كانت الساعة تشير إلى العاشرة والنصف من صباح يوم الخميس 22 يوليوز 2021، حيث قررنا التوجه إلى أحد مستشفيات العاصمة الاقتصادية، للوقوف على وضعية المستعجلات، إن كانت طبيعية أم أنها تسابق الزمن لتقديم العلاجات لمن هم في حاجة إليها، ومعرفة طبيعة الطلبات الصحية التي يرفعها المرضى والأشخاص الذين توافدوا عليها، فكانت المفاجأة غير السارة بتاتا والتي لا يمكن تسميتها إلا بالصدمة!
ضرب وجرح وكوفيد
ولجنا بوابة المستشفى التي كان مشهدها من الخارج عاديا ولا يوحي بأن ما في الداخل هو مختلف تماما، لكن ما أن وصلنا إلى مصلحة المستعجلات، حتى صدمنا بأعداد المرضى الذين تكدسوا أمام بوابتها وبداخل أروقتها. أشخاص من مختلف الأعمار، خاصة الشباب، منهم من هو مصاب في الرأس والوجه أو على مستوى الركبة والقدم وكذلك اليد، جروح مختلفة الخطورة، بعضها نجم عن خلل في التعامل مع الذبيحة، والبعض الآخر بفعل تبادل للضرب والجرح ولحوادث أخرى مختلفة.
ووسط كل هذه الجلبة والتكدس أمام مكتب الفريق الصحي المداوم، كان هناك مرضى، بعضهم يعاني من ألم في الكلية وفي حاجة إلى حقنة للتخفيف من آلامه، وآخر يعاني من مرض في الجهاز الهضمي، وبينهما أشخاص مصابون بالفيروس، منهم من يبحث عن اختبار للكشف للتأكد من مرضه، والبعض الآخر تم وصله بأجهزة التنفس التي يتيه صوتها في قاعة خصصت لهذا الغرض وسط أصوات الجلبة، والكل يتجول جنبا إلى جنب.
الكمامة المرفوضة
في خضم هذه المشاهد التي عاينتها «الاتحاد الاشتراكي»، سواء في المستشفى الأول أو الثاني، اتضح بأن خللا كبيرا تتسع رقعته ويصعب علاجه، والمتمثل في استيعاب أهمية الكمامة ووضعها وضعا سليما، فإذا كان بعض المرتفقين يضعون فعلا الكمامات، فإن عددا كبيرا لم يكن معنيا بها رغم كل الجهود التي كان حراس الأمن الخاص يبذلونها، الذين لاحظت الجريدة كيف يطلبون مرارا وتكرارا من المواطنين وضع كماماتهم، ونفس الأمر بالنسبة للطاقم الصحي، الذين يوجهون للمرضى نفس النصيحة، لكن أقلية قليلة جدا هي التي تتفاعل إيجابيا، بينما البقية لم تكن معنية بذلك، وهو ما كان يؤدي إلى مشادات ومواجهات، لم تكن تنفع كثيرا بسبب تصلب موقف الرافضين.
اختبار «مفقود»
دعت وزارة الصحة في أكثر من مناسبة، من خلال بلاغاتها المتعددة ووصلاتها التحسيسية المواطنين إلى التوجه صوب أقرب مؤسسة صحية فور الإحساس بأعراض الحمى والسعال التي تتشابه مع الزكام، للكشف عن وضعهم الصحي والتأكد من إصابتهم بالفيروس من عدمه، للقيام بما يلزم حتى لا تنتشر العدوى على نطاق واسع.
دعوات تحفيزية تصور على أن الخدمة الصحية ستكون متوفرة، وسيتم التكفل بالمريض المحتمل، لكن الواقع يؤكد أشياء أخرى، وهو ما عاينته «الاتحاد الاشتراكي» خلال جولتها وخلال اتصالها بمجموعة من المرضى، ومن ضمنهم «رجاء»، التي تشتغل بوكالة لتحويل الأموال. هذه السيدة التي تأكدت إصابتها بالفيروس يوم الاثنين الفارط، والتي استفادت من تخطيط القلب ومن تحاليل الدم المختلفة في أحد المستشفيات البيضاوية، قبل أن تتوصل بالدواء مع وصفة طبية لاقتناء أدوية أخرى، تعيش في أسرة صغيرة مع زوجها وأطفالها، مما جعل هاجس إمكانية إصابتهم بالفيروس قائمة.
