« التخييل والمعرفة: من التأويليات العامة إلى التأويليات الخاصة»
في مبادرة نوعية بالجامعات العربية، اختتم مختبر التأويليات والدراسات النصية واللسانية برنامجه العلمي السنوي، بإصدار أعمال الملتقى الثاني للباحثين في مراكز دراسات الدكتوراه بالمغرب والعالم العربي في موضوع: « التخييل والمعرفة: من التأويلية العامة إلى التأويلية الخاصة»، الصادر حديثا (2020) عن مكتبة بيت الحكمة في تطوان- المغرب، والذي جاء نتيجة تعاون مع مركز دراسات الدكتوراه التابع لكلية آداب تطوان (جامعة عبد المالك السعدي)، وبالاشتراك مع ملتقى الدراسات المغربية والأندلسية (شعبة اللغة العربية وآدابها)، وفرقة البحث في المسرح ( شعبة اللغة الإنجليزية وآدابها)، ومجموعة البحث في الدراسات السينمائية والسمعية البصرية( شعبة اللغة الفرنسية وآدابها)، وتضمّن عددا من مقاربات الباحثين في مراكز الدكتوراه الذين أجيزت دراساتهم للنشر.
شعيب حليفي ناقد وروائي مغربي وأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء- جامعة الحسن الثاني، ثمّن الإصدار وأشاد به قائلا: «إنه بمثل هذا العمل الجماعي الدقيق والمنتج الذي تتكاثف فيه الجهود يمكن لجامعتنا أن تستعيد بعض عافيتها «.
أما الأستاذ مصطفى الغاشي، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان- جامعة عبد المالك السعدي، فقد عبّر عن خالص شكره لمنسق أعمال المختبر ولكافة أعضاء اللجنة العلمية، خصوصا وأنه جاء في مرحلة تشهد ظروفا صعبة نتيجة تأثيرات جائحة كورونا، حيث خصّ الإصدار بكلمة خاصة، وقال: «… بهذه المناسبة لا يسعني إلا أن أتقدم بخالص التهاني والشكر إلى الصديق العزيز الأستاذ محمد الحيرش منسق أعمال المختبر، وكذا جميع الأعضاء الذين يعملون بجهد منقطع النظير لإنجاح المبادرات العلمية للمختبر والكلية باحترافية، كما أشكر وأنوه بعمل اللجنة العلمية التي حكمت الدراسات وقامت بتقييمها رغم الظروف الصعبة التي تعرفها الجامعة المغربية نتيجة تأثيرات جائحة كورونا».
يشار إلى أن أعمال الملتقى قد أشرف على تنسيقها علميا الأستاذ محمد الحيرش الذي راكم منجزا نوعيا في مجال التأويليات العربية وعلوم النص، ممّا مكّنه من تنسيق هذه التجربة العلمية التي تميّزت بالرصانة العلمية والدقة في استيعاب موضوع الملتقى. ومن أبرز سمات هذا الإصدار أنه راهن على التركيز على قضايا محددة مثل التخييل في الشعر والرواية والمسرح، وجمعت الدراسات فيه بين النظرية والتطبيق.
ورام الإصدار الجديد النظر في العلاقة بين التخييل والمعرفة بغية تحديد الإشكالات التي وفقهما ينتظم الحوار بينهما، وصلة ذلك بالتأويل، فقد كانت العلاقة بين المجالين المذكورين منذ الإغريق موضع بحث ومساءلة، إذ بعد أن قُرن الشعر بالخيالات والظلال، وأبعد الشعراء الغنائيون من المدينة الفاضلة، وصنّف القول القائم على التجريد في أعلى مراتب الفكر شكّك في قدرة التخييل على إنتاج المعرفة، والقدرة على بلوغ الحقيقة الخالصة.
ومن يعود إلى عصر التفكير الأسطوري، سيجد أن تفكّر العالم كان يتوسل بالتخييل لا بالتجريد، وبالتجسيم المجازي لا بالتصوير المفهومي، وكان العالم يمثّل بواسطة فعل التخييل بما يقتضيه من خلق عماده اللغة والرموز والعلامات والطقوس بغية إيجاد علاقات ممكنة تنعم فيها الأشياء بالوحدة.
