الاتحاد الاشتراكي تمكن من الصمود في وجه كل التحولات وحافظ على مكانته
المزايدات السياسية التي صاحبت النقاش حول إصلاح نظام التقاعد تمس بسمعة البلاد
دعا الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إدريس لشكر، كل مكونات الحركة الاتحادية واليسار، بشكل عام، إلى عقد لقاءات موسعة للمصالحة الكبرى من أجل إعادة بناء جبهة مستندة إلى قيم وأهدف مشتركة.
وقال إدريس لشكر، الذي كان يتحدث الأحد الماضي في برنامج «ديكريبطاج» على إذاعة أم إف إم، إن دعوة المصالحة الكبرى تلقى صداها في أوساط الحركة الاتحادية بشكل كبير، موضحا أن هذه السنة، التي تصادف الذكرى الستين لتأسيس الحزب ستتوج باحتفالات كبيرة مركزيا وأخرى عبر الأقاليم ستتميز بحضور قيادات الحزب السابقة إلى جانب مناضلات ومناضلي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
وأضاف الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن الأنشطة الحزبية التي عقدها الحزب خلال المدة الأخيرة عرفت حضور مناضلات ومناضلين ممن غادروا الحزب لسنوات أو غادروه في محطات مختلفة، مبرزا أن الحزب تمكن من الصمود في وجه كل التحولات وحافظ على مكانته، مشيرا إلى الحياة السياسية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والدينامية الكبيرة للحزب التي تعكسها سلسلة اللقاءات التي عقدها في عدد من المدن والأقاليم والتي قاربت قضايا راهنة تهم الوطن والمواطنين انطلاقا من القضية الوطنية الأولى بعد استقالة المبعوث الأممي هورست كوهلر، مرورا بمسألة الحماية الاجتماعية والتعاضد والتغطية الصحية، إلى مسألة التعديلات السياسية، متأسفا في ذات السياق عن تبخيس جهود الأحزاب السياسية الجادة.
وفي سياق متصل، قال الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إن العملية السياسية في العالم بصدد المراجعة، والمغرب ليس بمنأى عما يجري من حوله مؤكدا على ضرورة تعميق التفكير في أحسن السبل التي من شأنها أن تمكن من استمرار ضمان الاستقرار والأمن الذي ينعم به المغرب مع العمل بالموازاة على تطوير العملية السياسية.
ونبه الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى مسألة القطبية المصطنعة وإلى كون جلالة الملك محمد السادس هو ضامن التعددية في المغرب، ووصف فعل مقاطعة الانتخابات لأسباب واهية، أوحتى لأسباب حقيقية، بمثابة تنازل عن الحق في المواطنة، لكون الانتخابات وسيلة المواطن لمراقبة من تحملوا مسؤولية تدبير الشأن العمومي.
وقال إن نقطة الضوء اليوم هي صمود الاشتراكيين في وقت ضعف فيه الانفصاليون الكطلانيون واليمين الشوفيني الذي طالما روج لخطاب العنصرية والتطرف الذي يقضي بطرد الأجانب من إسبانيا، مشيرا إلى المشاركة القوية للإسبان من أصول أجنبية، خاصة الجالية المغربية المقيمة في إسبانيا، في الاستحقاقات الانتخابية الإسبانية التي أفرزت فوز الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني. وأكد على أسلوب عمل التجربة الأساسية في التفاوض وتدبير العمل السياسي.
وأشار في هذا الصدد، إلى ما تعيشه الجارة الجزائر وبلدان عرفت انهيارا للدولة والفتنة الداخلية مثل ليبيا وسوريا والعراق وتونس وما صاحب ذلك من انسداد للأفق، مؤكدا أنه لولا إبداع الجدار الأمني في الجنوب لغرق المغرب في عالم الاتجار في البشر، ومافيات السلاح والمخدرات والهجرة.
وشكل اللقاء، مناسبة بسط فيها إدريس لشكر وجهة نظر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بخصوص الفصل 47 من الدستور، بحيث شدد على أنه حان الوقت من أجل تدقيق مضامين هذا الفصل لتكون بمثابة أجوبة للانتظارات الحقيقية للمواطنين، خاصة في مجال التشغيل والصحة والتعليم، موضحا أن الخطاب الملكي للتاسع من مارس غداة ما عاشه المغرب بفعل حركة 20 فبراير كان منطلقا لنقاش مفتوح انتهى بالتوافق على دستور 2011.
وأبرز الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن تنفيذ مضامين مقتضيات دستور 2011 أبان عن مجموعة من الاختلالات، متسائلا، في ذات الآن: «هل ليس من حقنا مناقشتها؟»، مشيرا إلى أن من بين الاختلالات ما يتعلق بتدبير زمن أشغال البرلمان، إذ في الوقت الذي تمتد فيه الدورة، حسب المقتضيات الدستورية، إلى شهر أبريل، فعلى مستوى الواقع تنتهي قبل هذا التاريخ بقرار، مما يعني أن القاعدة الدستورية تختلف عن الممارسة.
وأكد إدريس لشكر أن الأمر يستدعي منا معالجته، واستعرض الكاتب الأول تجارب في دول أخرى حيث إن دورات البرلمان لا تتجاوز ثلاثة أشهر غير أنها تظل مفتوحة وتعقد كلما ظهر جديد على الساحة يفرض عقد جلسة استثنائية أو استئناف أشغال لجن، وقال الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إن من شأن التدقيق في هذا الزمن البرلماني إفساح المجال إلى الحكومة والبنيات التقنية للاشتغال والاهتمام أكثر بقضايا المواطنين، مشيرا إلى أنه خلال الدورات البرلمانية تكون الحكومة بوزرائها منشغلة بشكل مستمر.
