إدغار موران: يرون معاداة السامية في كل نقد موجه لإسرائيل 4/4

ولد إدغار موران – واسمه الحقيقي هو إدغار ناهوم- يوم 8 يوليوز 1921 بالعاصمة الفرنسية باريس. حصل على درجة في التاريخ والجغرافيا، ودرجة في عام 1942، ونال دكتوراه فخرية من 14 جامعة عالمية. وقد عمل عالمَ اجتماع ومفكرا وباحثا في المركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا، كما كان يرأس الوكالة الأوروبية للثقافة بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (يونسكو).
بدأ موران نشاطاته في إطار الحزب الشيوعي الفرنسي عام 1941 وتركه نهائيا عام 1951 وخلال الحرب الأهلية الإسبانية عام 1936 انضم إلى صفوف المقاومة الشيوعية السرية، واختار اسما مستعارا هو «موران» الذي احتفظ به طوال حياته.
انضم عام 1945 إلى الجيش الفرنسي في ألمانيا، وترأس في العام التالي مكتب الدعاية في الحكومة العسكرية الفرنسية عام 1946. وفي عام 1950، التحق الفيلسوف الفرنسي بالمركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية، وأصبح مديرا للأبحاث في المركز عام 1970.
كتب موران العديد من الكتب والمؤلفات التي تناولت قضايا فكرية مختلفة، وترجمت للعديد من اللغات، أول هذه الكتب نشر 1950 وحمل اسم «عام ألمانيا صفر»، و»النقد الذاتي» عام 1959 وتطرق فيه لقطيعته مع الشيوعية. وفي عام 1977 نشر الجزء الأول من مؤلفه «المنهج» الذي طرح فيه مفهوم فكره المركب، ثم في 1989 نشر كتاب «فيدال وعائلته»، ثم «التجوال» عام 2006، و»طريقتي» عام 2008. كما أصدر كتابا في مجال السينما بعنوان «السينما أو الإنسان المتخيل»، إلى جانب كتاب «الثقافة والبربرية الأوروبية»، و»أين يسير العالم» وغيرها من الكتب..

– ألم تسمح السلطات السياسية في أوروبة بازدهار هذا المناخ المسموم بسبب حرصها المفرط على الاستماع إلى المؤسسات التي تهتم بالمصالح الخاصة؟
– أعتقد أن هذه الحملات، التي قادتها كري، وبعض المنظمات المجتمعية الأخرى، تصرفت وكأن الحكومة والسلطة تكادان ترضخان. يزعم هؤلاء أنهم يقاومون العنصرية والواقع أنهم كانوا يقاومون بالخصوص معاداة السامية. لقد نسوا العنصريات الأخرى، ليس العنصرية ضد العرب وحسب، ولكن ضد الغجر، الخ. أعتقد أن الأهمية السياسة للأقلية اليهودية في فرنسا ـ هناك أقلية مسلمة أهم من الناحية العددية إلا أنها أقل تأثيراً من الناحية السياسية ـ هي التي تدفع الحكومة لكي تستجيب، إن قليلاُ أو كثيراً لرغباتها. إن مسؤولي الكْرِيف قد سمحوا لأنفسهم بنقد السياسة الدولية لفرنسا دون أن يثير ذلك أي رد فعل من جهة الحكومة.

– هذا الخضوع ألا يمكن إلا أن يشجع على طلب المزيد؟
– نعم. لديهم شعور بأنهم محاطون بالعناية الفائقة. لقد وصلت الأمور إلى حد أنه خلال إحياء ذكرى أوشْفِيتْزْ تم التركيز على اليهود وحدهم، والحال أننا نعرف جيداً ضحايا من غير اليهود. ونعرف أيضاً أن من ضحايا القمع النازي حوالي مليونان ونصف المليون من أسرى الحرب مع السوفيات قد تعرضوا للإبادة في سجون النازية. نعرف أن القمع قد تركز على اليهود بشكل أساسي، إلا أن القمع قد شمل أيضاً الغجر والقاصرين ذهنياً. ونعرف أن هذا القمع كان سيمس بقوة السَّلافيِّينَ لو انتصر هتلر في الحرب.
كل هذا التركيز على اليهود ـ كما لو أن اليهود هم وحدهم ضحايا الإنسانيةـ أثار صدمة بالمقابل.
لقد انتهى المطاف بالزنوج إلى القول “ونحن، وخمسة قرون من العبودية، ومعاملة الزنوج؟” والجزائريون، “وحرب الجزائر، وما اقترفه الفرنسيون ضدنا”؟ أعتقد أن من العدل أن يقول كل الذين تحملوا العذاب مما يمكن أن ندعوه البربرية الأوروبية: “لا ينبغي أن تعرضونا للنسيان! ليس اليهود هم وحدهم من يوجد في العالم!

