«إسرائيل وخسارة المعنى» للدكتور أشرف حزيّن: كيف تتم إعادة إنتاج العنف في شكل أسطورة

أصدر أشرف حزيّن الأستاذ بجامعة رود آيلاند الأمريكية كتابه  «إسرائيل وخسارة المعنى – الاختبار العالمي لوهم السيادة»، عن دار الأدهم للنشر والتوزيع في مصر.
الكتاب يكمل به مؤلفه مشروعَه الذي طرحه في كتابه الأول الذي صدر تحت عنوان «إسرائيل على حافة ذاتها – تفكيك بنية الدولة وانهيار الرمز» في قراءة الداخل الإسرائيلي، وقراءة النصوص والرموز المؤسسة للمشروع الصهيوني، منطلقًا لا من السياسي ولا من الفعل المسلّح، ولكن منطلقًا مما أسماه في كتابه الجديد بـ «الرماد» الذي هو «ناتج الفعل السياسي حين ينفجر في قلب اللغة، حين تنكشف الدولة لا كسلطةٍ إدارية، بل كبِنية رمزية مهندَسة تحوّلت من مؤسسة إلى سردية، ومن سردية إلى طقس، ومن طقس إلى قيد. في الجزء الأول، لم نكن نؤرّخ لإسرائيل، بل كنا نفكّكها…لم نكن نروي ما وقع، بل كنا نكشف كيف رُوي، وكيف أن الخطورة لا تكمن في عنف الدولة وحده، بل في قدرتها على إعادة إنتاج العنف في شكل أسطورة. هذا هو الفرق بين القهر والسيطرة الرمزية: الأول يُرى، يُقاوَم، يُكسر، والثاني يُعاد تأثيثه في كل صباح. لكن ما لم نَقُله هناك، نقوله هنا: إنّ إسرائيل –كنموذج للدولة الرمزية القصوى – لم تَعد فقط كيانًا سياسيًا، بل تحوّلت إلى ما يُشبه «اللغة التأسيسية» لنظامٍ عالمي جديد. إنها ليست دولة بين الدول، بل تقنية وجودية لإنتاج الشرعية، تُلخّص منطقًا إمبراطوريًا يجد في الأسطورة السياسية دليله الأعمق. ولذلك، فإن الاستمرار في تفكيك هذا النموذج لا يعني اجترارًا للتاريخ، بل محاولة لفهم الحاضر وهو يتكلّم بلسان الدولة -الرمز».
يبحر بنا الكتاب عبر خمسة فصول: النيوليبرالية في الشرق الأوسط وانعكاساتها على إسرائيل، أزمة الاحتلال بين البعد السياسي والوجودي، الأزمات الداخلية وتآكل الديمقراطية، المواجهة القانونية والدبلوماسية لإسرائيل، وأخيرًا الانقسام الطبقي في إسرائيل مِن الهيمنة الأشكنازية إلى اقتصاد الامتياز العِرقي في قراءة جديدة وفارقة للمشروع الصهيوني، وهو ما يفتح الباب واسعًا أمام اشتباكات ثقافية وفكرية متوقعة.
كما تضمن الكتاب في خاتمته ملحقًا أطلق عليه الكاتب اسم «مرجع المفاهيم الرمزية – الجهاز التحليلي للمؤلف» تضمن أكثر من عشرين مصطلحًا مفاهيميًا، معظمها من نحت المؤلف نفسِه، وهي مصطلحات ومفاهيم تأسيسية لسردية جديدة ينادي بها الكاتب لمواجهة السردية الصهيونية وحلفائها، من هذه المصطلحات والمفاهيم: الأوليغارشية الرمزية، وإعادة برمجة الزمن، وتفكك الإجماع الرمزي، والهيمنة الطبقية، وصناعة المعنى الآمن، والهيمنة المؤجلة وغيرها.
تشكل لغة الكتاب نموذجًا جديدًا يجمع بين اللغة التحليلية والإشارية، بمسحة فيها من جمال الالتقاط وبلاغة التوظيف، مثلما وقف أمام ما صنعته إسرائيل في غزة مؤخرًا ليقول مختتمًا كتابه: «في اللحظة التي اعتقدت فيها إسرائيل أنها تستعيد (ردعها)، كانت الدولة تفقد قدرتها على نُطق الحقيقة.لم يعد هناك مشروعٌ جامِع، ولا أملٌ في إعادة البناء الرمزي، ولا سرديةٌ تحتمِل هذه الجرعة من الدم.
ما حدث في تلك الأسابيع لم يكن سوى دليلٍ أخير على أن ما كتبناه عن تآكل العقد الاجتماعي، وانفجارِ الفوارق الطبقية، وانهيارِ الإجماع القومي، لم يكن تنظيرًا، بل استقراء دقيقا لمسارٍ وصل إلى نهايته العنيفة.
لقد سقط القناع الأخير، ولم يبقَ من المشروع الصهيوني إلا نارٌ تأكل ذاتها. وبروميثيوس، في رمزيتِه هذه المرة، لا يحمل النارَ للبشر، بل يجلس قبالتَها في لحظة رمادٍ صامت، يرى فيها أن النور الذي وُعِد به قد احترق، وأن الدولة التي ادّعت أنها خلاص، لم تترك سوى احتراقٍ بلا معنى.»


بتاريخ : 10/09/2025