إذا كان الحديث عن دعم التعلمات لدى متعلمي المدرسة المغربية مرتبطا بالأساس بالنتائج السلبية والمخيبة للآمال التي تم تحصيلها جراء المشاركة في التقويمات الدولية أو تنظيم تقويمات وطنية ومحلية، دون إغفال استثمار نتائج التقويمات المدرسية العادية التي يخضع لها كل متعلم من متعلمي المدرسة المغربية بصفة دورية، فإن موثوقية هذا الحديث عن الدعم التربوي تستمد بدرجة كبيرة من قيمة ودور ومكانة الهيئات المشرفة على إجراءات وعمليات التقويم.
فكلما كان تقويم التعلمات والمكتسبات تحت إشراف هيئة معترف بها في الميدان التربوي، وخاصة تقويم السياسات التربوية في عمقها المرتبط بتنفيذ المناهج وتمرير المحتوى الدراسي، كلما كانت إلحاحية الدخول في برامج الدعم وإخضاع المتعلم المغربي لخطة أو خطط تربوية يحدد الهدف من ورائها في تجاوز التعثرات والصعوبات المستخرجة باستثمار وتأويل نتائج التقويم.
والملاحظ في كل المناسبات التقويمية هو اقتران الحديث عن الدعم التربوي أو البحث عن تنفيذه بتقويم أو تقويمات سابقة لما تم تحصيله من المحتوى الدراسي الخاص بكل مستوى أو سلك، هذا الاقتران بدرجة كبيرة ينطلق أولا من تأويل نتائج التقويم ورصد أسباب الفشل الدراسي ودراسة التعثرات المستخرجة ثم مقارنة الإنجازات بأهداف التعلم الأساسية وكذا الهدف النهائي من فعل التربية في المجتمع المغربي، ليصل إلى بناء القرار التعليمي التربوي بلزوم اعتماد خطط داعمة أو الإقرار بانعدام الجدوى من ذلك.
فاعتماد خطط الدعم بهذا المعنى يكون القصد منه بالأساس هو ضبط مخرجات النظام التعليمي لتوافق ما هو منتظر من تمرير المعارف والتدريب على المهارات داخل الفصل الدراسي وكذا رغبات المغاربة من وراء تمدرس أطفالهم والاستجابة لحاجاتهم من المعرفة مع توفير مقومات بناء الشخصية الفردية للطفل التي تشكل لبنة أساسية في تحديد الهوية الجماعية للمجتمع.
فالمتتبع للشأن التعليمي التربوي بالمغرب في الآونة الأخيرة سيدرك بشكل جلي تركيز الوزارة الوصية وتأكيدها على ضرورة اعتماد خطط داعمة داخل المدرسة المغربية ابتداء من شهر مارس 2022، خصوصا مع الإفصاح عن المخططات الجهوية للدعم التربوي وتنزيل برنامج أوراش بقطاع التربية الوطنية بصدور المذكرة الوزارية 07/2022 بتاريخ 25 يناير 2022. هذا التنزيل واعتماد خطط جهوية لتوفير اعتمادات مالية مهمة لدعم تعلمات المتعلمين والمتعلمات بالمغرب، نجده هذه المرة غير مقترن بأي تقويم سابق للتعلمات والمكتسبات.
وبالتالي فإن دعم المتعلم سينطلق من لا شيء كخطوة أولية لعدم التوفر على صعوباته الحقيقية الموثقة بطريقة علمية واضحة. وهو الأمر الذي يرجح الفرضية الأقوى لتفسير ما يتم تنزيله بالرغبة في تدارك النقص الكبير في تنفيذ البرامج الدراسية جراء احتجاجات الأساتذة، وبشكل واضح أطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، ومعالجة الأمر قبل الوصول للامتحانات الإشهادية التي ترسم نتائجها صورة واضحة لمدى نجاح النظام التعليمي في تنفيذ السياسة التربوية بالمغرب وبلوغ الأهداف المسطرة. ويتضح ذلك من خلال:
تنزيل الدعم التربوي الحالي: قصدية الاقتران باحتجاجات الأساتذة.
هنا نشير إلى كون المتعلم المغربي وخصوصا القابع وسط المجالات القروية البعيدة عن التمدن وما يرافقه من مظاهر العيش عامة وتعلم الأطفال بشكل خاص إلى كون طفل المجال الحضري لديه عدة مصادر وصيغ لتحقيق تحصيل دراسي مناسب لخضوعه وتجاوزه للوضعيات التقويمية المسطرة في برنامجه الدراسي، عكس الأول الذي يعاني هشاشة تربوية قد تكون مظاهرها أكثر عمقا مما نتوقعه كممارسين وفاعلين.
