وجد أصحاب المحلات التجارية بالمحطة الطرقية أولاد زيان أنفسهم أمام وضع لم يفهموا منه شيئًا. فقبل نهاية الأسبوع الأخير، تم إغلاق الأبواب الثلاثة الرئيسية للمحطة، حيث فُرض على المسافرين الراغبين في التنقل إلى مدن أخرى أن يلجوا من الباب الكبير المخصص لدخول وخروج الحافلات. لكن بمجرد دخولهم من هناك، يمنعهم الحراس من الوصول إلى المركز التجاري للمرفق، الذي يضم أزيد من 70 محلًا، حتى إن رغبوا في اقتناء أي شيء كالأكل أو الماء. أما التجار الذين وجدوا أنفسهم في عزلة تامة، فلم يتلقوا من المسؤولين أي جواب يوضح ما يحصل.
معلوم أن سلطات الدار البيضاء قررت منذ مدة إعادة تأهيل هذه المحطة بغية الرقي بها إلى مستوى يليق بمدينة تستعد لاستقبال تظاهرة كأس العالم 2030. لكن المشكلة أن المحطة تعيش على وقع تدبير أقل ما يمكن أن يُقال عنه إنه عشوائي. فالتجار كان لهم تعاقد مع شركة “الرضا”، التي فازت بصفقة تدبير المحطة منذ سنة 1999، غير أنهم سيكتشفون لاحقًا أن الجماعة، ومعها الشركة، لا يتوفران على أي مقرر جماعي يمنحهما الحق في استخلاص مبالغ الكراء منهم، فبدؤوا يطالبون بهذا المقرر.
هنا بدأت المشاكل مع الشركة المدبرة، التي كانت تستفيد من عملية التدبير مقابل 600 مليون سنتيم لفائدة الجماعة. فلجأت إلى القضاء لاستخلاص الإكراء عبر المحكمة، ثم انسلت من المشهد، ليظل تدبير المحطة معلقا. وقد منحت جماعة الدار البيضاء هذه المهمة لاحقا لشركة التنمية المحلية “الدار البيضاء للنقل”، التي وجدت نفسها في مواجهة مع التجار الذين يطالبون بالتسوية القانونية، المرتكزة أساسا على ضرورة وجود مقرر جماعي.
وقد مكثت هذه الشركة هناك لأشهر قليلة فقط، ثم انسحبت بدورها، بحكم أن الجماعة أخلّت بالتزامها المفترض، وهو أن تتسلم المحطة خالية كما وضعتها سابقا رهن إشارة شركة “الرضا” في سنة 1999. غير أن الجماعة لم تتابع تلك الشركة قانونيا، ولم تضعها أمام مسؤولياتها، ما يطرح علامات استفهام عريضة.
بعد انسحاب “الدار البيضاء للنقل”، ستتولى الجماعة تدبير المرفق بشكل مباشر، لكن المشكل ظل قائما مع التجار الذين يملكون سجلات تجارية تابعة لتلك المحلات. ومباشرة بعد تسلمها مقاليد التدبير، لجأت الجماعة إلى المحكمة بمسطرة “طرد محتل”، ولا يزال الملف رائجا أمام القضاء.
بعد هذا، بدأ الحديث عن إعادة تأهيل المحطة، وتم الترويج لفكرة أنها ستتغير معالمها، وأن عدد المحلات التجارية سيتقلص، وستُعهد إلى شركات تجارية كبرى. هنا بدأ التجار يبحثون عن مصيرهم، فمرة تطالبهم السلطات بالإخلاء، ومرة يُلمّح إلى أن الجماعة ستمنحهم محلات بديلة. بل إن رئيسة مجلس المدينة، نبيلة الرميلي، كانت قد صرحت في إحدى خرجاتها الإعلامية بأن الجماعة ستتعامل مع التجار وفق مبدأ “لا ضرر ولا ضرار”، وهو ما فُهم منه أن هناك تسوية مستقبلية منصفة في الأفق.
لكن تلك التسوية لم يظهر لها أثر، وظل التجار يطرقون الأبواب بحثا عن جواب شاف، دون أن يتلقوا أي رد. حتى إنهم راسلوا رئيسة الجماعة لطلب لقاء معها لإيجاد صيغة توافقية، إلا أن طلبهم لم يُجب، ليتفاجأوا مؤخرا بإغلاق الأبواب المؤدية إليهم، ومنع المسافرين من ولوج محلاتهم.
كانت هناك بعض المقترحات غير الرسمية بخصوص وضعيتهم، من قبيل أن يتسلموا محلات خارج المحطة، لكن هذا المقترح لم تؤكده أي جهة رسمية، لتظل وضعيتهم عالقة، في ظل غياب أي مخاطب.
وفي الحقيقة، لا يجب أن نغلف موضوع المحطة الطرقية بعبارة “إعادة التأهيل” وكفى، فإعادة التأهيل واجبة، نعم، لكننا أمام مرفق خصص له المجلس الأعلى للحسابات صفحات ثقيلة مليئة بالحبر الأحمر، المسطر على الاختلالات التي شابت تدبيره.
منذ البداية، دق التجار ناقوس الخطر بعد اكتشافهم أن الجماعة لا تتوفر على مقرر جبائي يخص المحطة، فكيف كانت تسمح للشركة المدبرة باستخلاص الإتاوات والإكراء من المرتفقين؟ ثم إن المحطة تدخل في إطار أرض “هبة” لم تُحفظ من قبل الجماعة، وما زال وضعها القانوني غامضا إلى اليوم.
كيف للجماعة أن تتسلم المحطة من الشركة التي كانت تديرها دون احترام دفتر التحملات، الذي ينص في أحد بنوده على أن تُسترجع كما تم تسليمها، دون إضافات أو تغييرات؟ علما أن الشركة حوّلت المرفق إلى ما يشبه “قيسارية جديدة”، دون أن يرف جفن مجلس المدينة.
ثم، هل أدّت الشركة ما كان يجب أن تُدخله سنويا إلى خزينة الجماعة من صفقة التدبير، أي مبلغ 600 مليون سنتيم؟ لا أحد يجيب.
لذلك، وجب فتح تحقيق شامل ومرافق لعملية إعادة تأهيل المحطة، لأننا بصدد أموال عمومية يجب معرفة مآلها.
أما بخصوص التجار، فعلى الجماعة أن تفي بوعودها، من خلال البحث عن حل لا يضر بهذه الفئة، ولا يضر بمصالح المدينة.