خفض فيه القوات الأمريكية في سوريا لمئات من الجنود قام بنشر 1800 جندي في السعودية».
ويرى الكاتب أنه «في السياق ذاته، فإن تفضيل ترامب للديكتاتوريين والتغزل بهم يبدو وسيلة لتحقيق ما يتوهم أنها صفقات معهم، سواء كان هذا مع كيم أو فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ، في وقت يرى فيه أن الحلفاء في الدول الديمقراطية مستفيدون من أمريكا ويعيشون دون مقابل تحت مظلة أمنية أمريكية باهظة الثمن».
ويختم بورغر مقاله بالقول إن «هذا واضح من موقفه تجاه الناتو، حيث رفض الالتزام بالدفاع عن دوله في حال تعرضها لهجوم روسي، وعليه فإن مستقبل الحلف سيكون محلا للسؤال لو أعيد انتخابه مرة ثانية».