فهذا المتعلم المنتمي لبيئة قروية، في الغالب يتكفل بتدريسه ومساعدته للتمكن من المحتوى الدراسي أساتذة ينتمون لأطر الأكاديمية الجهوية للتربية والتكون ينخرط أغلبهم في وقفات وبرامج نضالية تغطي فترات زمنية طويلة (أكثر من 50 يوم إضراب). هذه التوقفات المتكررة عن العمل تؤدي بدرجة كبيرة إلى التأخر الواضح والجلي في تنفيذ المنهاج الرسمي والتطرق للمقررات الدراسية على الوجه الأنسب.
فاعتماد الدعم ضمن أوراش الوزارة الوصية كان أساس القصد منه هو تدارك الزمن المدرسي الضائع جراء التوقف عن العمل، ثم التأثير في مدى انخراط أفراد الفئة المعنية في باقي المحطات النضالية المستقبلية. وهنا نشير بالضرورة إلى كون طرفي الأزمة الواقعة حاليا يتحملان مسؤولية تاريخية أمام المجتمع المغربي وكل أطفال المغرب، إن لم نتحدث عن كونهما معا أصل هذه الأزمة الخانقة. فالوزارة مسؤولة عن اشتعال الأزمة الحالية باعتمادها لنمط التوظيف الجهوي دون تهييء أرضية صلبة قبلية تكون بمثابة مقوم من مقومات نجاح هذا النمط الجديد من التوظيف، ثم صمتها المطبق في الأسدس الأول من هذا الموسم الدراسي وعدم الإفصاح عن ضرورة التدخل إلا خلال شهر مارس 2022.
أما أطر الأكاديمية الجهوية فإن مسؤوليتهم تتمثل بالأساس في عدم القدرة على إبداع خطوات نضالية مؤثرة أخرى غير التوقف عن العمل، بل قد تسطر بعض الخطوات خارج إمكانية التوقف لكنها في الغالب تفشل أو يتم التراجع عنها سواء جماعيا أو فرديا من طرف المدرسين داخل مؤسساتهم التعليمية. بالإضافة إلى عدم انسجام الفعل النضالي الخاص بهذه الفئة وشعاراتها الأساسية، خصوصا شعار الدفاع عن المدرسة العمومية.
وهنا يطرح السؤال حول إمكانيات التوفيق بين الخطوات النضالية المسطرة وشعار الدفاع عن المدرسة العمومية إذا كنا سنغادر الفصول الدراسية لمدة طويلة ومتكررة. ليتضح بجلاء بأن الوزارة الوصية تقصد من وراء تنفيذ الدعم التربوي، المشار إليه في الخطط الجهوية، تدارك النقص والتأخر في تنفيذ المحتوى الدراسي داخل أقسام أطر الأكاديميات الجهوية بدرجة كبيرة وواضحة.
خطط الدعم التربوي في المؤسسات التعليمية: غياب المعنى وعدم وضوح الرؤية.
معنى الدعم التربوي أو المعنى الحقيقي من خطط الدعم لن يتأسس إلا من خلال إدراك ماهية فعل التدريس بصورة جيدة، ثم الاعتماد أولا على تقويم التعلمات والمكتسبات بشكل قبلي مع اختيار الفاعلين التربويين القادرين على تأويل نتائج التعلم واستخراج الصعوبات والإكراهات المعيقة لنجاح المدرسة المغربية في وظيفتها، قصد العمل بعد ذلك على حلها وتجاوزها.
فحتى وإن افترضنا بأن الوزارة الوصية تقترح صعوبات يعاني منها أغلب المتعلمين والمتعلمات من خلال استثمار نتائج الأسدس الأول التي سنجدها عادية في أغلب المؤسسات التعليمية، فإن تراكم هذه الصعوبات جراء التوقفات عن العمل المسجلة لسنوات سابقة وتعليق الدراسة جراء تفشي وباء كوفيد-19 ثم اعتماد نمط التدريس بالتناوب، يستلزم أولا تنظيم عملية تشخيص واسعة وبفاعلين ووسائل معتبرة لرصد الصعوبات الحقيقية التي يعانيها المتعلم المغربي.
كما أن رصد هذه الصعوبات ليس له أية دلالة في حالة اعتمادنا على أشخاص غير مؤهلين لتنفيذ خطط الدعم المصاغة على صعيد جهوي قد ينفي من الحسبان الخصائص المحلية لكل منطقة على حدة، حيث لا يمكن هنا قبول العقل الواعي بإمكانية تنفيذ الدعم من قبل أشخاص لا علاقة لهم بمهنة التدريس وغير مدركين لماهية هذه المهمة المعقدة التي يستوجب الحفاظ على معناها الحقيقي الابتعاد أكثر عن العشوائية والارتجالية.
تقويم أثر أوراش الوزارة للدعم التربوي: عمليات استعراضية فاقدة للموثوقية لغياب رؤية واضحة للتتبع.
