إسرائيليون ولبنانيون يستعدون للحرب . .. بين الغرف الآمنة والمستشفيات الحكومية

دعت الأمم المتحدة في لبنان الأطراف المعنية إلى “وقف إطلاق النار”، على وقع غارات اسرائيلية على جنوب لبنان وإعلان حزب الله قصفه بمسيرات وصواريخ مواقع عسكرية في الدولة العبرية ردا على مقتل قيادي بارز.
من جهته، شدد رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي بعد اجتماع حكومي طارئ، على ضرورة “وقف العدوان الإسرائيلي”.
وفي بيان مشترك، دعا مكتب المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان وقوة يونيفيل “الجميع إلى وقف إطلاق النار والامتناع عن المزيد من التصعيد” على ضوء “التطورات المقلقة على طول الخط الأزرق” الفاصل بين لبنان وإسرائيل.
وقال الطرفان “سنواصل اتصالاتنا لحث الجميع بقوة على خفض التصعيد”. وأكدا أن “العودة إلى وقف الأعمال العدائية، يليه تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1701، هو السبيل الوحيد المستدام للمضي قدما”.
وأرسى القرار الدولي الذي وضع حدا لحرب يوليو 2006، وقفا للأعمال القتالية بين إسرائيل وحزب الله وعزز انتشار قوة يونيفيل في جنوب لبنان. وبموجبه، انتشر الجيش اللبناني للمرة الأولى منذ عقود على الحدود مع إسرائيل بهدف منع أي وجود عسكري “غير شرعي” عليها.
وفي سياق متصل، قال ميقاتي إن “المطلوب هو وقف العدوان الاسرائيلي أولا، وتطبيق القرار 1701، مشيرا الى أنه يجري “سلسلة من الاتصالات مع أصدقاء لبنان لوقف التصعيد”.
وكان حزب الله أعلن صباح الأحد شن هجوم واسع تخلله إطلاق عدد كبير من المسيرات وأكثر من “320 صاروخ” كاتيوشا على مواقع عسكرية في شمال إسرائيل، في إطار رده على مقتل قائد عملياته في جنوب لبنان فؤاد شكر بغارة اسرائيلية في 30 يوليو.وجاء ذلك بعيد إعلان الجيش الإسرائيلي شن ضربات في جنوب لبنان لمنع “هجوم كبير” من الحزب المدعوم من طهران.
وأودت الضربات الإسرائيلية التي طالت العديد من البلدات والقرى في جنوب لبنان بحياة ثلاثة أشخاص على الاقل، وفق وزارة الصحة اللبنانية، بينهم مقاتل نعته حركة أمل، حليفة حزب الله.