وأشار الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى ما عاشة المغرب خلال الشهور القليلة السابقة، حيث كاد حزب الاستقلال أن يحقق مكسبا في المصادقة على ملتمس الرقابة وتساءل هل كان سيتم تطبيق الفصل 47 لو تحقق الأمر أم ستتم العودة إلى الحزب الأول الذي سقط بمقتضى ملتمس الرقابة؟ وفي هذا السياق تساءل: « ألا يمكن الاستفادة من التجربة الإسبانية، التي سقط فيها الحزب الشعبي ذوالأغلبية بملتمس رقابة قاده الحزب الاشتراكي، ليتم بعد ذلك تعيين الملك الإسباني لرئيس حكومة من الحزب الذي قاد ملتمس الرقابة والأحزاب التي شكلت معه الأغلبية لبلوغه».
وقال إدريس لشكر إن ملتمس الرقابة، كما عاشته إسبانيا، أكد أنه وسيلة فعالة لإتاحة الفرصة من أجل ممارسة السياسة بأسلوب يمكن من المحاسبة ويخلق آفاقا وآمالا في نفوس المواطنين، في بلد أبانت تجربتها السياسية عن أسلوب متميز في التفاوض وتدبير العمل السياسي، وقال إن الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني فاز بالانتخابات ولا أحد تحدث عن «تماسيح»، وبالمقابل أشار إلى مسألة «البلوكاج» الذي أسقط البلاد بأكملها رهينة في يد شخص، اضطر معه جلالة الملك محمد السادس إلى تعيين رئيس الحكومة من الحزب الأول في الانتخابات للخروج من هذه الوضعية.
واستحضر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في هذا السياق أن الحزب الأول يمنح فقط الإمكانية للبحث عن أغلبية لتشكيل الحكومة، متسائلا :» هل في حالة استحالة بلوغ هذه الأغلبية تتحول البلاد بأكملها رهينة وهو الوضع الذي دام شهورا؟». وقال: «ألا يستدعي منا هذا الوضع التساؤل من أجل إيجاد حلول ضمن مقتضيات الفصل 47 يقوم على إدراج تعديل يقضي بمنح الحزب الأول أجلا معينا لتشكيل الأغلبية الحكومية…؟».
وأوضح إدريس لشكر أن مقترح إعادة النظر في بعض مقتضيات الفصل 47 لقي تجاوبا من حزب الاستقلال الذي سجل بالمناسبة دورا كبيرا إلى جانب حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في تحقيق إصلاحات دستورية مهمة منذ سنة 1962 مشيرا إلى أن الاستقرار الذي ينعم به المغرب والأمن المستتب هو بفضل الأحزاب التي يجب الاعتراف بدورها، وحيوية المجتمع المدني والمؤسسات وعلى رأسها المؤسسة الملكية.
وجدد الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية التأكيد على أن بعض الإصلاحات يمكن تحقيقها على مستوى البرلمان مما سيمكننا من تجاوز بعض أخطاء دستور 2011، مبرزا أنها إصلاحات لا تحتاج إلى الاستفتاء مثل إصلاح أجل الدورات المعتمد في الفصل 47 إضافة إلى مجموعة من التعديلات في الفصول المهيكلة للسلطة القضائية.
وكان اللقاء مناسبة تطرق فيها الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى الاختلالات التي يعيشها نظام تقاعد البرلمانيين، مبرزا أن المزايدات السياسية التي صاحبت النقاش حول إصلاحه تمس بسمعة البلاد، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق بقانون يفرض على الدولة تطبيقه، متأسفا أنه كلما فتح النقاش يتم الالتفاف حوله.
وشكل اللقاء، فرصة لمعالجة قضايا ذات ارتباط مباشر بالمواطن المغربي، ودق ادريس لشكر ناقوس الخطر بخصوص قطاع الأدوية، الذي يعتبر من القطاعات الاستراتيجية التي تهم المواطن المغربي منبها إلى الصعوبات التي أصبحت تعترض هذا القطاع الحيوي بسبب الإشكالات التي تواجهه، سواء على مستوى التصنيع أو التوزيع الذي يجعل من المواطن والصيادلة أكبر المتضررين، وطالب الدولة بتحمل مسؤوليتها بخصوص هذا القطاع ودعا إلى مزيد من المراقبة، سواء على مستوى صناعة الأدوية في المغرب وتوزيعها أو استيرادها والحد من التلاعبات الكبيرة التي طالت المجال.
ولم يفت إدريس لشكر التذكير بأن المغرب منذ الاستقلال تبنى سياسة دوائية جعلته في مصاف الدول التي تتمتع بصناعة دوائية تستجيب للمعايير الدولية، سواء على مستوى التصنيع أو الاستيراد، وشكل التعليم واحدا من مواضيع اللقاء، حيث أكد الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على أهمية اللغات في التعليم وما يمنحه القانون الإطار للتعليم من فرص للعمل وخلق المناصب، وشدد على أن الأمازيغية لغة رسمية للمغرب، وستحاسب السلطة التنظيمية، على إنفاذها. كما ثمن تجربة المغرب في تدبير الحقل الديني مشيرا إلى أن وجود إمارة المؤمنين والمجالس العلمية قلل من بعض التجاوزات، متأسفا في ذات الآن لوجود استثناءات واختلالات تكون فرصة للبعض لاستغلالها سياسويا.