ضحايا في قبضة المتهم بجرائم» العلوة « وآخرون في عداد المفقودين .. ابن أحمد تواجه فظائع لم تنته بعد

في قلب مدينة ابن أحمد، حيث الحياة تسير بوتيرة هادئة وروتينية، بزغ فجر يوم الثالث والعشرين من أبريل عام 2025 على وقع اكتشاف مروّع سيقلب كل الموازين ويحول السكينة إلى ذعر.
البداية كانت برائحة كريهة، سرعان ما انتشرت في محيط المسجد الأعظم، لتستدرج معها أقدام الفضوليين والمنقّبين عن مصدرها، دون أن يتخيل أحد منهم أنه على وشك الوقوف على عتبة كابوس حقيقي.

المراحيض العمومية.. البوابة الأولى إلى الجحيم

كغيره من المارة، استوقفت تلك الرائحة الآخذة في الانتشار السيد (ح. م)، مساء ذلك اليوم المشؤوم. تجرأ، ومجموعة من الأشخاص، على تتبّع مصدرها الذي قادهم نحو المراحيض العمومية الملحقة بالمسجد. وهناك، تحت وطأة رائحة لا تُنسى، عثروا على ما لم يخطر على بال: أكياس بلاستيكية مغطاة بألواح معدنية، تُخفي بداخلها قطعا من اللحم. للحظة وجيزة، حاولوا إقناع أنفسهم بأنها بقايا حيوانات، ربما ضحايا لسلوك المتهم (سعيد ع.) المعروف بعنفه تجاه الحيوانات الضالة، لكن الشك كان بذرة زُرعت في تُربة الرعب، وسرعان ما بدأت تنمو…

ع. ص.. شاهد عيان على الوجه المظلم

لم تطل حيرة الشهود، فسرعان ما تقدم ( ع ص)، حارس المراحيض ورجل يعرف خبايا المكان، بشهادة زلزلت أركان البدايات الهشة للتحقيق.
روى كيف كان المتهم، هذا الرجل الذي بدا للوهلة الأولى كأي عابر سبيل، يتردد بشكل غريب على تلك المراحيض. كان يحجزها لساعات، يقضي فيها أوقاتا مجهولة، بل ويتّخذ من أحدها مخزنا لحاجياته الخاصة. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد كشف الشاهد (ع. ص) عن تهديدات بالقتل بالسكين تلقاها شخصيا من المتهم، بالإضافة إلى محاولات الأخير العبث بأقفال المراحيض وإحداث ضوضاء متعمدة لإخافة المرتادين. بل وتجاوز الأمر ذلك ليصل إلى تهديد مؤذّن المسجد وإمامه، وتلك المرأة المكلفة بالنساء المتوفيات اللواتي يُنقلن إلى المسجد للصلاة عليهن.
شهادة هذا الشاهد، رسمت بورتريه لرجل يحمل في داخله بذرة الشر، رجل كانت سلوكياته تنذر بعواقب وخيمة.

الأشلاء تتناثر وخيوط الجريمة تبدأ في التشابك

بينما كانت السلطات الأمنية المعنية تبدأ في تجميع خيوط هذه الشهادات المريبة، قادهم البحث إلى اكتشافات أكثر رعبا، قنوات الصرف الصحي القريبة من منزل المتهم (سعيد ع)، تلك الأنابيب التي يفترض أن تحمل النفايات، كانت تحمل سرا أكثر قتامة، بقايا أشلاء بشرية مجزأة بعناية. هنا، بدأ الشك يتحول إلى يقين مرير.
تقنية البصمة الوراثية، تلك الشاهدة الصامتة على الحقائق البيولوجية، كشفت عن أول ضحية:(هشام س)، الرجل الذي كانت زوجته قد تقدمت ببلاغ عن اختفائه قبل عشرين يوما، لتنتهي رحلة البحث عن المفقود بكشف عن جريمة بشعة.

بيت المتهم( سعيد ع) مسرح جريمة مكتملة الأركان

بأمر من النيابة العامة، داهمت الشرطة منزل المتهم، خلف الأبواب المغلقة، تكشف مشهد يبعث على التقزز والرعب، آثار دماء جافة ومتناثرة في المطبخ، الحمام، وحتى داخل المرحاض، أدوات حادة، سكاكين بأحجام مختلفة ومنشار، جميعها تحمل بصمات حمراء قاتمة، قنينات لمادة حارقة ومبيد حشري، ربما أدوات استخدمت في محاولة طمس الآثار أو في الجريمة نفسها، وأكياس بلاستيكية وردية اللون، تلك التي عثر عليها في المراحيض مع الأشلاء الأولى، كانت موجودة بكميات في منزل المتهم، لتشكل رابطا دامغا بينه وبين مسرح الجريمة.