وفضلا عن التقديم الدالّ والمعبّر عن هذا العمل الرصين الذي نسّقه علميا الأستاذ محمد الحيرش وإداريا الأستاذ مصطفى الغاشي عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، وعكفت على تحكيمه ومتابعته لجنة علمية موسعة طوال سنة كاملة خلال ثلاث مراحل متتالية مع تقويمها وتجويدها، فقد ضم أربع عشرة دراسة باللغة العربية، وهي: مقاربة إبراهيم أزوغ بعنوان : » سؤال المعرفة النفسية في الرواية: تحويل أم إنتاج؟ إلياس خوري محاورا لسيجموند فرويد« ودراسة نادية غضبان محمد الموسومة بـ: » التفكير في الآخر استعاريا من خلال الحرب الأهلية في الرواية والسيرة«.
واختار محمد محي الدين عنوانا دالا لدراسته:» تفاعل الرواية والمعرفة ورواية التخييل العلمي نموذجا«، أما هجيرة خالدي، فقد جاءت دراستها بعنوان: السردية: التمثيل المعرفي ودينامية التخييل: »مرافئ نقدية من موسوعة عبد الله إبراهيم السردية«، وضم الكتاب دراسات أخرى مثل « الشعر والتخييل بوصفهما مدخلين منطقيين وفلسفيين لفهم العالم وتأويله» لعبد الصمد زهور، و» تأويل الشعرية العربية وبناء المعرفة الشعرية في فتنة المتخيل لمحمد لطفي اليوسفي، و «جيل دولوز قارئا لتفاعل للفاعلية التخييل المسرحي عند كارملو بيني» لجمال الدين البعزاوي. أما محسن يامون، فقد عنون دراسته بـ» التخييل الاستعاري في الخطاب الإعلامي، وعمر سعدون:» التخييل والمعرفة في التجربة التشكيلية لأحمد الشرقاوي»، و» البعد الرمزي والتخييلي في الهوية الدينية « لخالد لحميدي، و محمد عبيدة :» التخييل في النصين الديني الديني والفلسفي بين ابن سينا والفخر الرازي، أما كريم التايدي الوهابي، فقد وسم دراسته بـ» أشكال التلقي في المعرفة الدينية [ ونقد المدخل التخييلي] ابن رشد وابن تيمية نموذجا، ومحمد شعوان: « كيف أسهم علم الحروف في تفسير النصوص المقدسة عند المسلمين واليهود».
و إلى جانب هذه الدراسات المنشورة باللغة العربية، فقد ضم الإصدار خمس دراسات بلغات أجنية: (2 دراسات) باللغة الإنجليزية و (3 دراسات) باللغة الفرنسية:
– Essaid Labib: “ Le scientifique et l’arstiste ”.
– Safia Tsouli: “ L’aventure de l’imagination dans Wallenberg (Hédi Kaddour :2005) : une reconstruction ironique des événements marquants XXe du siècle ”.
– Omar Mouna : “ Cognition et imagination dans l’expérience mystique”.
– Mohamed EL MEJDKI : “ On the Translatability of Theatre : Shakespeare as a Cultural Text ”.
– Khalid Majid: “A The Moral Turn in Post-Independence Francophone Maghrebian Novel”.
ويأتي إصدار أعمال هذا الملتقى بعد نجاح الملتقى الأول الذي انعقد في أواخر يونيو 2018 حول :” التأويل والفلسفة والأدب”، وصدرت أعماله في أبريل من السنة الماضية، وقد كان حافزا في مختبر التأويليات والدراسات النصية واللسانية” للإعلان عن تنظيمه ومواصلة العمل بأفق أوسع يراعي تنوع مجالات البحث في مراكز الدكتوراه وتعددها، خصوصا وأن موضوع التخييل هو أحد الإشكالات التي يمكن أن تقارب من زواية تخصصية متعددة: فلسفية وجمالية وسردية و سيميائية بلاغية وعرفانية وغيرها، إضافة إلى أنه يقع في بؤرة اهتمام التأويليات المعاصرة بتياراتها الفلسفية والجمالية والنقدية.