تقيّدت «رجاء» بالتعليمات، وهي غير مستوعبة لإصابتها بسبب حرصها الشديد جدا على احترام التدابير الوقائية حتى صارت «أضحوكة» بين زملائها وحتى في الحي الذي تسكن فيه. عزلت المريضة نفسها، لكن بعد يومين ارتفعت درجات حرارة زوجها مع ظهور آلام شديدة عليه، وخلال هذه المدة طرق الأبواب للاستفادة من اختبار لمعرفة إن كان قد أصيب بالعدوى أم لا، لكن لم يتحقق مسعاه، وكان عليه أن ينتظر إلى غاية يوم الجمعة إن هو أراد أن تتم برمجته للاستفادة من الكشف، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام عن الكيفية التي سيتم بها تطويق العدوى إذا ما ظل الأشخاص المحتمل إصابتهم بالفيروس، خاصة المخالطين، يجوبون الشوارع والطرقات، في لحظة وبائية ترفع فيها الدولة ككل شعار محاربة الوباء؟
دواء معدود وفحوصات مقزّمة
إذا كان زوج رجاء لم يجد بدا من التوجه إلى مختبر للقطاع الخاص لمعرفة ما إذا كان مريضا أم لا، وهو ما تأكد فعلا لاحقا، وبات عليه هو الآخر الشروع في تناول الدواء، الذي كان من المستحب أن يتناوله مبكرا تفاديا لأية مضاعفات، لو أنه خضع للاختبار في حينه، أو على الأقل لو تم حثه على استعمال الدواء وقائيا، كما كان معمولا به في وقت سابق مع المخالطين، فإن مريضا زوجته هو الآخر أصيبت بالفيروس في وقت سابق، تمكن من إجراء اختبار الكشف السريع عن الفيروس، وفقا لما عاينته الجريدة، فتم عرضه على الطبيب المداوم، وأجري له تخطيط للقلب، دون المرور إلى إجراء اختبار الدم الذي يجب أن يكون ضروريا تفاديا لأية مضاعفات قد يتسبب فيها الدواء، وبعد ذلك تم تسليمه علبة من دواء كلوروكين، وعلبة من فيتامين س، وعلبة من الزنك، بمعدل 10 أقراص في كل علبة، إلى جانب وصفة طبية لاقتناء الباقي، الذي تتراوح كلفته ما بين 600 و 700 درهم، من الصيدلية.
«مشاهد متحورة»
المشاهد في مستعجلات المستشفى الأول الذي زارته الجريدة تكررت وبشكل أكبر في المستشفى الثاني الذي يوجد في تراب عمالة مقاطعات أخرى بمدينة الدارالبيضاء، وهذه المرة لاحظنا جلوس مريضة تعاني من هبوط في السكري إلى جانب مصاب بالتهاب تنفسي جعل من عملية التنفس أمرا متعذرا عليه مما تطلب تمكينه من قناع وقنينة للأوكسجين، وبينهما جلست مريضة مصابة بالكوفيد للاستفادة من الفحوصات التكميلية حتى يتسنى تحرير الوصفة الطبية بالأدوية المناسبة لها، من أجل علاج الكوفيد تلافيا لأي ضرر آخر.
مستعجلات حضر فيها الدم والعنف، ورغم كل الجهود التي كانت الأطر الصحية الشابة تبذلها ومعها حراس الأمن الخاص، إلا أن تعنت البعض و»فتونتهم» كانت تستأسد في المكان، فيلجون مرافق المؤسسة عنوة بدون كمامة، وعدد منهم يطلق العنان للسانه بكل الألفاظ، بل أن منهم من تحدى مسؤولين ولم يخف عدوانيته في وجه من تركوا أسرهم في أيام عيد وجاؤوا إلى المستشفى وسط العدوى والأمراض المختلفة معرضين أنفسهم لكافة أنواع الخطر للقيام بواجبهم المهني والإنساني في إسعاف وإنقاذ المرضى والمصابين.
