عاشوراء ليلة بيضاء، عنف، ونيران وهجوم على قوات الأمن والمواطنين
لم تمر ليلة عاشوراء مرور الكرام، وأصرت على ترك مخلفاتهاوجراحها، وأن تكشف من جديد عن الوجه البشع لأعطاب متعددة في التنشئة، والمواطنة، واحترام القانون، وفي الإيمان الفعلي بالحقوق والواجبات، جريا على عادة كل سنة، ما دامت أحداث العنف والشغب، وإحراق الإطارات المطاطية وإشعال النيران والرمي بالشهب والمفرقعات، ظلت حاضرة حتى الساعات الأولى من صباح اليوم الموالي، ليس خلال هذه الليلة الليلاء لوحدها، وإنما على امتداد أسبوع كامل قبل موعدها.
سيناريوهات تتكرر كل سنة، نفس المشاهد من الأذى المادي والمعنوي، صخب،ضجيج،اختناق، عناوين متعددة لترويع الآمنين في منازلهم، رضعا وشيبا، مرضى، حوامل وغيرهم، وحتى من فُرض عليه الخروج بداعي من الدواعي قد يكون مهددا بالإصابة بشهب أو مفرقعات قد تعرضه لأضرار وخيمة، دون احتساب تبعاتها على مستعملي الوسائل التقليدية الباحثين عن خلق دويّ وتبعات على أوسع نطاق!
أحداث عنف وثقتها التسجيلات والصور المختلفة، القادمة من أحياء الدارالبيضاء والرباط، وغيرهما من المدن المغربية، تنطق فظاعة، ويرتفع منسوبها وهي توثق لتهشيم وتكسير زجاج سيارات الأمن والسلطة، وهي تعرض لمشاهد رشق الأمنيين ومختلف عناصر القوات العمومية أثناء محاولة تدخلها لفرض النظام وتطبيق القانون وصيانة واحترام حقوق باقي المواطنين، فتمت مهاجمتها بالشهب والمفرقعات والحجارة، وكأننا أمام مشاهد حرب أو مقاومة في بلد ما، أو لقطات فيلم من الأفلام الحركية، اضطرت معها القوات العمومية في حالات كثيرة إلى الانسحاب وأن تترك وراءها الساحة فارغة أمام استئساد منتسبين إلى جيل من المتهورين المندفعين الذين لا يعيرون اهتماما للأخلاق والقيم والقوانين، في زمن الطوارئ الصحية ومواجهة الجائحة الوبائية لفيروس كوفيد 19.
عنف هستيري، تجاوز محاولة البحث عن فسحة للفرح وعن متنفس، ما دامت النتائج الوخيمة والفاتورة الثقيلة سيؤديها مواطنون، كالعادة، الذين منهم من اقتحمت الشهب مساكنهم لتشب فيها النيران، والتي تجري الأبحاث للتأكد من ذلك، وغيرهم ممن تم تهشيم وتخريب سياراتهم، خلال ما يتم تسميته بـ «احتفالات» تتحول إلى مآس كل سنة، بالرغم من الدعوات المطالبة بوضع حد لهذا العنف ضد المواطنين والقوات العمومية، هذه الأخيرة التي حاولت ليلة عاشوراء التصدي لتلك المشاهد والأفعال، بشكل متباين، وتمكنت في مناطق من إيقاف مقترفي مجموعة من الأفعال الإجرامية، في حين تعذر عليها الأمر في مناطق أخرى، كانت مسرحا للمواجهات بين منتمين لهذا الحي وغيره، بالحجارة والأسلحة، كما وقع في عين الشق، وما شهدته أحياء بتراب آنفا والحي المحمدي وغيرها، التي لم تسلم من صور مماثلة أو قريبة منها.
تدخلات أمنية، اتسم بعضها بالنجاعة والبعض الآخر لم يسلم من ملاحظات، بما أن مواجهة ليلة عاشوراء وما تعرفه من أحداث بات على علم بها الصغير قبل الكبير، مما يفرض القيام بتدابير استباقية، وهو ما تم تطبيقه في عدد من المناطق، كما هو الحال بالنسبة للفداء مرس السلطان بفضل العمل الذي حرص على مباشرته والقيام به رئيس المنطقة الأمنية بالنيابة، الأمر الذي جنّب تراب العمالة مشاهد سوداوية عاشتها خلال مناسبات مماثلة في السنوات السابقة، إذ وفقا لمصادر الجريدة، تم التمكن من إيقاف 55 شخصا بسبب مشاركتهم أو ارتكابهم لأعمال تمس بالسلامة والسكينة العموميتين، إلى جانب حجز 1200 عجلة مطاطية على مدار ثلاثة أيام كعمل استباقي، فضلا عن حجز 12 ألفا من الشهب النارية خلال الأسبوع الفارط، ومحاصرة الأحياء الساخنة لمنع تنقل القاصرين والمشبوهين في ما بينها، مما مكّن من عدم تسجيل أية خسارة مادية بالممتلكات والسيارات والأفراد وكذا في صفوف عناصر الأمن، وساهم في استمرار عمل خط الترامواي الذي عاني من العرقلة في مناطق أخرى، وسمح بتنقل سيارات الوقاية المدنية بشكل سلس بين أحياء العمالة.
وعجّلت الطقوس الدموية التي عرفتها عدد من الأحياء في مناطق مختلفة، بنقل مجموعة من المصابين إلى مصالح المستعجلات، التي وجدت أطقمها الصحية نفسها مطالبة بإسعاف من يجب إسعافه والتكفل بحالات اختلفت وتعددت مخلفات عاشوراء عليها، إلى جانب الحالات المرضية التي هي في حاجة إلى العناية. واختلفت الإصابات بمستعجلات طبية بمستشفيات ابن رشد ومولاي رشيد وبن مسيك وغيرها، التي توزعت ما بين تلك التي طالت مواطنين وأخرى أصابت أمنيين وممثلي الإدارة الترابية.
وإذا كان فجر الأحد قد بزغ نوره، وطوى صفحة ليلة قاتمة، فإن سؤالا عريضا شائكا يظل يطرحه المواطنون والمتابعون كل سنة، والذي تعذر لأمر من الأمور تقديم جواب فعلي وواضح بخصوصه، وهو من أين تأتي كل هذه الكميات من المفرقعات والشهب، ومن يسمح لهذا النوع من «الإرهاب» في مواصلة حضوره بيننا؟