الحمض النووي ..الدليل الصامت الذي لا يكذب

أخذت عينات من مسرح الجريمة ومن منزل المتهم إلى المختبر الوطني للشرطة العلمية. النتائج جاءت قاطعة، تطابق الحمض النووي للأشلاء مع عينات من عائلة الضحية(هشام س)، والأكثر إدانة، كان العثور على مزيج من الحمض النووي للضحية والمتهم على بعض الأدوات المحجوزة، ليصبح الدليل العلمي سيفا قاطعا في وجه الإنكار.

شهادات جديدة وعجلة التحقيق في دوران ليل نهار

عاملة تنظيف المسجد،( الشعيبية ب)، تذكرت قطع اللحم ذات الرائحة الكريهة التي عثرت عليها في مرحاض النساء قبل أيام من الاكتشاف الأول.
حارس الليل، (مصطفى ع)، قدم شهادة أخرى لا تقل أهمية، حيث روى لقاء مشحونا بالكراهية بين المتهم ورجل يدعى (مصطفى ع)، الملقب بـ «مخيريش»، قبل أيام من وقوع الجرائم. بصقة مهينة ونظرات حقد كانت آخر ما شاهده الشاهد بين الرجلين، لتظهر بذلك الضحية المحتملة الثانية.

صوت الفقد يكشف عن مأساة أخرى

لم يطل انتظار تأكيد الشكوك، (عتيقة ف)، زوجة( مصطفى ع)، كانت قد تقدمت ببلاغ عن اختفاء زوجها في نفس الفترة الزمنية. وبإجراء تحليل الحمض النووي، تأكدت الفاجعة، الأشلاء التي عثر عليها تعود لزوجها أيضا. صدمتها كانت مضاعفة، خاصة وأنها أكدت للشرطة أنه لم تكن تربط زوجها أي صلة بالمتهم.
شهادة( العربي م) أضافت طبقة أخرى من التعقيد والإدانة، لقد رأى المتهم (سعيد ع) يدخل مرحاض المسجد، ليلة اختفاء (مصطفى ع)، برفقة شخص تنطبق عليه أوصاف «م». دخولهما كان عاديا، لكن ما حدث خلف الأبواب المغلقة ظل لغزا حتى العثور على الأشلاء.

جسد المتهم وعلامات الصراع والدماء

عند إخضاع المتهم (سعيد ع ) للتفتيش الجسدي، ظهرت علامات أخرى تدينه، بقع حمراء داكنة تلطخ ملابسه، خدوش غائرة على عنقه وظهره ويده، وآثار دماء على قدميه. وعندما واجهته الشرطة بهذه العلامات، اختار الصمت المطبق.

بطاقة هوية دليل آخر يربط القاتل بالضحية

العثور على نسخة من بطاقة التعريف الوطنية للضحية (هشام س) ذي 61 عاما داخل منزل المتهم، أثار تساؤلات حول طبيعة العلاقة بينهما، هل كانا يعرفان بعضهما؟ وما سبب وجود هذه البطاقة في منزل القاتل؟

اعترافات جزئية وصمت يخفي أسرارا أعمق

خلال الاستجواب، قدم المتهم اعترافات جزئية بملكيته لبعض الأدوات والملابس التي عثر عليها في مسرح الجريمة ومنزله، لكنه ظل صامتا كصخرة أمام الأسئلة المتعلقة بالأشلاء البشرية والدوافع وراء هذه الجرائم البشعة، حتى الكدمات التي ظهرت على معصميه، زعم أنها نتيجة محاولته التخلص من الأصفاد.

بحث لا يهدأ عن بقايا ضحايا مجهولين

لم تكتف الأجهزة الأمنية المعنية بما تم العثور عليه،عمليات تمشيط واسعة بمساعدة الكلاب البوليسية المدربة وتقنيات الكشف عن الآثار البيولوجية استمرت في محيط منزل المتهم والأراضي الزراعية المجاورة، والهدف طبعا هو العثور على أي بقايا أخرى للضحايا، ربما ضحايا لم يتم التعرف عليهم بعد.
وقد أسفرت هذه الجهود عن العثور على المزيد من الأشلاء، بما في ذلك فك بشري وجلد بشري، بالإضافة إلى متعلقات شخصية يحتمل أنها تعود لـ (مصطفى ع).

