إدريس لشكر في افتتاح الملتقى الدولي للتضامن المناخي لشبكة مينا لاتينا بمراكش: الأزمة العالمية أبانت أن الإنسانية ليست مضطرة للاختيار بين الليبرالية المتوحشة والسياسات الحمائية المنغلقة

 

أكد إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، على أهمية التوازن بين تداعيات التطورات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة من جهة ومستلزمات المنظومات البيئية السليمة من أجل توفير العيش السليم للمواطنين والمواطنات من جهة ثانية. جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها صباح الثلاثاء 22 مارس الجاري في افتتاح أشغال الملتقى الدولي حول التضامن المناخي الذي تنظمه بمراكش شبكة «مينا لاتينا» وتحتضنه الشبيبة الاتحادية تحت شعار « الأجيال الجديدة تجلب الأفكار الجديدة.»
وأضاف لشكر أن الاهتمام بالمحافظة على البيئة تزايد منذ بداية الألفية بشكل كبير، حيث أصبح التغير المناخي قضية تسترعي انتباه الجميع نظرا للمخاطر المهولة والمتعددة التي يسببها هذا التغير على حياة الإنسان والبيئة ومن يعيش داخلها من الكائنات الحية.
وقال في نفس السياق « إن ما عشناه جميعا مع جائحة كوفيد 19 والأزمات الجيوستراتيجية يجعلنا أمام تجربة مجتمعية وإنسانية غير مسبوقة من حيث تسارع الأزمات وتنوعها. الشيء الذي أبان أن التهديد الأكبر يمكن أن يأتي من كائن مجهري لا يميز بين فقير وغني ولا أبيض وأسود ولا يأبه للحدود ولا لجوازات السفر. إنه يفتك بنا لمجرد أننا بشر.»
وسجل إدريس لشكر أن الحرب ضد كوفيد 19 كان من المفروض أن توحد مجهودات البشرية جمعاء أي عبر مجهود مشترك على مستوى البحث العلمي والتعاون اللوجستي والتشاور والتدبير الاقتصادي والاجتماعي، إلا أن ما لوحظ هو ارتباك في التعاطي مع الجائحة، سواء على مستوى حكومات الدول العظمى أو التكتلات القارية أوحتى منظمة الصحة العالمية وهيئة الأمم المتحدة بمجلس الأمن وكل منظماتها الموازية، «الشيء الذي يدل ـ يقول الكاتب الأول ـ على أننا غير مؤهلين للتعاطي مع هذا النوع من المخاطر وأننا لم نرق بعد لتجاوز أنانيتنا الفردية أو الوطنية في حل مثل هذه الأزمات، خاصة بعد تنامي الشوفينية والعنصرية لدى مجتمعات الدول العظمى في العقد الأخير.»
وأكد لشكر في كلمته الافتتاحية أن الأزمة العالمية أبانت أنه على المستوى الاقتصادي ليست الإنسانية مضطرة للاختيار بين الليبرالية المتوحشة من جهة والسياسات الحمائية المنغلقة ( الشوفينية) من جهة أخرى. حيث قال « إذ من الممكن إعادة النظر في سلاسل الإنتاج العالمية في المستقبل مستحضرين ضرورة تأمين حد أدنى من الاكتفاء الذاتي من بعض المنتجات وتكوين مدخرات استراتيجية من المواد التي يستحيل إنتاجها محليا، وتخفيض بصمة الكاربون للسلع، وتجاوز منطق السلع الأرخص لصالح السلع الأجود والأكثر استدامة بيئيا واجتماعيا عبر تغيير جذري في أنماط استهلاكنا وبالتالي في أنماط عيشنا.»
وأكد الكاتب الأول في كلمته الافتتاحية التي ألقاها في الملتقى الدولي حول التضامن المناخي، أن الدور المركزي للطاقة في جميع الأنشطة الاقتصادية والعواقب العميقة التي تترتب عن الاضطرابات في أسواق الطاقة، يستلزم الانتباه إلى أهمية الانتقال المنظم والمتدرج في تعويض الأصول عالية الانبعاث بأخرى منخفضة الانبعاثات.
وشدد على أن هذا الانتقال يجب أن ترافقه تدابير تضمن المرونة والصمود في نفس الوقت، لأنه انتقال غير بديهي سواء من الناحية الجوهرية أو على مستوى خلفية القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأخرى. موضحا أن هذا التحول يتضمن تحويل أهم الأنظمة التي تدعم حياتنا ورفاهيتنا، كأنظمة استغلال الطاقة والأرض. بل حتى الاضطرابات الصغيرة في هذه الأنظمة يمكن أن تؤثر على الحياة اليومية من زيادة تكاليف المنتجين والمستهلكين إلى إعاقة الوصول إلى الطاقة وغيرها.
وتوجه إلى المشاركين قائلا» بما أنكم شباب يصبو لإبداع نموذج تنموي جديد فلابد من ابتكار أساليب جديدة لإنتاج الثروة خاصة مع الارتباك الذي أحدثته الجائحة والأزمات الجيوستراتيجية.»
وقال أيضا « لأن المجتمع الذي ننشده ليس متضامنا هنا والآن فقط وإنما هو متضامن جيلا بعد جيل، وبالنظر لاستعجالية المسألة المناخية، فإننا نعتبر الاقتصاد الأخضر أحد الروافع الأساسية التي يمكن أن تؤسس عليها البشرية نموذجها التنموي الجديد.
وأكد في نفس السياق أن نهج النمو الأخضر هو فرصة لتجاوز أنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدامة والمهدرة، موضحا أن الأمر هنا لا يقتصر على إدراج القضايا البيئية في قرارات الاستثمار في البنية التحتية مثلا، وإنما هو تصور شامل لكل السياسات العمومية يتوخى التنمية المستدامة التي تحمي رأس المال الطبيعي وتضمن العيش الكريم للمواطنين أينما تواجدوا خاصة سكان المناطق المعزولة أو الهشة في الجبال والواحات والجزر والرحل.
