نشرت صحيفة «إندبندنت» تقريرا لمراسلها في الشرق الأوسط باتريك كوكبيرن من أربيل، يكشف فيه تفاصيل عملية هروب زعيم تنظيم الدولة أبي بكر البغدادي، الذي أعلن نفسه خليفة، من مدينة الموصل العراقية المحاصرة.
ويقول الكاتب إن البغدادي هرب من حصار الموصل قبل شهرين، عندما تم فتح الطريق باتجاه الغرب مؤقتا؛ بسبب الهجمات الشرسة التي شنها مقاتلو تنظيم الدولة، بحسب مسؤول كردي كبير.
وينقل التقرير، عن فؤاد حسين، رئيس طاقم حاكم كردستان مسعود بارزاني، قوله في مقابلة مع «إندبندنت»: «استخدم تنظيم الدولة 17 سيارة مفخخة وبعض وحداته من سوريا لفتح الطريق المؤدي إلى الموصل لعد ساعات»، وأضاف أنه يعتقد، كغيره من المسؤولين الأكراد، بأن تنظيم الدولة لن يقوم بعملية بهذه التفاصيل ويخسر خسائر فادحة إلا لإخراج البغدادي إلى بر الأمان.
ويكشف كوكبيرن عن أن الهروب حصل بعد سقوط شرق الموصل، وقبل أن تبدأ قوات الأمن العراقية هجومها النهائي على غرب الموصل في 19 فبراير، ويقول حسين إن تنظيم الدولة «أتى بـ300 من مقاتليه من سوريا، وكان القتال عنيفا»، مشيرا إلى أن طريق الهروب الوحيدة من الموصل هي إلى الغرب، حيث كان يسيطر الحشد الشعبي على هذه الطريق، واضطرت قوات الحشد للتراجع؛ لأن التنظيم سيطر على الطريق بشكل مؤقت.
ويقول حسين للصحيفة: «أنا أعتقد أنهم قاموا بتحرير البغدادي»، وأضاف أن الوحدة التي أتت من سوريا عادت إليها مباشرة، وأظهرت متابعات الاتصالات اللاسلكية لهم بأنهم كانوا فرحين بالنتائج، وأصبح البغدادي، الذي تسلم قيادة التنظيم عام 2010، هو القائد الرمز، وقادها إلى سلسلة من الانتصارات المذهلة، بما في ذلك احتلال الموصل عام 2014، لافتا إلى أن مقتله أو اعتقاله سيشكل صفعة أخرى للتنظيم، الذي خسر كثيرا من الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا.
ويورد التقرير أن حسين يتوقع بقاء تنظيم الدولة بعد سقوط الموصل، حيث لا يزال مقاتلوه يسيطرون على المدينة القديمة، التي يقطنها 400 ألف نسمة بحسب الأمم المتحدة، وقال: «لا أظن أن التنظيم سيستطيع البقاء بصفته دولة»، وأضاف أنه يتوقع أن يعود التنظيم إلى منظمة تقاتل حرب عصابات، لكن دون الموارد التي كانت متوفرة له، مستدركا بأنه بالرغم من التراجع، فإنه لا تزال للتنظيم ملاذات في مختلف أنحاء سوريا والعراق، حيث سيحاول تجديد نفسه.
ويرى الكاتب أن المشكلة في العراق هي غياب خطة سياسية لمشاركة السلطة، أو لإدارة المناطق بعد سقوط الموصل وهزيمة تنظيم الدولة، حيث يقول حسين إنه من المتوقع زيارة مستشار الرئيس ترامب وزوج ابنته جارد كوشنر الثلاثاء إلى أربيل؛ ليرى وضع الحملة ضد تنظيم الدولة بنفسه.
وتشير الصحيفة إلى أن كوشنر وصل إلى بغداد يوم الاثنين، مرافقا لرئيس هيئة الأركان المشتركة جوزيف دانفورد، وقابل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي.
