بعد كتابه البالغ القيمة عن أدونيس: «أدونيس في الإبداع والتنظير الشعري» والذي ركز في قسمه الأول على جملة من الظواهر والقضايا الشعرية المهمة التي ينطوي عليها خطاب أدونيس الشعري، وذلك من خلال ثلاثة محاور أساسية (توظيف التراث – النزعة الدرامية – في بنية الإيقاع). فقد تصدّى، باقتدار ملحوظ، للتجربة الأدونيسية في مجال التنظير للقضايا الشعرية وإشكالياتها وصولا إلى عرض ومناقشة أفكار أدونيس ومواقفه وتوجهاته في هذا المجال، بل وقد اختلف معه في العديد منها.
وقد تحقق هذا من خلال سبعة فصول مثلت ثلثي الكتاب.
وللتذكير فقد اختير هذا الكتاب ضمن القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد فرع الفنون والدراسات النقدية لسنة 2023-2024 (حجبت الجائزة تلك السنة).
بعد هذا الكتاب الثمين، فقد أصدر الأستاذ الدكتور حسن الغُرفي، في الآونة الأخيرة، كتابين جديدين من الحجم الكبير :
أولهما بعنوان : «تدبير المتوحد : دراسات في الشعر العربي المعاصر «عن دار فضاءات للنشر والتوزيع بالأردن، حيث قدم فيه أكثر من عشرين دراسة نقدية وتحليلية لمنجزات مجموعة من الشعراء المبدعين الأصلاء الممتازين الذين أثبتوا حضورهم الدائم في الساحة الشعرية العربية، وذلك من خلال نماذجهم العليا التي انطوت على شتى الأنساق الفكرية والثقافية والاجتماعية، كما امتازت بالتعدد في طرائق الكتابة الشعرية، وتوظيفاتهم لشتى عناصر وأساليب الأجناس الأدبية والفنية المختلفة. وللإشارة فالشعراء الذين قارب د. الغُرفي منجزاتهم الشعرية ينتمون إلى الأقطار العربية (العراق – مصر – المغرب – فلسطين – سوريا – لبنان – اليمن – الإمارات العربية المتحدة).
أما الكتاب الثاني الذي صدر بعنوان «التشكيل الإيقاعي في القصيدة العربية المعاصرة»، فقد رصد فيه الظاهرة الإيقاعية رصدا مستقصيا لثوابتها ومتغيراتها ودلالاتها وامتداداتها الإحالية، وقد تم هذا وغيره عبر تشريحه للأعمال الشعرية لخمسة من الأعلام الكبار والقمم الباذخة في الشعر العربي المعاصر، ممن ساهموا في إثراء شعرنا المعاصر وتوسيع آفاقه وتعميق مفاهيمه وتفجير طاقاته الإيحائية الخلاقة. كما جعلوا من قصيدة التفعيلة أكثر غنى من كل الأشكال الأخرى في القصيدة العربية. وقد وضعتهم أعمالهم الشعرية في مكانة متفردة سامقة، هم جديرون بها كرموز في الشعر العربي والإنساني.
ومن المعلوم أن الدكتور حسن الغُرفي يعتبر من خيرة الباحثين الأكاديميين العرب الذين انشغلوا بنقد وقراءة وتدريس شعرنا العربي المعاصر لأعوام مديدة. تشهد له في هذا المجال العديد من الإصدارات المتميزة والمنشورة في عدة عواصم عربية. بالإضافة إلى مساهماته في كتب جماعية حول شعراء معاصرين، في المشرق والمغرب. وتعريفه بقمم شعرية أجنبية، نشير هنا إلى كتابيه : «في الشعر الأفريقي المعاصر .. جيل الرواد نموذجا» و»نماذج عليا من الشعر العالمي الحديث».دون أن يغيب عن بالنا مشاركته في أعمال لجان تحكيم جوائز عربية، (حقل الشعر)، خارج المغرب. ومن المعلوم أن لجان التحكيم بالنسبة لهذه الجوائز يتم اختيارهم من بين المتميزين بقدراتهم وتجربتهم وموضوعيتهم، ومن بلدان عربية مختلفة.
مبارك للمكتبة العربية بهذه الأعمال النقدية الجديدة، وهنيئا لأستاذنا الجليل الدكتور حسن الغُرفي الذي آثر، منذ عرفناه قبل سنوات، أن يقيم في عزلته الثمينة منشغلا بالقراءة، ومعاشرة النصوص الشعرية المتميزة المدهشة والكتابة عن بعض نماذجها.