بروتوكول متعدد
غادرت المريضة المستشفى، بعد أن خضعت للفحوصات الضرورية وتسلمت الوصفة الطبية، دون أن يتم تمكينها ولو من قرص دواء واحد، واتجهت صوب الصيدلية لاقتناء ما كان مطبوعا على الورقة، التي اطلعت عليها «الاتحاد الاشتراكي» وقارنتها بوصفة صادرة عن المستشفى الأول موضوع الجولة، فتبين على أن هناك اختلافا بين الوصفتين، إن على مستوى الأدوية أو مدة العلاج، مما يطرح أكثر من علامة استفهام، إن كنا أمام بروتوكول موحد أم أن الباب مفتوح للاجتهاد بما يتيح لكل مؤسسة، أو لكل طبيب أن يحرر ما يراه مناسبا؟
فوارق وقفت عليها الجريدة، على مستوى مدة العلاج، إذ في الوقت الذي توصي فيه وصفة باستعمال أحد الأدوية لمدة شهر، فإن الثانية تقلصها إلى 10 أيام، وبخصوص دواء ثان حددت الأولى مدة العلاج به في 8 أيام والثانية في 5، وكذا على مستوى الأدوية أيضا، إذ في الوقت الذي تضمنت فيه وصفة حقن «لوفينوكس» غابت عن الأخرى، ووحدهما الأزيتروميسين والكلوروكين، تم الاتفاق بشأنهما في الوصفتين معا!
صيدليات بدون دواء
وجد العديد من المواطنين صعوبات خلال الأيام الأخيرة في اقتناء مجموعة من الأدوية التي عادت للغياب من الرفوف، وهو الوضع الذي لا يعتبر منطقيا للبتة، وتكراره من جديد يسائل وزارة الصحة ومختبرات الصناعة الدوائية التي ترفع شعار المقاولات المواطنة، وجميع المتدخلين، فإذا كان من الممكن إيجاد عذر لغياب تلك الأدوية في بداية الجائحة، فإن المغرب قد خبرها وتعايش معها وواجهها، ومن أشكال المواجهة توفير الأدوية الضرورية.
وعاينت «الاتحاد الاشتراكي» كيف أن بعض الصيدليات، التي تشتغل خارج الزمن القانوني وضدا عن القرار العاملي المحدد لأوقات العمل وبعيدا عن عملية تنظيم الحراسة، أكد العاملون بها عدم التوفر على «دوليبران 1 غ المذاب»، و «الفيتامين س»، بل أن الأمر امتد إلى أدوية ظلت دوما متواجدة كـ «دوليريم» نموذجا، فضلا عن مضادات حيوية أخرى.
وذهبت صيدليات أخرى إلى محاولة تعويض أدوية بأخرى مشابهة لها، وإلى صرف أنواع مختلفة من «الأزيتروميسين»، وتعويض «الفيتامين س» بـ «النسخة» الموجهة للأشخاص الذين يفضلون الدواء بدون سكر، وغيرها من الخطوات الأخرى، لمحاولة التخفيف من وقع «الندرة» و «الاختفاء» على المرضى الذين هم في حاجة للدواء، سواء المستعمل بغاية العلاج والذي يعتبر أولوية، أو الذي تم اقتناؤه بهدف وقائي، ومهما كانت الغاية، فإن الهدف واحد، العلاج وتفادي المضاعفات والحماية من المرض حتى لا تتسع رقعة انتشار العدوى، وهو الأمر الذي يجب استحضاره وبقوة في زمن تتمدد فيه الجائحة التي لا يمكن مواجهتها برسائل «صوتية» فحسب.
«منظومة تتقاعس»
ارتفعت حدّة الانتقادات الموجّهة إلى المواطن مؤخرا، وبات عدد من المسؤولين يمعنون من خلال تصريحاتهم الإعلامية في تحميل المغاربة مسؤولية انتشار العدوى بسبب عدم التقيد بالتدابير الوقائية، وهذا أمر فيه شيء من الصحة، لأن حالة التراخي تلاحظ بشكل واضح على سلوكات مجموعة من المواطنات والمواطنين، لكنه بالمقابل ليس وضعا عاما، لأن هناك مواطنين حرصوا على اتباع كل الإجراءات الوقائية منذ ظهور الجائحة في مارس من السنة الفارطة في بلادنا، لكنهم أصيبوا في لحظة ما دون أن يدركوا الكيفية التي تعرضوا بها للعدوى، وهو ما يجب تسليط الضوء عليه، من خلال طرح أسئلة مختلفة حول دور الدولة ككل وأجهزتها في مواجهة الجائحة، التي تتحمل مسؤولية ضمان احترام القوانين التي تم سنّها، ومنها إجبارية وضع الكمامة، والتقيد بالحجر الصحي للأشخاص الوافدين على البلاد، ومراقبة وسائل النقل العمومية المختلفة وسيارات