من الهواتف المشبوهة إلى دفتر الضحايا.. أدلة دامغة وضحايا جدد محتملون في قضية سفاح ابن أحمد

كشفت التحقيقات عن أدلة مادية مثيرة للقلق تم العثور عليها في منزل المتهم، حيث تم ضبط 4 هواتف ذكية مختلفة الماركات، و4 هواتف عادية، بالإضافة إلى حقيبة نسائية جلدية سوداء تحتوي على وثائق شخصية باسم (فاطمة الزهراء.م) ومبلغ 1200 درهم نقدا وبطاقة ائتمانية مسجلة باسم (عبد الرحيم.ك). كما عثر على دفتر ملاحظات يحتوي على رسومات غريبة لأجساد بشرية مشوهة وقوائم بأسماء وأرقام هواتف وتواريخ متفرقة خلال الأشهر الثلاثة السابقة.
وتوسعت دائرة الضحايا المحتملين لتشمل بالإضافة إلى (هشام س) 61 عاماً، و(مصطفى ع) 45 عاما، كلا من( ر م ) 32 عاما، الذي تم الإبلاغ عن اختفائه منذ 15 أبريل، و(س ف) 28 عاما، المبلغ عن اختفائها منذ 10 أبريل.
وقد تم العثور على آثار دماء في مواقع متفرقة تشمل سيارة أجرة بيضاء وكراج مهجور بمنطقة الصناعة التقليدية وحقل فلاحي على بعد 3 كلم من منزل المتهم.
من بين الشهود الإضافيين الذين قدموا معلومات قيمة، صاحب المقهى القريب من المسجد، و(خ أ) جارة المتهم، وطبيب نفسي الذي زار المتهم سابقا.
وكشف تحليل الهواتف المحجوزة عن معلومات مثيرة، حيث تبين أن آخر اتصال للضحية (هشام س) كان بأحد الأرقام، كما تم العثور على صور تظهر المتهم مع أشخاص غير معروفين ورسائل نصية غريبة مؤرخة في 20 أبريل.
ويظهر السجل الجنائي للمتهم تورطه السابق في عدة قضايا منها سرقة بالإكراه سنة2018 وإيذاء جسيم سنة 2020 وانتهاك حرمة مقابر سنة 2022. ومن بين الأدلة الإضافية التي تم العثور عليها في منزله، ملابس متسخة بالدماء تشمل «جاكيت جينز» وقميص ممزق وسروال، بالإضافة إلى مجموعة من الأقفال المكسورة وكاميرا مراقبة غير موصولة.
وكشف تقرير الطب الشرعي عن تفاصيل مروعة، حيث ظهرت على جثث الضحايا آثار تعذيب واضحة وعلامات مقاومة على الأطراف، مما يدل على استخدام أدوات حادة متعددة في ارتكاب الجريمة.
كما تتبع المحققون حركات المتهم قبل ارتكاب الجريمة، حيث تبين زياراته المتكررة لمحلات بيع الأدوات الحادة وشرائه كميات كبيرة من الأكياس البلاستيكية واستئجاره لسيارة الأجرة التي استخدمها في تنفيذ جرائمه.

إلى قفص الاتهام وابن أحمد تنتظر العدالة

في نهاية المطاف، وبعد تجميع خيوط هذه الجرائم المروعة والأدلة الدامغة، أحيل المتهم على أنظار الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بسطات، الذي أحاله بدوره على قاضي التحقيق بالغرفة الثانية، الذي سيتولى التحقيق التفصيلي، وإظهار الدور الجوهري للقضاء في حماية المجتمع وملاحقة الجناة، حيث ستتكامل جهوده مع الأجهزة الأمنية لضمان تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا.
هذه القضية، بكل تفاصيلها المروعة، تذكير صارخ بأهمية تطبيق القانون بصرامة لردع مثل هذه الجرائم البشعة، وتعزيز ثقة المواطنين في جهاز القضاء كحصن للعدالة والأمن.
ومن أجل ذلك، يترقب الرأي العام المحلي والوطني ما ستُفرزه هذه التحقيقات، في انتظار كلمة العدالة، وترقب الحكم الذي سيصدر في حق المتهم الذي حول هدوء مدينة ابن أحمد «العلوة» إلى كابوس لا ينسى.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 26/04/2025