ويعلق كوكبيرن قائلا: «عندما يصل كوشنر إلى أربيل سيجد وضعا معقدا جدا، حتى بمقاييس السياسة العراقية، ويطرح هذا الوضع أسئلة قد تكون غير قابلة للحل، وعندما بدأ الهجوم ضد تنظيم الدولة في 17 تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، فإنه جاء بعد اتفاقية عسكرية بين حكومة إقليم كردستان العراق والحكومة العراقية المركزية، حيث تؤدي البشمركة الكردية دورا عسكريا محدودا شرق سهول نينوى، التي تقع شرق الموصل، لكن ليست هناك أي اتفاقيات سياسية حول كيف يمكن توفير الأمن على المدى الطويل في منطقة متعددة الأحزاب والمليشيات والطوائف والتجمعات الاثنية التي تعيش في الموصل وحولها».
وينقل التقرير عن حسين، قوله إنه لم تطرح خطة سياسية لما بعد تنظيم الدولة في الموصل العام الماضي؛ لأنها كانت ستثير خلافات كانت ربما تمنع الحملة العسكرية ضد التنظيم، منوها إلى أنه ليس من الواضح من سيستلم السلطة في الموصل على المدى الطويل، وماذا سيحصل للأكراد والمسيحيين الذين طردوا من الموصل.
وتلفت الصحيفة إلى أنه على مرمى حجر عبر سهل نينوى يكشف مدى التنافس السياسي والطائفي، الذي يمنع العودة إلى أي شكل من أشكال الحياة الطبيعية، حيث ليس هناك أي أثر للجيش العراقي، ويدير معظم الحواجز رجال مليشيا الحشد الشعبي، التي تجند أفرادا من الأقلية الشيعية الكردية، التي يطلق عليها الشبك.
وينوه التقرير إلى أن السكان السنة في الموصل عانوا من حصار دام ستة أشهر، الذي لم ينته بعد، وهو يدمر جزءا كبيرا من المدينة، ويقول حسين إن ذلك كان خطأ كبيرا في التخطيط لعملية الموصل، حيث كان من المتوقع هزيمة تنظيم الدولة بسرعة، كما كان من المتوقع أن يثور الناس على التنظيم، ويضيف حسين: «كانت هناك قناعة في بغداد بأنه ستندلع انتفاضة ضد تنظيم الدولة»، وأدت تلك القناعة المتفائلة، والثقة الزائدة في السرعة التي يمكن فيها هزيمة تنظيم الدولة، إلى أن قالت الحكومة للناس في المدينة أن يلزموا بيوتهم، وهو خطأ أدى إلى خسائر فادحة في أرواح السكان.
وبحسب الكاتب، فإن حسين لا يشك في أن تنظيم الدولة سيهزم في النتيجة في الموصل، لكنه يقول إنه ما لم يكن هناك اتفاق على الخطوة التي تلي ذلك، فإن عقلية الحرب هي التي ستسود، وسيحاول الكل أن يحافظ على الأراضي التي يسيطر عليها، لافتا إلى أنه من خلال التجول في شرق الموصل يلاحظ الشخص عدم وجود الشرطة المحلية، أو أي قوة أمن أخرى، لتحل مكان وحدات القوات الخاصة، مثل وحدات مكافحة الإرهاب التي انتقلت إلى غرب الموصل لتحارب تنظيم الدولة.
وتذكر الصحيفة أن انعدام الأمن في السهول المحيطة بالموصل أكبر، حيث تبقى بلدات وقرى تمت استعادتها من تنظيم الدولة مهجورة، فبلدة قرقوش المسيحية مثلا لا تزال خالية ودون كهرباء وماء.
وينقل التقرير عن الزعيم المسيحي المحلي يوحنا طوايا، قوله بأن مجتمعه «لن يعود ما لم يحصل على ضمانات بالحماية من حكومتي بغداد وإقليم كردستان العراق»، وأضاف أن عائلتين أو ثلاثا من العائلات المسيحية تغادر كل يوم إقليم كردستان العراق، متجهة إلى لبنان أو أستراليا.
وتختم «إندبندنت» تقريرها بالإشارة إلى أنه في كل مكان هناك مليشيات يمولها أسياد مختلفون، تدعي أحقيتها في السلطة والمال والأرض، وهو ما يفاقم انعدام الثقة بين مختلف المجتمعات في شمال العراق.