وشدد على أن هذا المطلب ليس ترفا أو نزولا عند رغبة بعض المؤسسات الدولية بل هو حاجة ملحة بالنظر إلى ما نعيشه من ندرة في الموارد المائية وهشاشة في المنظومة البيئية، والتي كان لها في السنين الأخيرة آثار وخيمة على التنوع البيولوجي وعلى البشر بظهور ما يسمى الهجرة البيئية.
وعبر الكاتب الأول في كلمته عن أمله في أن يكون الشباب مبدعا ليطور التجارب الجنينية إلى مستوى أكبر وأكثر فعالية بحيث تحسن سبل العيش وتخلق فرص العمل وتحد من الفقر والهجرة في تناغم تام مع هدف الإنقاص من غازات الاحتباس الحراري واحترام استدامة الموارد والمجال. موردا كمثال على ما يمكن تطويره في المغرب تطوير سلسلة إنتاج الأعشاب الطبية التي تزخر بها بلادنا لتتحول من مصدر للمواد الأولية إلى مصدر للعناصر النشيطة التي تدخل مباشرة في صناعة الأدوية ومستحضرات التجميل، وتعميم مبادرات استغلال الطاقات المتحددة الذي يستلزم تقنين بيعها من الخواص إلى الشبكة الوطنية للكهرباء، وتطوير مبادرات تحويل النفايات وغيرها.
وأوضح إدريس لشكر أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية اقترح لأن يكون مدخل الاقتصاد الأخضر عبر قطاع الفلاحة وذلك لتشجيع الزراعات العضوية ودعم الفلاحين الصغار بتمليك الأراضي وتوفير التمويل والمواكبة التقنية، الشيء الذي سيكون له مفعول مزدوج، من جهة توفير مواد غذائية بجودة أكبر للسوق الوطنية بما يحسن صحة المواطنين ويمكن حتى من تصدير الفائض بالنظر إلى تزايد الإقبال على هذه المواد، ومن جهة أخرى الرفع من مدخول الأسر في العالم القروي والتخفيف من ضغط الهجرة على المدن التي تعاني أحياؤها الهامشية من الاكتظاظ وظروف عيش متدنية، وحماية الأراضي الفلاحية المجاورة للحواضر من التوسع العمراني وتشجيع استغلالها فلاحيا.
ومن جهته، أكد عبد الله الصيباري، الكاتب العام للشبيبة الاتحادية، على أهمية انعقاد هذا الملتقى الدولي المخصص لإشكالية تؤثر على بلدان العالم، وتنعكس تداعياتها على حياة السكان وتحدث اضطرابات اقتصادية واجتماعية وتهدد مستقبل الأجيال المقبلة وحقوقها.
وأبرز الصيباري، في كلمته التي ألقاها في افتتاح أشغال هذا الملتقى الدولي، مجهودات المغرب في حماية البيئة والتصدي للعوامل المحدثة للتغيرات المناخية، موضحا في هذا السياق أن المملكة قطعت أشواطا محترمة في مجال البيئة والتنمية المستدامة. محللا مظاهر ذلك على مستوى ما أقره دستور 2011 ، وكذا السياسات العمومية ليؤكد أن مضمون التنمية المستدامة يشكل أحد أهداف مشروعنا المجتمعي.
وعرج عبد الله الصيباري على المشاريع المهمة التي اعتمدتها المملكة في مجال الطاقات المتجددة كالطاقة الشمسية والريحية والمائية، موضحا أن 28 مدينة مغربية من طنجة إلى الكويرة تضم مشاريع طاقية من هذا النوع. وخلص في كلمته إلى أن الاستثمار في العنصر البشري بحماية حقوقه هو العامل المهم في تكريس مستقبل أخضر تهم فيه السياسات المحترمة للبيئة وتسود ثقافة حمايتها.
وأجمعت كلمات كل من انا بيترسلاڤا، كاتبة منظمة الشباب الاشتراكي الأوروبي، ومحمد الجنحاني، منسق «المينا لاتينا»، وجانم جاي تيواري، رئيس منظمة الشباب الأخضر، وڤيكتور كاملين، كاتب شبيبة الحزب الاشتراكي الإسباني، وهند مغيط، منسقة لجنة الرقابة بمنظمة الشباب الاشتراكي العالمي، في كلمات مقتضبة، على أهمية انخراط الشبيبات الاشتراكية في ورش التغيرات المناخية لبحث السبل الكفيلة بتعزيز المبادرات البديلة التي تحمي حقوق الأجيال المقبلة في بيئة سليمة وحماية الموارد الطبيعية وإرساء أسس ثقافة بديلة في الاستثمار تقوم على أولوية احترام التوازنات البيئية.
ويهدف هذا الملتقى إلى تعزيز التعاون بين المنظمات الشبابية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتلك الموجودة في منطقة أمريكا الجنوبية بشأن قضايا تغير المناخ، والجمع بين الفهم المتعمق للقضايا الاجتماعية والبيئية وتطوير ممارسات أكثر مرونة محترمة للتوازنات الإيكولوجية، مع تقديم الأولويات الرئيسية للصفقة الخضراء، والتركيز على تغير المناخ وتدهور التنوع البيولوجي والتمويل المستدام، وتعزيز التضامن الشبابي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأمريكا الجنوبية من أجل البيئة والحق في تنمية مستدامة.


الكاتب : مكتب مراكش:عبد الصمد الكباص / تصوير: إسماعيل رمزي

  

بتاريخ : 23/03/2022