إلى متى تظل علاقة السينما بالتربية مشوبة بالخجل؟

من المؤكد أن قضية علاقة الصورة والسينما ومحتويات الفيديو المتناثرة هنا وهناك لابد أن تكون حتمية تربوية وأولوية الأولويات في التخطيط والهندسة التنموية بالنسبة للمدرسة المغربية مادام الجميع يعي انعكاسات توظيف الصورة وتأثيرها البالغ على شبابنا وعلى مستقبل الوطن ككل .
إن ربط السينما كنتاج سمعي بصري بالمنظومة التربوية من قبل العديد من التجارب في قطاع التربية والتكوين تعتبر خطوة ذات طبيعة تنموية ومطلب استعجالي بامتياز . ليس لأنها من صميم انشغالات الأسرة والمجتمع فحسب ، بل وملزمة كذلك للإرادة السياسية للفاعلين والساهرين على أن تكون السينما ترسيخ نبيل لثقافة الصورة التربوية وفلسفة ناجعة لإدماج الفرد بمحيطه السوسيو ثقافي، في أفق جعله عضوا فعالا منتجا في المجتمع. لذلك بات التفكير في خلق جسور متفاعلة بين السينما والمدرسة المغربية بكامل مكوناتها ضرورة حتمية الآن وليس غدا. قد لا يسمح الوقت بالتخاذل في تعميم وترسيخ ثقافة التعامل الجدي والعقلاني مع الصورة ووسائل الإعلام داخل الفصول والأقسام الدراسية .
ولأن الصورة سواء أكانت متحركة أو ثابتة ما هي إلا تعبير فني وجمالي له أسسه و قواعده الفنية ( الكادراج ، الضوء ، اللقطة التركيب المونتاج فإن الهدف الأساسي من كل هذه القواعد حسب المخرج كريم عصارة هو تقريب العالم المرئي للمتعلم كتعبير جديد حتى تصبح الكاميرا رديفة للكتاب . من هنا تعمل السينما التربوية دوما على الترويج لثقافة الصورة وتقريب الثقافة السينمائية من المؤسسات التربوية سواء عبر تنظيم قوافل سينمائية تجوب المناطق القريبة والبعيدة من أجل عرض الأفلام التربوية المتوجة في هذا المحافل والمهرجانات الموضوعاتية حتى تشمل أكبر عدد من المتعلمين وخصوصا في المؤسسات التربوية التي تنتمي إلى العالم القروي . كما أن دعم مأسسة الأندية يمنح الأمل في إقامة أندية سينمائية داخل المؤسسات التربوية والتي تدخل في إطار أنشطة التفتح الموازية التي توصي بها السياسة التربوية في المغرب. منها ورشات للقراءة الفيلمية وكتابة السيناريو وكذا تكوينات في تقنيات المونتاج ومبادئ الإخراج إضافة إلى ورشات في القراءة السيميائية للصورة وأبعادها وكذا ورشات تكوين الممثل بالإضافة إلى ورشات أخرى متميزة تأخذ بعين الاعتبار الطرح الديداكتيكي في تمكين التلاميذ من المعارف السينمائية .
من هذا المنطلق يلامس فيلم «ليلى» لمخرجه كريم عصارة أستاذ مادة الصورة والصوت بمركز التفتح الفني سيدي محمد بن يوسف بفاس ، بذكاء، نظرة الأسر المغربية ومقاربتها لهوايات ومواهب أبنائها في فترات محددة من عمرهم . نظرة تراوح بين التربية المتوازنة، وترسبات الثقافة النمطية السائدة. فهذه المواهب والهوايات التي تطفو على سطح حياة الشباب فجأة قد تنمو وتتطور في حال الرعاية والمواكبة والاهتمام ، بينما تولد ميتة في حال الإهمال والتغاضي بدوافع ومبررات سيكولوجية وثقافية غير دقيقة، مثل الإلهاء عن التحصيل الدراسي الفصلي مثلا . ويبرز الشريط على مدى 13.49د حالات اجتماعية على شكل هوايات ومواهب طفولية، لا تلقى ترحيبا من قبل أولياء أسر التلاميذ ، من بينها على سبيل الحصر ذريعة أن هذه الهوايات تلهيهم عن الدراسة الفعلية، وتساهم في تقليص منسوب التحصيل والأداء المدرسي . كما يطرح أسبابا اجتماعية مختلفة وأنماط ثقافية أخرى ترسخت لديها فكرة رفض الفن بشكل عام، وبعض أنواع الفنون أو المجالات العلمية باعتبارها لا تناسب الثقافة الاجتماعية السائدة لكنه ينتصر في النهاية للتربية المتوازنة المخصبة للوعي والإنضاج الذاتي كامل الحداثة والواقعية .
