إيطاليا ترفع السرية عن رحلة علمية تتعلق بالمغرب ماقبل الاستعمار(1882م)

تمكن الباحث أحمد الناهي (محافظ مكتبة بني خلوك، باحث في التاريخ ومترجم)، من إماطة اللثام عن وثائق بمكتبة روما، «مبنى روما «، تتضمن تقارير وخرائط وتوثيقا لعادات السكان والقبائل منها «قبيلة بني مسكين»، وقد كانت هذه البعثة العلمية غير معروفة في المونوغرافيات والبحوث التاريخية، ولم يشر إليها في أي مرجع، ويعود الفضل لأستاذين من منطقة بني مسكين، عبد الله اميدي وأحمد ناهي، في الكشف عن هذه البعثة المتكونة من ضباط استخبارات وعلماء جاؤوا إلى المغرب لدراسة أوضاع سكانه، وقد استطاع الدكتور طه بناجح الحصول بإيطاليا على هذه الوثائق من مقر الثكنة «مبنى روما» في هذه السنة.
ووقف الباحث والمترجم عند معطيات جديدة في الكتابات الأجنبية، حيث استطاع أبناء المنطقة الوصول إلى وثائق بالكاد رفعت عنها السرية هذه السنة لتعيد لنا بناء رؤية لم يكن من المتوقع الوصول إليها، وقد كان البحث في الأصل ترجمة لكتاب” بول طوريس” في وصف منطقة البروج وعبر تتبع الإحالات في الكتاب قام الباحثون، أبناء المنطقة، بمجهود كبير جدا، وذلك بتتبع مصادر المعطيات التي بني عليها الكتاب ليكشفوا لنا عن مراحل هامة من اهتمام الإيطاليين «المبكر» بالمغرب، وعلى وجه الخصوص منطقة بني مسكين .
هذا النقاش أثير بمختبر المغرب والعالم الخارجي التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بن مسيك، « جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء»، خلال لقاء أطره خالد السرتي، مدير المختبر وأستاذ مختص في العصر الوسيط بكلية بنمسيك، وذلك يوم الجمعة 25 مارس 2022، برحاب قاعة شعبة التاريخ بالكلية، لفائدة طلبة ماستر تاريخ العلاقات الدولية والمغرب وطلبة سلك الدكتوراه .
خلال هذا النقاش بين الباحث أحمد الناهي أهمية الأرشيف وطرق الوصول إليه ومتابعة البحوث العلمية وضرورة الاطلاع اليومي على الدراسات والمنشورات العلمية التاريخية، باعتبار أن البحث هو رسالة سامية تتطلب التضحية والعطاء مركزا على مجالين هامين في التراث» المادي واللامادي»، وعبر رحلة البحث تابع الطلبة الباحثون، بتشويق، نضال من حملوا مشعل الدفاع عن الثقافة والبحث وتضحياتهم، وتميزت مداخلة أحمد الناهي بتقديم شهادات في حق عدة أسماء وازنة على المستوى الوطني احتضنت هذه المجالات البحثية، ثم عرج على تجربة ترجمة كتاب «بول طوريس»، التي لم تكن عملية ترجمة للمتن بقدر ما كانت ورشا بحثيا في كل تفاصيل هذا الكتاب الهام، الذي وقف فيه أحمد الناهي وعبد الله أميدي على مجمل إحالات «بول طوريس» محاولا التدقيق فيها وإعادة رسم خطوات بحث طويل.

بني مسكين والفوسفاط الصراع الإيطالي الفرنسي على الثروة :

ومن المثير أيضا أن فرنسا كانت تسعى بعد الحماية إلى استغلال هذه الثروة بالمنطقة، وقد راهن «الجنرال ليوطي» على استغلال هذه المادة، لكنه اصطدم بالإيطاليين حيث وصل الملف إلى ردهات المحاكم وحكمت لاهاي لصالح فرنسا حتى عام 1934 م، الأمر الذي دفع الفرنسيين إلى تغيير الوجهة مبكرا لمنطقة خريبكة، ومن المعلوم أن فرنسا دخلت منطقة الشاوية بعد صراع مرير مع قبائل الشاوية 1907 م.
مواجهة عسكرية غير متكافئة كادت أن تتحول لانتفاضة على الصعيد الوطني لولا استعمال الجنرال» داماند» لسياسة الأرض المحروقة وقنبلة مدينة الدارالبيضاء بعد عجز الجيش الفرنسي عن مواجهة قوة فرسان الشاوية، حيث عملوا على قتل الأطفال والشيوخ في مجمل محيط الدارالبيضاء لغاية سطات ومنطقة بن احمد .
اكتسى هذا اللقاء أهمية كبرى من خلال منهجية الترجمة التي لا تقوم فقط عن طريق التمكن من اللغات بالرغم من أن هذه الأخيرة شرط أساسي، ولكن أيضا على ضرورة الوقوف على الإحالات والهوامش، من خلال البحث فيها ومعالجتها بإضفاء الصبغة الابستيمية عليها، والوقوف في الاصطلاح والمفهوم والمتن ثم تتبع خطوات الباحث الأصلي وإعادة ترتيب سيناريو يتمحور حول طريقة الحصول على المعلومات، أي القيام بنفس مساره وتنقلاته، وهذا المعطى مهم للغاية.
ولم يفت الباحث التأكيد على أهمية الأرشيف وطرق الوصول إليه ومتابعة البحوث العلمية وضرورة الإطلاع اليومي على الدراسات والمنشورات العلمية التاريخية، وقد وقف الباحث عند عناوين الكتابات التي توجد بحوزة المكتبة «مكتبة بني خلوك « دائرة البروج، والتي تستدعي من الطلبة العمل على مقاربتها وترجمتها والوقوف على أهميتها، باختلاف سياقاتها التاريخية وظروف كتابتها، وأيضا دراسة تجمع بين ضبط خرائط القبائل وأصولها والحقب التي مرت على الشاوية وتامسنا قبلا، والمعطيات الديموغرافية والمجالية، وتكمن أهمية ذلك في معرفة المعطيات التاريخية ليس بقصد نشرها،فقط، بل لكون ذلك يعتبر ورشا يستشرف المستقبل بربط المعطيات العلمية لتوظيفها في مجال التنمية الثقافية والاجتماعية .
وفي أعقاب هذه المداخلة أعطيت الكلمة لطلبة الدكتوراه والماستر حيث تدخل العديد منهم عبر تساؤلات وإضافات واختتم اللقاء الأستاذ السرتي الذي شكر مرة أخرى الأستاذ أحمد محفزا الطلبة على ضرورة البحث والتنقيب في الوثائق والكتابات الأجنبية وضبط لغاتها لأن اللغة مهمة لأي باحث في التاريخ.
وسيكون صدور كتاب «بول طوريس» في نسخته العربية على يد الباحثين عبد الله اميدي واحمد ناهي، بلا شك، إضافة نوعية لمقاربة الأجانب لواقع المغرب في القرنين 19 و20 م .


الكاتب : محمد أمين شنقيطي

  

بتاريخ : 31/03/2022