أقامت أفيفا برتزوف وجيف ليدرر لأعوام من دون ملجأ في منزلهما الواقع وسط إسرائيل، لكنهما شرعا مؤخرا ببناء غرفة محصنة في ظل التهديدات الصاروخية ومخاطر تصعيد واسع النطاق.
يأمل ليدرر وبرتزوف بأن توفر غرفة من الخرسانة المسلحة بدأت تنبثق من قالب خشبي في باحة منزلهما بتل موند شمال تل أبيب، الحماية لهما ولأحفادهما.
عند إنجازها، ستتألف هذه “الغرفة الآمنة” من جدران بيضاء ونافذة مربعة يحميها مغلاق من الحديد، وأرضية من البلاط. وستوضع في داخلها أريكة.
قالت برتزوف، وهي اختصاصية في علم النفس، إنه في فترات النزاعات السابقة “كنا في كل مرة نقول إنه ربما يجدر بنا أن نبنى ملجأ في المنزل، لكننا لم نفعل شيئا”.
أضافت لوكالة فرانس برس “هذه المرة، وبعدما بدا أن (الهجمات) تقترب من منطقتنا، قلت لنفسي إنه لا يمكننا الاستمرار على هذا النحو”.
تعرضت مناطق عدة في إسرائيل لهجمات صاروخية على مدى الأشهر الماضية.
فتلك الجنوبية القريبة من قطاع غزة حيث تدور حرب بين إسرائيل وحماس منذ السابع من أكتوبر، طالتها صواريخ أطلقتها الفصائل الفلسطينية، وإن تراجعت وتيرتها مؤخرا.
أما في الشمال، فتتبادل الدولة العبرية وحزب الله اللبناني القصف عبر الحدود بشكل شبه يومي منذ أشهر.
كما كررت إيران وحليفها حزب الله على مدى الأسابيع الماضية، التوعد بالرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية في طهران بعملية نسبت الى إسرائيل، واغتيال القيادي العسكري في الحزب فؤاد شكر بضربة إسرائيلية في ضاحية بيروت الجنوبية.
وتزامنا مع حرب غزة، أعلنت جماعات مسلحة مدعومة من طهران منها “المقاومة الإسلامية في العراق” والحوثيون في اليمن، استهداف مناطق إسرائيلية بصواريخ ومسي رات.
بالنسبة الى برتزوف وليدرر، يبقى حزب الله الذي يملك ترسانة صاروخية ضخمة، التهديد الأكبر. وقال ليدرر، وهو طبيب يبلغ 79 عاما “الآن نقلق أكثر لأن صواريخ حزب الله يمكنها أن تصل إلينا”. وأضاف “نخشى أيضا أن تطلق إيران النيران باتجاهنا”.
وقلص تنامي القدرات الصاروخية للجماعات المعادية لإسرائيل من الوقت المتاح لسكانها للاحتماء من الهجمات. فعند بناء أولى الملاجئ العامة في إسرائيل خلال الخمسينات من القرن الماضي، كانت صفارات الانذار تنطلق قبل 30 دقيقة من سقوط الصواريخ.
واعتبر مسؤول الهندسة في قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية اللفتنانت كولونيل موشيه شلومو أن هذه المدة “كانت تكفي لإعداد كوب من القهوة” قبل الاحتماء.
لكن حاليا، بات أمامهم ما بين 15 و90 ثانية فقط لبلوغ مكان آمن بعد انطلاق الصفارات أو تلقي إشعار عبر الهاتف.لذلك، تحض السلطات السكان على بناء غرف محصنة ملحقة بمنازلهم.
وقال شلومو الذي تحدث لفرانس برس في قاعدة عسكرية قرب تل أبيب، إن “مستوى التهديد في إسرائيل مرتفع للغاية”.
وأشار الى أن بعض الدول “تهددنا بالصواريخ والصواريخ البالستية… هذه الغرف (الآمنة) تنقذ الأرواح. هذا ما رأيناه في هذه الحرب”.
وتصمم الغرف الآمنة لتحمل عصف انفجار طن من المتفجرات على مسافة 15 مترا، وهي معزولة ومزودة بنظام تهوئة خاص في حال التعرض لهجوم بيولوجي أو كيميائي، وفق ما أكد شلومو. وتتراوح كلفتها بين 30 و65 ألف دولار.

