«إش» فيلم يشكل ملامح جيل مسلم يعيش بين الخوف والاشتباه

واصل المهرجان عرض الأفلام المتنافية على النجمة الذهبية في المسابقة الرسمية، وفي هذا الإطار قدم فيلم «إش» للمخرج البريطاني عمران بيرتا .
ويعد فيلم» إش ish» واحدة من أكثر التجارب السينمائية لفتاً للانتباه هذا العام، من خلال مقاربة واقعية تُسلّط الضوء على حياة فتيان مسلمين في بريطانيا، يعيشون تحت وطأة المراقبة الأمنية والتوترات الاجتماعية. وقد أثار العمل اهتمام النقاد بعد نيله جائزة الجمهور في أسبوع النقاد بمهرجان البندقية 2025، لقدرته على كشف عالم داخلي مضطرب لجيل يشعر بأنه محاصر بالشك والتصنيف.
وتدور قصة الفيلم حول إش، فتى باكستاني يبلغ من العمر 12 عاماً، وصديقته مرام، مراهقة فلسطينية من العمر نفسه. وفي ظل الوجود المكثف للشرطة في شوارع ضواحي لوتون البريطانية، يقضي الطفلان أوقاتهما مع مجموعة من الأصدقاء في مغامرات بسيطة وسرقات صغيرة. غير أن حياتهما تنقلب حين تلاحقهما الشرطة ذات مساء؛ ينجح إش في الهرب بينما يقع القبض على مرام، ما يشكّل نقطة تحوّل في علاقتهما ومسار الأحداث.
الناقد أوليفييه باشلار يصف البناء الدرامي للفيلم بأنه قائم على هذا الحدث المفصلي، الذي يكشف هشاشة الصداقة تحت ضغط الظروف الأمنية والاجتماعية. أما الناقد ديفيد كاتز فيرى أن الفيلم يقدم “لمحة دقيقة عن حياة المسلمين البريطانيين الذين يعيشون تحت مراقبة دائمة وشعور مستمر بالاشتباه”.
ويعتمد بيريتا في تصويره على جمالية الأبيض والأسود، في اختيار يراه النقاد متعمّداً ليعكس رؤية ثنائية للعالم: فضاء يتحدد فيه الأفراد بين “مشتبه به” و“غير مشتبه به”. وتستعين الكاميرا بلقطات من داخل مركبات الشرطة، وأخرى ملتقطة بكاميرات المراقبة وتقنيات التعرف على الوجوه، مما يعزز الإحساس بالخوف والرقابة. ويلاحظ كاتز أن حضور الشرطة في الفيلم لا يتجسد في شخصيات واضحة، بل يظهر غالباً عبر أطراف جسدية: أرجل، أذرع، وأقدام، ما يمنحها قوة مبهمة ومخيفة في آن.
ويؤدي الممثلان الشابان دورين أساسيين في إيصال التوتر الداخلي للشخصيات، حيث يعبّر الفيلم عن قلق حقيقي يهيمن على حياة هؤلاء الفتية. وتلعب الموسيقى دوراً مركزياً في بناء هذا الشعور؛ إذ تستخدم نغمات حادة وجوقات تُشبه صفارات الإنذار كلما توارى إش في خوفه أو أحس بتهديد، فيما ترافقه موسيقى متوترة خلال مشاهد الهروب أو المواجهة.
ويشير النقاد إلى أن الفيلم يبرز أيضاً العلاقة المعقدة بين مرام وإش، خاصة حين يبدأ الأول بالانجذاب إلى مجموعة من الفتية الأكبر سناً، الذين يميلون إلى سلوكيات أكثر خطورة لكنها تبقى ضمن حدود اللعب والتنفيس، مثل إشعال الألعاب النارية في الغابة. وفي المقابل، يجد إش ملاذاً هادئاً في منزل جدته، حيث يحاول التواصل معها بلغته الأصلية رغم الحرج، ما يضيف بعداً إنسانياً للجانب العائلي في الفيلم.
وفي قراءة أكثر عمقاً، يرى بعض النقاد أن الفيلم يستعيد القلق العرقي والاجتماعي الذي تفاقم في بريطانيا بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث أصبح المسلمون موضوع مراقبة دائمة. ويذهب البعض إلى القول إن المخرج وكاتبة السيناريو إندا والش يرسمان مشهداً يشير إلى صعوبة بقاء هؤلاء الفتية في بيئة تشكّك باستمرار في هويتهم وانتمائهم.
ورغم قوة الأجواء التي يبتكرها بيريتا، والتي ترفع الفيلم فوق مستوى الواقعية الاجتماعية التقليدية، يرى بعض النقاد أن الجانب الدرامي لم يبلغ النضج الكامل، وأن البناء القصصي أقرب إلى فيلم قصير طويل. كما يلاحظ آخرون ضعفاً نسبياً في تعميق الشخصيات الثانوية مقارنة بالقوة التي أظهرها الممثلان الرئيسيان.
ومع ذلك، يبقى «إش» تجربة سينمائية مؤثرة، تُبرز هشاشة جيل يعيش بين الخوف والبحث عن الانتماء، وتقدّم صورة واقعية عن صداقات تتصدّع تحت ضغط منظومة أمنية لا تترك مجالاً للخطأ. إنه فيلم يضيء جانباً خفياً من حياة شباب مسلم في بريطانيا، ويقدّم قصته بأمانة، وبصورة لا تخلو من الحساسية والوعي السياسي.


بتاريخ : 02/12/2025