الأجرة لاحترام الحمولة الموصى بها، وتمكين المواطنين من اختبارات الكشف في وقت سريع، لأننا في سباق مع الفيروس، كلما اكتشف مبكرا كلما تم حصر دائرة المصابين، وكلما عرف الأمر تأخرا كلما انتشرت العدوى بشكل أكبر، إلى جانب توفير إمكانيات إجراء الفحوصات كاملة من تخطيط للقلب واختبارات للدم، مع توفير الأدوية، الأمر الذي لم يعد متاحا اليوم، رغم أن الوضعية لا يزال متحكما فيها رغم درجات القلق التي تتسبب فيها، مما ينذر بأن ما سيأتي لن يكون إلا صعبا إذا ما لم يكن هناك حزم ومسؤولية مشتركة في مواجهة الجائحة، خاصة وأن المرضى اليوم يقتنون الدواء، سواء كانوا في وضعية مرضية خفيفة أو صعبة في مصالح الإنعاش والعناية المركزة، وهو ما أشرنا إليه سابقا، حين تمت مطالبة زوجة مريض بالكوفيد، باقتناء دواء يبلغ 9 آلاف درهم، مع قناع وكذا إجراء اختبارات خارج أسوار أحد المستشفيات بالعاصمة الاقتصادية؟
مواطنون يتألمون
ومهنيون يعانون
إذا كان المصابون مؤخرا بالفيروس يتألمون، بسبب تعقد مساطر الكشف عن الفيروس وصعوبات العلاج، خاصة مع استمرار ارتفاع نسبة ملء أسرة الإنعاش والعناية المركزة، وبات بعضهم يفضل إخراج مريضه من مستشفى عمومي والتوجه به صوب مؤسسة صحية أخرى لعوامل مختلفة، وهو ما عاينت «الاتحاد الاشتراكي» نموذجا له خلال الجولة التي قامت بها، فإن مجموعة من مهنيي الصحة هم أيضا يعانون الأمرّين، بسبب ارتفاع الضغط والإقبال على المؤسسات الصحية، وعدم الاستفادة من فترات للراحة وغياب التحفيز وعوامل أخرى مختلفة، زادت من قتامة المشهد الذي أصبح طقسا دائما ومستمرا تعيش تفاصيله المؤلمة هذه الفئة بشكل يومي، ليلا ونهارا.
وإذا اشتكى عدد من المواطنين للجريدة الصعوبات وغياب الدواء وعدم فسح المجال لإجراء اختبارات الكشف بشكل سلس، خلافا لما هو معمول به في دول أخرى، حيث يتم القيام باختبارات في فضاءات عمومية وبالشارع العام للراغبين فيها لمحاصرة العدوى، فإن عددا كبيرا من مهنيي الصحة أنفسهم يواصلون الاشتغال في ظروف جد صعبة، علما بأن هناك من أصيب أفراد أسرهم الصغيرة بالعدوى، مع احتمال إمكانية حملهم للفيروس ونقله بدورهم للمرضى أثناء قيامهم بواجبهم، فيتحولون بذلك من مصدر للعلاج إلى ناقلين للمرض، لأن الاستفادة من اختبار PCR أو من الكشف السريع، لم يعد متاحا وأمرا سهلا لهم، وتعترضه قيود إدارية متعددة ترفع من الهامش الزمني بما يسمح للفيروس بالانتشار أكثر.
مساطر مكلّسة
إن طبيعة التفاعل، حجما وشكلا وأجرأة، مع أي مشكل كيفما كان نوعه وفي أي مجال من المجالات، تعتبر عنوانا على طبيعة النتائج التي سيتم الوصول إليها، سلبية كانت أو إيجابية. وتعتبر «المساطر الثقيلة» و»العراقيل الإدارية» داخل المنظومة الصحية اليوم، سواء التي تحكمت في سير عملية التلقيح والتي أخّرت استفادة الكثير من المواطنين والمواطنات، الذين كانوا في حاجة إلى الجرعتين، وجعلتهم يترددون ما بين مراكز التلقيح والملحقات الإدارية دون جدوى، أو التي تقيّد بشكل غير عقلاني عمليات الكشف عن الفيروس من خلال الاختبارات، أو التي تقلص من الفحوصات وتصرف الأدوية بشحّ، تقف حاجزا أمام حماية المهنيين والمواطنين على حد سواء، وتتناقض مع مضامين بلاغات وزارة الصحة التي تدعو كل من ظهرت عليه الأعراض إلى عدم التوجه إلى العمل والمكوث في المنازل والقيام بالفحوصات الضرورية، لتبقى بذلك هذه الخطوات في كثير من الحالات مجرد حبر على الورق، تفعيله يحتاج إلى استيعاب لطبيعة ودقة المرحلة، والحاجة إلى عدم إنتاج نفس الأزمات السابقة التي سببتها الجائحة، صحيا واقتصاديا واجتماعيا.