إلياس خوري يغادر «باب الشمس» .. رحل وترك «أولاد الغيتو» ينتظرون «نجمة البحر»

 

فقدت الساحة الأدبية العربية والفلسطينية الروائي والمفكر والكاتب إلياس خوري عن عمر يناهز (76) عاما بعد صراع مع المرض لأكثر من سنتين. وبرحيله تفقد القضية الفلسطينية واحداً من أهم أنصارها، ويفقد الأدب العربي أحد أهم أعمدته المعاصرين
في الفكر والكتابة والالتزام بالقضايا العربية القومية المصيرية.
لقد شكلت القضية الفلسطينية هاجسا يوميا للراحل واحتلت حيزا كبيرا في أعماله، إذ لا يمكن أن نذكر فلسطين في الأدب من دون التوقف عند رائعة الياس خوري «باب الشمس» التي تضمنت إعادة سرد ملحمية لحياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان منذ نزوح الفلسطينيين عام 1948، وتناولت أيضاً أفكار الذاكرة والحقيقة ورواية القصص، وقد أُنتجت كفيلم سينمائي يحمل نفس الاسم للمخرج المصري يسري نصر الله في 2002.
ومن ثم ثلاثية «أولاد الغيتو» التي جاءت بعدها بسنوات لتستكمل هذا التأريخ لهويةٍ لا يمكن أن تُمحى مهما حاول المحتلون.
قبل التحاقه بجريدة النهار اللبنانية التي ظل يكتب على أعمدتها حتى الأسابيع الأخيرة من حياته، رغم دخوله المستشفى ومعاناته مع المرض، انضمّ إلى مجلة مواقف عام 1972، وأصبح عضوا في هيئة التحرير، وخلال الفترة من 1975 إلى 1979 ترأس تحرير مجلة «شؤون فلسطينية» بالتعاون مع محمود درويش، وعمل محررا لسلسلة «ذكريات الشعب» الصادرة عن مؤسسة البحوث العربية في بيروت بين عامي 1980 و1985، وكان مدير تحرير مجلة «الكرمل» من 1981 إلى 1982، ومدير تحرير القسم الثقافي في صحيفة «السفير» من 1983 إلى 1990، وتولى إدارة مسرح بيروت من 1992 إلى 1998، ومدير مشارك في مهرجان أيلول للفنون المعاصرة.
شغل أيضا منصب رئيس تحرير «مجلة الدراسات الفلسطينية». وحاز في عام 2011 وسام جوقة الشرف الإسباني من رتبة كومندور، وهو أعلى وسام يمنحه الملك خوان كارلوس، تكريماً لمساره الأدبي؛ وفاز بجائزة اليونسكو للثقافة العربية لعام 2011 تقديراً للجهود التي بذلها في نشر الثقافة العربية وتعريف العالم بها. كما فاز خوري بجائزة محمود درويش للإبداع والثقافة في دورتها السابعة عام 2016، والتي جاءت تقديراً لمساهمته الفكرية والأدبية، وإنتاجه الكبير والمتنوع في مختلف الحقول الأدبية، لا سيما في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وتاريخها النضالي
في وداعه كتب الشاعر والمترجم المغربي محمد الشركي:
اجتزتَ «باب الشمس» نحو «مجمع الأسرار» حيث تنكشف لـ»أولاد الغيتو» أخيراً «نجمة البحر»، وحيث ترتقي «الوجوه البيضاء» معارج التي تبدو «كأنها نائمة» وصولاً إلى الأرض الكنعانية التي منها استنبتت معظم الشخوص الفلسطينية لأعمالك .سيظل منقوشا في عمق ذاكرتي أنك كنت تواقا لنشر ترجمتي لرواية «المجرى الثابت» لعزيزنا الراحل إدمون عمران المالح حين كنت مشرفا على سلسلة «ذاكرة الشعوب» التي أطلقتها مؤسسة الأبحاث العربية، لولا أن ندرة الورق جراء أهوال الحرب الأهلية اللبنانية المشتعلة آنذاك حالت دون ذلك. كما سيظل وهّاجاً في دواخلي تواصلُنا العميق ذات ندوة عربية بمكناس حين حضرنا معاً، في سياقها، الأمسية الشعرية التي ألقى خلالها الشاعر الراحل محمود درويش قصيدته الملحمية «مديح الظل العالي»، وسألتك خلال الاستراحة :»أما تزال في بيروت؟» فأجبتني :»أجل»، ثم أضفت باسماً :»نعني طبعا بيروت بفتح التاء لأنها ممنوعة من الصرف»، فرددت عليك :»أنا أيضا لا أجرّها يا إلياس»، فوضعت يدك على كتفي وقلت لي ضاحكا : «يا أخي جرّها الله يخلّيك أحسن ما يجرّوها الصهاينة». وداعاً إلياس. لقد علّمنا صديقنا عمران أن الكاتب لا يموت، بل فقط يعود إلى الليل المحروس بالكلمات الذي منه جاء».
الصحفي والكاتب الفلسطيني إبراهيم جابر إبراهيم كتب وهو ينعي صديقه الراحل:
«مات إلياس خوري. مات متأخراً قليلاً. فوجوده في السنوات الأخيرة كان يُشكّل عبئاً أخلاقياً على عالم تخلَّص بمهارةٍ من الأخلاق.
رجل من زمن ياسر عرفات ومحمود درويش وفدائيي الفاكهاني ومجلة الكرمل . من زمان كان كل شيء فيه يبدو بسيطاً وينتهي ملحمياً.
كان وجود الرجل عبئاً رومانسياً على القضية التي تريد في زمانها هذا أن تنسى صورها القديمة وأغانيها وغوايتها وشبابها.
مَن يريدُ أن يرى ظِلاً يمشي في الشارع بلا صاحبه ؟.
الشاعر والناقد المغربي إبراهيم الكرواي كتب أن «وفاة الروائي إلياس الخوري ستخلف فراغا مرعبا في سماء الكتابة الروائية العربية .يكاد الخوري يكون الروائي العربي الوحيد الذي يكتب بأساليب روائية مختلفة • كل رواية توقظ سؤال الكتابة والواقع بطريقة وصيغة مختلفة.. وكل رواية تقدم سردية جمالية تقربك من الرواية الكونية . يكاد الخوري أيضا ينفرد بهوية روائية عربية تؤسس الاختلاف « مملكة الغرباء « ورواية «» اولاد الغيتو» «باب الشمس «…علامات فارقة في الرواية العربية والكونية … ولا ننسى دور الخوري في ترسيخ حداثة الكتابة الشعرية إبان الستينات وتأسيس كتابة جديدة من خلال مساهمته في مجلتي «شعر» و»مواقف» …إلياس الخوري يكتب بصمت لا يتكلم كثيرا إلا في عموده بجريدة القدس العربي ؛ و نصوصه الروائية المفاجئة والتي تحمل معالم التعدد؛ و إيقاظ أسئلة الواقع العربي المؤلم والفلسطيني على الخصوص؛ ربما كان موته في زمن السؤال الفلسطيني دالا ومفجعا …حين تواصلت معه منذ سنوات خلت كان الرجل قليل الكلام لكنه عميق المعنى يعتني بكلماته التي تطير في حدائق لغته مثل فراشات تلقح ازهار الواقع ..وداعا صديقنا الروائي الكبير إلياس خوري أنت لم تمت بل لأيقظت فينا روحك إلى الأبد من خلال هذا العالم الروائي المسكون بالجمال والألم..»


الكاتب : المحرر الثقافي

  

بتاريخ : 19/09/2024