فكل الخطط الجهوية التي تم الإفصاح عن محتوياتها إلى حدود الآن نجدها مهتمة باستعراض الإجراءات والعمليات بشكل سطحي وغير دقيق لتنفيذ الدعم التربوي وكأن المكلفين بالتنزيل خاضعين للتكوين الأساس في مهنة التدريس ويدركون بشكل جيد محتويات المنهاج الرسمي المغربي. علما أن تفحص هذه الخطط سيفضي بنا إلى الإقرار بوجود تخبط كبير وعدم وضوح المبتغى في هذه الوثائق، كأننا بصدد الدفع في اتجاه تعويض الزمن المدرسي الضائع جراء التوقفات دون التصريح بذلك واعتبار الأمر مسألة دعم للتعثرات فقط.
فرغم إمكانية توفير العنصر البشري والمقومات المادية للقيام بالمطلوب فإن غياب الضبط وسياسة واضحة لتتبع العملية وتقويمها مرحليا وعند الانتهاء من تنفيذ كل العمليات سيجعلها مجرد أحداث ومظاهر استعراضية لا غير، يصبح الهدف منها هو تبرير نتائج دراسية نهائية للموسم الدراسي وتوجيه رسالة واضحة لأطر الأكاديميات الجهوية مفادها وجود تغيير واضح في التعامل مع احتجاجاتهم المؤثرة في تنفيذ المنهاج الدراسي.
فالوزارة الوصية رغم إقحامها للأساتذة الممارسين في إمكانية انخراطهم في تنزيل أوراش الدعم التربوي بالمؤسسات التعليمية، في إطار ساعات إضافية مؤدى عنها، لا تمتلك أي تصور أو تصنيف مبني بشكل علمي دقيق لشيوع الصعوبات التعليمية والتعثرات الدراسية بالمغرب من جهة، كما أنها تتجاهل مجموعة من الدراسات والدعوات التربوية إلى ضرورة تخفيف الزمن المدرسي ومن خلاله زمن العمل الأسبوعي للمدرس وتدفع بالمدرسين الممارسين إلى الانخراط هم أيضا ضمن هذه العملية رغم الإرهاق الكبير الذي يخلفه العمل الجاد داخل الفصول الدراسية.
بهذا الشكل لا يمكننا الحديث عن موثوقية النتيجة إلا بإقرار نظام تتبع تربوي يتجاوز المعطيات الكمية من أعداد المتعلمين والأقسام وعدد الساعات المنفذة إلى رصد الكيفية والأثر في توظيف التعلمات وتجاوز الصعوبات.
على سبيل الختم لابد من الإشارة إلى كون التفكير في تنفيذ عملية دعم شاملة لمتعلمي كل المستويات الدراسية بالمدرسة المغربية يعد بادرة جيدة يجب تشجيع الذهاب فيها بعيدا وجعلها تقليدا سنويا سيفضي إلى تجويد مخرجات النظام التعليمي المغربي لا محالة، لكن دون إقرانها بأي حدث من أحداث الساحة التعليمية وخصوصا احتجاجات العاملين ومنفذي السياسة التربوية والمقررات الدراسية.
هنا تجدر الإشارة إلى جعل هذه العملية بمثابة مرحلة فقط تأتي بعد اعتماد نظام تقويم صادق وواضح المقاصد والإجراءات ومضبوط بشكل يتجاوز النظرة الكمية للنقط المحصل عليها من قبل كل متعلم، ثم دراسة مدى قدرة هذا المتعلم على توظيف المعرفة المدرسية وتسخيرها لحل وضعيات تقويمية ذات سياق مرتبط بواقعه المعيش.
فاعتماد خطط الدعم التربوي كحل لإكراهات تعيشها المنظومة، يقتضي بشكل أساسي العمل قبل ذلك على معالجة كل ما يمكن تجاوزه من مشاكل وإشكالات معيقة لتنفيذ المنهاج الدراسي وهدر زمن التعلم، وخصوصا تلك المشكلات التي يصير فيها المتعلم بمثابة رهينة في يد فئة من الفئات التي تتغيى الوصول إلى تحقيق مبتغاها المتمثل في تحسين ظروف العيش والعمل داخل مؤسسات التربية والتكوين، دون إغفال كون الوضع التعليمي داخل المدرسة المغربية يتسم بالاهتراء والهشاشة، يعيش فيه المتعلم ضعفا كبيرا في قدرته على التحصيل والاكتساب وتجاوز الوضعيات التقويمية، بسبب تراكم الصعوبات الناتجة عن تكرار التوقفات وتعليق الدراسة كليا أو جزئيا باعتماد نمط التناوب جراء تفشي وباء كوفيد-19.
كل ذلك يدفعنا بجدية نحو ضرورة التفكير في اعتماد تقويمات الموضعة للتعرف على المستويات المعرفية والمهارية الحقيقية للمتعلم المغربي واستباق أية انتكاسة قادمة خلال المشاركة في كل أنواع التقويم وخصوصا التقويمات الدولية التي ينخرط فيها المغرب.
(*)باحث في قضايا التربية والتكوين- مفتش تربوي بمديرية خنيفرة