-ماذا يمكن أن نترقب منذ الآن؟
– أعتقد أنها (أي المؤسسات اليهودية) قد بالغت في الأمر. صحيح أنه في بادئ الأمر، حينما كان هناك إخلاء السجون، لم يتم الحديث سوى على المنفيين السياسيين، ولم يحصل الحديث بالخصوص على اليهود.
ينبغي التحديد بأن في فرنسا كان هناك من المنفيين السياسيين أكثر من المنفيين اليهود. هذا يعود إلى كون جزء من الساكنة الفرنسيين كانوا قد أخفوا يهوداً.
إن فرنسا إلى جانب بلغاريا هي البلد حيث كان يشكل اليهود من بين منفييها عدداً أصغر ـ مقارنة مع البلدان الأخرى تراوح عدد الضحايا اليهود بين 60 إلى 80 في المئة ـ في فرنسا وفي نهاية الحرب العالمية الثانية كان الكلام يدور حول المنفيين السياسيين العائدين ولم يكن هناك حديث عن اليهود على وجه الخصوص. والآن انتقلنا إلى الطرف الآخر. كل المنفيين الآخرين هم منسيون. والحال أن كل هذه الإفراطات تمثل جزءاً من رؤية سياسية حيث اليهود لا يمكن أن يكونوا إلا أبطالاً أو ضحايا. وإذا مس أحد بهذه الصورة المزدوجة فهو نَذْلٌ.

– ألا يتملككم الحنين إلى عهد حيث كان اليهود وغير اليهود يعيشون في مأمن من الخصوصيات؟ إننا في أوجها اليوم، حيث يمكن أن تلتصق بكل كُويِيمْ ينتقد إسرائيل تهمةُ “معاداة السامية”.
– نعم. هذا يجرنا إلى أن كل يهودي كان خلال قرون عرضةً للشبهة. كان كل يهودي يعاني من هذه الغرابة المقلقة. والآن أصبح كل كُويِيمْ موضع شبهة في عين اليهودي. الأكيد أن هناك انقلاباً ما.

– أن تكونوا في خانة المتهمين؛ ألا يصيبكم هذا بالاضطراب؟
– لا، أنا مجرد إنسان تعرض للافتراء. لقد سبق أن عانيت من الافتراء وتعرضت للتهميش لأسباب أخرى. إن هذا لا يصيبني بالاضطراب. ومع ذلك سأظل أقاوم هذا. سأنشر كل المقالات التي حررتها في هذا الموضوع. وسأتدخل حيث يُطلب مني التدخل. يبدو أن هذه الأيام قد عرفت نقاشاً في السوربون. السيد رْوَارْ صحفي فِيكَارُو، تساءل: كيف يمكن لي أن أكون “معادياً للسامية” مع أنني كنت يهودياً. وقد أجاب بِرْنَابِي سفير إسرائيل الأسبق بأن مقالي أحادي الجانب، وأنه من المدهش أن يكون مؤلفٌ يدعي أنه فيلسوف التركيب، هو محرر مقال لا يساوي شيئاً؛ إلا أنه لم يكن من دعاة رفع الأمر إلى القضاء.

-هل سبق لك أن حاورت مسؤولي هذه الجمعيات التي هي سبب اتهامكم؟+ لم أحاورهم أبداً؛ أو بعبارة أدق لم يحاوروني أبداً.
دعم إسرائيل، وإرادة معاقبة الناس الكاملي النزاهة. هل يحدث هذا لصالح هذه المؤسسات؟
– لا، هذا ليس لصالحهم في فرنسا، ولكن هذا مفيد لهم على الصعيد الدولي الأمريكي. إنهم بحاجة إلى التشهير بمعاداة السامية، والقول بأن معاداة السامية آخذة في الانتشار. كل هذا يستعمل لتبرير إسرائيل. إن ما يفعلونه هو، من الناحية الأستراتيجية، محبوك جداً.
nord-palestine.org/deb


الكاتب : ترجمة: أحمد رباص

  

بتاريخ : 12/06/2021