إضراب الأطباء المقيمين يربك المستشفيات الجامعية ويؤجل علاج المرضى لعشرات الأيام

لم يكن أحد من المرضى الذين توجهوا إلى عدد من المستشفيات الجامعية، أول أمس الثلاثاء أو أمس الأربعاء، من أجل الخضوع لفحص طبي معين، بناء على موعد مسبق ظلوا يترقبون حلوله بفارغ الصبر، يعلمون بأنهم سيصطدمون بخبر إضراب الأطباء الداخليين والمقيمين، الأمر الذي سيتعذر معه الاطمئنان على وضعهم الصحي وتجديد وصفة الدواء أو تغييرها، أو الانتقال إلى مرحلة أخرى من العلاج، وبأنهم وأمام هذا الوضع غير المنتظر بالنسبة لهم سيعودون بخفي حنين وهم يجرون أذيال الخيبة والأسى والغضب ورائهم.
مرضى، منهم من قطع كيلومترات ليست بالهيّنة، عدد منهم من النساء، اللواتي أودعن أطفالهن عند الجيران أو أحد الأقارب، والبعض الآخر، إناثا وذكورا، تركوا حرفهم البسيطة التي يقتاتون منها، سواء بالبيع بالتجوال، أو العمل كمياومين بشكل مؤقت، أو باعتبارهم مستخدمين بسطاء، أو حتى موظفين في سلّم لا يتحرك ولا تكفيهم أجرته الشهرية لسدّ احتياجات أسرهم، الذين لا بديل لهم عن المستشفى العمومي. مواطنون علّقوا الأمل الكبير على أن يشكل ورش الحماية الاجتماعية المفتوحة جسرا لهم نحو الولوج السلس للفحص والعلاج، بعيدا عن كل الإكراهات والقيود، المادية والمعنوية، لكن سلسلة الإضرابات التي يعرفها قطاع الصحة كل وقت وحين، في أغلب أيام الأسبوع، حالت دون أن تتحقق أمانيهم في أن يكون المستشفى العمومي قاطرة للصحة في المغرب حقا؟
«ع . ف» أحد هؤلاء المرضى الذين كان عليهم أن يخضعوا لفحص يوم الثلاثاء، بإحدى مصالح مستشفى ابن رشد. عند وصوله إلى هذا المرفق الصحي وولوجه المصلحة كان المريض يعتقد بأن كل شيء سيكون على ما يرام، وبأن الموعد الجديد الذي انتظره سيتيح له الاطلاع على مآل وضعه الصحي ومعرفة إن كان قد تحسن قليلا أو أن رحلة العلاج ستدفع به نحو مسارات أخرى. هناك اصطدم «ع» بخبر الإضراب الذي يمتد لثلاثة أيام منذ أول أمس الثلاثاء وإلى غاية يومه الخميس، الذي لم يكن على علم به، كما هو حال أغلب المرضى الآخرين، بالنظر إلى أن هناك إضرابات تخوضها الشغيلة الصحية، إما بناء على دعوة من نقابات واحدة أو تنسيق نقابي، يكون خبرها معمّما إلى حدّ ما وتصل بعض من دوافعه ومدته إلى علم المواطنين من خلاله مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، وإن كان هناك من لا يكون على علم بهذا الأمر بشكل مطلق، في حين أن هناك إضرابات تتم الدعوة إليها من طرف مكّون ما، والتي تظل المعلومة المتعلقة بها حبيسة كليات الطب والصيدلة والمستشفيات، وهو ما يعني ضررا للمرتفقين على أكثر من مستوى؟
خبر الإضراب وعدم تمكين «ع» من الخدمة الطبية التي جاء لأجلها إلى المستشفى في الموعد الذي سبق تحديده له، لم يكن وحده الخبر الذي أربك حساباته، فقد زاد من صدمته كذلك الموعد الجديد الذي تم منحه إياه، بعدما تبين له أن الفحص تأجل إلى غاية العاشر من أكتوبر، وهو ما يعني بأنه يجب عليه أن ينتظر 20 يوما أخرى قبل أن يعرض نفسه على الطبيب. تأجيل للمواعيد سيؤدي بكل تأكيد بخصوص بعض الحالات المرضية إلى تفاقم الوضع الصحي لأصحابها، لكن المستشفيات المعنية وفي ظل هذه الإكراهات تجد نفسها عاجزة عن تلبية كل الاحتياجات الصحية لجميع المرضى، وتضطر للعمل بمنطق الاستعجال، وفقا لتصريح مصدر طبي، وتدبير الإكراهات المتعددة، التي تشكّل في شموليتها تحدّيا للصحة العمومية، التي باتت معتلة وتنتظر سياسات صحية حقيقية، تصالح المواطن مع المستشفى العمومي بشكل عام.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 24/10/2024