مستشفيات
لبنان الحكومية

وفي مستشفى رفيق الحريري في بيروت، أكبر مستشفيات لبنان الحكومية، يعمل ممرضون ذوو خبرة على تدريب عدد من زملائهم على التعامل مع حالات الطوارئ، في إطار خطة لرفع جهوزية الطواقم الطبية في حال اندلعت الحرب بين حزب الله واسرائيل.
وتقول الممرضة باسمة خشفة لوكالة فرانس برس بعد إنهائها حصة تدريبية “نحن حاليا في مرحلة ندر ب فيها الموظفين، سواء في القطاع التمريضي أو الطبي والإداري والأمني وكل المعنيين بالعمل في المستشفى، يخضعون جميعهم للتدريب”.
وتوضح “نحن في حالة تجهيز للحرب”، مضيفة “وفق القدرات المتوفرة لدينا حاليا، نحن تقريبا اليوم جاهزون” في حال اتساع نطاق التصعيد المستمر منذ أكثر من عشرة أشهر بين حزب الله وإسرائيل.
ومنذ بدء التصعيد بين الطرفين عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية، غداة اندلاع الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر بين حركة حماس وإسرائيل غداة هجوم غير مسبوق للحركة الفلسطينية على الدولة العبرية، شك لت السلطات اللبنانية لجنة طوارئ حكومية. وعكفت وزارة الصحة على رفع جهوزية مرافقها وكوادرها تحس با، معو لة الى حد كبير على مساعدات خارجية بعدما أنهكت قرابة خمس سنوات من الانهيار الاقتصادي القطاعات كافة.
وارتفع منسوب التوتر في الأسابيع الأخيرة بعد مقتل القائد العسكري البارز في حزب الله فؤاد شكر في 30 يوليو بغارة اسرائيلية في الضاحية الجنوبي ة لبيروت. وقتل شكر قبل ساعات من اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هني ة في طهران في ضربة نسبت الى إسرائيل.
وتوعدت طهران وحزب الله بالرد على مقتلهما، في حين يلوح مسؤولون إسرائيليون بالحرب.
وإثر فتح حزب الله جبهة “إسناد” لغزة من جنوب لبنان وبدء تبادل القصف بينه وبين إسرائيل، كانت لميس الدايخ (37 عاما)، الممرضة في مستشفى رفيق الحريري، في عداد أولى الدفعات التي تلقت تدريبا.
وتشرح لفرانس برس “تدربنا على التعامل مع الحوادث التي توقع إصابات جماعية وكيف نستعد في حال حصول كارثة طبيعية أو اندلاع حرب”.وتضيف “في حال اندلاع حرب، سنكون موجودين ونقدم كل ما لدينا”.
وأسفر التصعيد عن مقتل نحو 600 شخص في لبنان، بينهم 131 مدنيا و386 مقاتلا على الأقل من حزب الله. وأحدث القصف الإسرائيلي دمارا واسعا في جنوب لبنان، خصوصا في القرى والبلدات الحدودية، متسببا بنزوح أكثر من مئة ألف شخص، وفق الأمم المتحدة.
في المستشفى الحكومي الذي شكل مركزا رئيسيا للتعامل مع جائحة كوفيد-19، يكرر ممرضون القول إنهم معتادون نسبيا على التعامل مع تدفق عدد كبير من المصابين في آن معا.
ويشيرون الى معايشتهم تجارب مماثلة خلال أحداث دامية شهدتها البلاد، بينها الحرب المدمرة بين حزب الله وإسرائيل صيف 2006 على مدى 33 يوما والتي أوقعت 1200 قتيل في لبنان معظمهم مدنيون، وانفجار مرفأ بيروت المرو ع في العام 2020 الذي أودى بحياة أكثر من 220 شخصا وخل ف آلاف الجرحى.
وتقول وحيدة غلاييني، المسؤولة عن غرفة الطوارئ التي استحدثتها وزارة الصحة، لفرانس برس “في لبنان، لدينا دائما خطة طوارئ، هذه ليست أول حرب” تواجهها البلاد.
في مركز عمليات طوارئ الصحة العامة، داخل مقر الوزارة المجاور للمستشفى الحكومي، ينهمك موظفون في إجراء اتصالات أو العمل على حواسيبهم بينما تحيط بهم شاشات تظهر إحصاءات ورسوما بيانية إضافة الى أجهزة تلفزة تبث أخبارا من غزة وجنوب لبنان.
وتنص خطة وزارة الصحة التي تشرف غرفة الطوارئ على تنفيذها، إضافة الى تدريب الطواقم والموظفين على حالات الطوارئ، على تقييم احتياجات المستشفيات وتعزيز مهارات فرق الإسعاف وتوفير الدعم النفسي للأطباء والممرضين، عدا عن تخصيص مركز لتلقي اتصالات النازحين لتلبية احتياجاتهم.
وتشرح غلاييني “تحتاج المستشفيات كلها بشكل عام إلى مستلزمات طبية ووقود ومياه”.
وتحل ألواح الطاقة الشمسية جزءا من مشكلة انقطاع الكهرباء لساعات طويلة مع تجد د أزمة الفيول المطلوب لتشغيل معامل إنتاج الطاقة في البلاد.
وكانت الغارة الإسرائيلية التي أودت بشكر ومستشار ايراني إضافة الى خمسة مدنيين وأصابت آخرين بجروح، بمثابة “محاكاة حقيقية (لاندلاع حرب) لأننا قي منا التدريب الذي أعطيناه للمستشفيات”، كما تقول غلاييني.
واستهدف القصف مبنى مجاورا لمستشفى بهمن في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، والذي كان في عداد نحو 120 مستشفى تلقت تدريبات حول كيفية إعداد خطط طوارئ بإشراف وزارة الصحة.
وتقول غلاييني “ساعدنا المستشفيات لتتمكن من وضع خطة طوارئ، وفق برنامج تدريب امتد لثلاثة أيام”، موضحة أن الوزارة استندت عند وضع خطتها الى ملاحظات رصدتها من مستشفيات غزة وكيفية تجاوبها مع تدفق الضحايا بأعداد كبيرة.
وقسمت وزارة الصحة، وفق غلاييني، خريطة لبنان الى ثلاث مناطق، أبرزها “المنطقة الحمراء التي تضم الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت”، وهي معاقل حزب الله التي استهدفها القصف الإسرائيلي وإن بنسبة متفاوتة منذ بدء التصعيد.
ويأتي السعي “لرفع جهوزية” القطاع الصحي، بحسب وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض، “بعد تهديدات العدو (إسرائيل) بتوسيع العدوان”.
وفي حال اندلاع حرب مع اسرائيل، لدى لبنان، وفق الأبيض، “في موضوع الدواء والمستلزمات.. ما يكفينا أقله لمدة أربعة أشهر”.
في مستشفى رفيق الحريري، يؤكد الممرض مروان حكلة (25 عاما) جهوزيته وزملاءه، للتعامل مع أي حالة طوارئ.
ويقول لفرانس برس “صحيح أن الوضع صعب، لكن خبرتي قد تمك نني من أن أنقذ أناسا كثيرين”.
ويضيف “سأكون أول من يحضر الى المستشفى.. ولن أحرم غيري من المساعدة بسبب الخوف”.


بتاريخ : 27/08/2024