ويبرز الفيلم من خلال حالة البطلة «ليلى «أن حرمان الطفولة مواهبها من قبل الأسرة أو المدرسة قد تعطل نموها، تمحى هذه الموهبة و تضمحل مع كبتها وعدم تنميتها من قبل الأسرة أو المدرسة، وفي بعض الأحيان تنعكس سلبا على الحالة النفسية للشباب .
فيلم» ليلى» من بطولة الممثل القدير محمد توفيق لمعلم وتلامذة مؤسسة التفتح الفني شعبة الصورة والصوت : محمد بنيوسف بفاس، سلمى كزنايي دعاء السطي يحيى أباحي حميدة العسولي، فكرة التلميذ أمين العامري سيناريو وحوار محمد ابن المليح بمشاركة أساتذة وتلاميذ المركب الثقافي والتربوي سيدي محمد بن يوسف وإنتاج المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بفاس بشراكة مع المركز الدولي للتدريب وتطوير المهارات بفاس.
ويتضمن روبيرتوار الأستاذ والمخرج كريم عصارة 6 أفلام أولها
1 «تضحية أب» (الحاصل على المرتبة الأولى على صعيد مديرية فاس ).
2 «الأمل» ( الفائز بالمرتبة الأولى من ألمانيا في مسابقة كرونا في زمن التحولات المنظمة من طرف معهد دراما بلا حدود الدولي بألمانيا والهيئة العربية للمسرح بدولة الإمارات العربية المتحدة ).
3 «رسالة « الحاصل على تنويه لجنة التحكيم بمهرجان العودة السينمائي الدولي بفلسطين.
4 «هاشتاج» الفائز بجائزة أفضل فيلم تربوي توجيهي في مهرجان الدار البيضاء الدولي للفيلم الروائي القصير في نسخته الرابعة، وتنويه من مهرجان سينيمانا بسلطنة عمان وتم عرضه في مجموعة من الدول كندا فرنسا مصر العراق سوريا تونس رومانيا .
5 «فلاكا» تنويه من مهرجان les écrans noirs بالكاميرون، تنويه من مهرجان هوارة الدولي، تنويه من مهرجان الدشيرة السينمائي الدولي.
6 «ليلى» مشارك في مجموعة من المهرجانات الدولية،المهرجان المصري الأمريكي للسينما بنيويوك، المهرجان السينمائي الأورو إفريقي، مهرجان سيدي رحال الشاطئ، مهرجان ميدلت، ومجموعة من المهرجانات بالجزائر مصر والمغرب.
ويرى الأستاذ كريم عصارة أن التربية على الصورة بالبيت أو داخل أسوار المؤسسات التعليمية هي الشرط الوحيد لمحاربة التلوث البصري والإعلامي الذي نعيشه اليوم. كما تعتبر أنجع طريقة لتحصين الشباب وضمان شيء من التوازن الثقافي والنفسي لهم. كما يتحتم علينا كمنظومة تربوية الاستفادة من التكنولوجيا السمعية البصرية وتسخيرها للتعليم والتعلم وتكوين المواطن المنسجم مع محيطه الثقافي والاجتماعي، فلا خير في سينما لا تساهم في النمو الثقافي والاجتماعي ولا خير في مدرسة لا تعير الاهتمام بكل الوسائل الحديثة ذات المردودية التربوية.»
ويسعى فيلم «ليلى» إلى ضرورة تكريس إدراج «السينما المدرسية» بكل مؤسسات التكوين والتعليم، وفسح المجال أمام الطلبة وتلاميذ المدرسة المغربية بمختلف أسلاكها قصد الإبداع السينمائي .


الكاتب : عزيز باكوش

  

بتاريخ : 07/07/2022