صدر كتاب ” الانقسام اليهوديّ حول إسرائيل: بين المعارضين والمؤيدين”، وهو مجموعة من المقالات اشترك في جمعها وتحريرها بول بوغدانور وإدوارد ألكسندر أستاذ الإنجليزية في جامعة واشنطن وصاحب عديد المؤلفات.
حول الكتاب أجرى جيمي غلازوف من «فرونت بيج ماغزين» الأمريكية حواراً مع إدوارد ألكسندر.
– ما هو الحيز الذي تشغله المحرقة في الموقف العالمي لليهود المعادين لإسرائيل؟
– حيز هائل. فمعظمهم يعتقدون، وعلى نحو خاطئ بالطبع، أنّ الضمير الأوروبي المثقل بالذنب بسبب المحرقة هو الذي أوجد إسرائيل. بينما في الواقع وُلِدت إسرائيل، بالرغم من المحرقة التي قتلت قسماً كبيراً من اليهود ذوي النزعات الصهيونية وليس بسببها.
ما انفك العديد ممّن يؤمنون بأنّ إسرائيل جاءت إلى الوجود بسبب المحرقة- شأن فينكلشتين وبيتر نوفيتش بالإضافة إلى العديد من الإسرائيليين اليساريين يهاجمون ذاكرتها ويزدرون أيّ يهوديّ يجرؤ على ذكرها. كما يضع البعض اللوم على ذاكرة المحرقة اليهودية ويحمّلونها مسؤولية “التصلّب” الإسرائيلي المزعوم حيال العرب الفلسطينيين ومسؤولية الفكرة الوهمية ( بالنسبة لهم) التي تقول إنّ العرب يريدون أن يمحوا إسرائيل من الوجود. وأما آخرون فيضعون اللوم على تلك الذاكرة لكونها صرفت أنظار اليهود عن القضايا الليبرالية التي وُجدوا في العالم من أجل ترويجها. إذ لا يكتفي جورج شتاينر وهو صاحب مقالة في الكتاب، في مسرحيته سيئة الصيت عن هتلر بتحميل اليهودية مسؤولية المحرقة بل يحكم لصالح حلّ أخير للمسألة اليهودية بوصف هذا الحلّ خطوة في الطريق إلى اليوتوبيا.
يرى فينكلشتين أنّ المحرقة في الأساس بناء أيديولوجيّ مكّنت اليهود من ابتزاز المصرفيين السويسريين أو الصناعيين الألمان الذين لا حول لهم ولا قوة. وأما تشومسكي وكما يعرف الجميع، فقد اشترك فعلاً مع من أنكروا المحرقة من الفرنسيين.
– أو تعتقد بأنّ ثمّة عامل مسيحيّ أو إسلامي عند من يعارضون إسرائيل ويتّهمونها؟
– على الصعيد الديني، ثمّة رابطة قويّة يمكن للمرء أن يراها عند أشخاص شأن شتاينر أو توني جودت، وهما موضوع لمقالة كتبها بنيامين بالينت، بين التسيّد المسيحي، أي الفكرة التي عبر عنها أوريغون راعي الكنيسة والتي تقول “مع نهاية الزمن، ستنتهي اليهودية” وبين ما اكتشفه اليهود الكارهون لإسرائيل بأنها فرد شاذّ في عائلة الأمم ويجب أن تزال من الوجود. لكنني لست أرى رابطاً دينياً بين من يكرهون إسرائيل من اليهود وبين الإسلام. هناك رابط سياسي قويّ (ولو أنه متناقض). فمن المعروف أنّ الليبراليين اليهود يعارضون وبشدّة ” المبادرات التي تقوم على أساس الإيمان” مع استثناء لافت، وهو الانتحاريون الإسلاميون. إنّ الحماسة التي يبديها كارهو إسرائيل اليهود للانتحاريين والتي يجدها المرء عند الكندي مايكل نيومان أو الإنجليزية جاكلين روز، تمهّد لآفاق جديدة لكراهية اليهوديّ لذاته.
– ما هو التأثير الذي مارسه هؤلاء في أمريكا وأوروبا وإسرائيل؟
– إنّه تأثير مهول. فأناس شأن الراحل يشاياهو ليبوفيتز وهو فيلسوف إسرائيلي، لم يكونوا معروفين في أوروبا إلى أن بدأ يروّج لنسخته الخاصّة من الرواية الإسرائيلية التي تقول بالتطابق ما بين النازية وإسرائيل. في إنجلترا، بإمكان المرء أن يرى الهجوم الشديد على إسرائيل ما جعل البريطانيين يتفوّقون في كراهيتهم على جميع البلدان الأوروبية الأخرى. نرى ذلك عند أشخاص يهود شأن المسرحيّ هارولد بنتر وغيرهم كثر. إنّ من بدأ المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل هم يهود بريطانيون. فمنذ سنوات مضت كان جويل بينين وهو رئيس تجمّع الشرق الأوسط في الولايات المتحدة الأمريكية وأستاذ في جامعة ستانفورد يعبّر عن خيبته النابعة من وجود دولة يهودية على هذا الكوكب. كما عنيت معظم الأقسام أو المراكز التابعة لدراسات الشرق الأوسط التي اعتبرت محو الدولة اليهودية من الوجود هدفاً مهنياً رئيساً على نحو خاص بملء مناصبها باليهود الرافضين لإسرائيل.
-برأيك ما الذي يكمن خلف الفكرة التي تقول بالتطابق بين اليهودية والنازية والتي يستخدمها أعداء إسرائيل في إدانتهم لها؟ وهل يستخدمون هذا السلاح؟
– إنها ترفع عن كاهل النازيين والأوروبيين وزر الجرائم التي ارتكبوها بحقّ اليهود. إذا كان اليهود سيّئين بقدر النازيين، أكانت جريمة ضدّ الإنسانية أن يباد اليهود؟ وإذا كان الإسرائيليون نازيين، فسيكون العرب الفلسطينيون هم ” اليهود”. أما إن لم يكن من تطابق بين النازيّ والإسرائيليّ فيجدر بأشخاص شأن تشومسكي أن يلزموا الصمت.
– ما الذي يدفع اليهودي لأن ينكر مفهوم النزعة المعادية للسامية؟ ولمََ يشترك هذا اليهوديّ نفسه مع تلك النزعة؟
-ببساطة هو الجبن. فمن دافع عن أقليتنا المطوّقة لم يكونوا من الجبناء. لكن ثمّة تاريخ طويل لهذا الجبن. وهذا ما يدعو للأسف. انظر مثلاً كتاب ساندر جيلمان اللافت ” كراهية الذات اليهودية”. إن المشكلة الأكبر التي نشأت عن إنكار نزعة العداء للسامية كائنة في القول القديم:”إنّ من يشفق على الظالم سوف ينتهي بغضّ طرفه عن البريء”.
– ما كانت مشاعرك الشخصية عندما حرّرتَ هذا الكتاب؟
– كانت مزيجاً خاصاً من الألم والغبطة في آن. تألّمت لأنّ قراءة ما يطلقه أشخاص شأن شتاينر أو جوديث بتلر أو مارك إليس أو دانييل بويارين من عبارات تقتضي منا أن نردّ عليهم بما يشبه حذاءً عصرياً. أمّا غبطتي فقد نبعت لأنّني وضعت في ذهني وعلى الدوام قولاً قديماً” في دمار الأشرار ثمّة سعادة”.

