ابن الفاروق.. الأبَديةُ قَادرَةٌ عَلى إطالةِ أمَدِنَا

 

 

 

 

 

في صميم الأحداث.
تتجلى الفوتوغرافيا، كما هو متداول، في مختلف التقنيات المتنوعة، التي يتحكّم فيها أولئك الذين يُطلق عليهم لقب فنانين فوتوغرافيين. وإذن، فهي محكومة حتماً، بكل مظاهر التخريب المحتمَل الذي سوف يتخيلونه…

في صميم الأحداث، فعلاً…
بالنسبة لهؤلاء الفنانين، الفوتوغرافيا، كما هي من قبلُ ومن بعدُ، عبارة عن تجريب للتقنيات المختلفة والمتنوعة، التي في متناول إمكانياتهم واحتياجاتهم، وكذلك ارتباطاتهم. وذلك للتعبير عن كل هذه المحكيات، أو بالأحرى ترجمتها. وهي محكيات عصية على الوصف، غير مسموعة، وغير مرئية. وذلك بلغة تكشف عن العديد من الأسئلة الخطابية أو البديهية، التي تكون مصحوبة بإجابات افتراضية، أو بدونها، بل هي أسئلة منذورة للسَكن في عالم أكبر من العقل الباطني الذي قام بحدْسِها ثمَّ صياغتها…
تقوم هذه الأعمال أو التخييلات عند تحقُّقها بإطالة عُمر هذه الوسائط الروحية التي تم إعدادها في البداية كأدوات للمراقبة والقياس، أو حتى لتمثيل الحقيقة، دون أن تنجح أبدًا في استيعابها. متذبذبٌ، غير منتظمٍ، ومتحوِّلٌ، هكذا هو الواقع، غير مستقر مثل ذاتيات الإنسان، أو مثل التكنولوجيات المبتكَرة لتجميد صورة أو لحظة. إذ أن التمثلات التي نُبدعها تظهرُ دائما غير مكتملة، وبالتالي فهي عاجزة عن إعادة ترميم أو القبض على الحقائق التي نختبرها، بيقين وموضوعية. ومن خلال لاوَعْينا أو ردود أفعالنا التأويلية، يؤدي هذا التدخُّل إلى انحراف قدرتنا على الفهم الموضوعي لسياقاتنا المحكومة بالتقَادم والتلاشي السريع.
بهذه الطريقة تمَّ وضع الكثير من المعدات والأدوات المتنوعة الآيلة للتقادم العلمي المبرمج، والتي هي في خدمة الفنون لزيادة وتيرة استلهام إمكانات جديدة. لأنه، وكبديل عن ذلك، فإن تفسير أو عقلنة تجاربنا المعيشية، يُنتج، عبر الخطأ، أحيانًا حقائق بديلة. وتكون هذه الحقائق شاعريةً أحيانا، وجماليةً أحيانا أخرى.
في سياق الأحداث الخاصة بالفوتوغرافيا، أصبح الفنانون، بمن فيهم ابن الفاروق، مستكشفين، بل وأيضا مخترعين للغاتٍ سوف تعبِّرُ ليس فقط عن هذا الواقع المستحيل، ولكن أيضا عن الأحلام، الذكريات، أو أيضا عن المخاوف التي تسكننا، هناكَ حيث تضايقها الرغباتُ، الآلامُ، أو الملذاتُ، وتضايقها، كذلك، حواسُّنا وأرواحُنا.
لإنجاز ذلك، يدرس ابن الفاروق ميكانيكا الآلة، ويختبرها ويقيس، بطريقة عملية، حدودها، داخليا وخارجيا، بحيث يمكن استخدامها كمؤشر لجميع الفروق الدقيقة في ذاتياتنا.
وإذًا، فابن الفاروق يجعل جميع الأكوان الداخلية التي تسكنه، والتي هو صنيعها أيضاً، مرئيةً ومسموعةً وملموسةً. وعندما نزعم بأن هذه الأكوان متخيلة وذاتية، آنذاك فقط يمكن أن تنجح هذه المحكيات في جذب انتباهنا. هكذا، يتوقف العالَم أخيرًا، حيث تُشلُّ حركة الزمن، بينما يتعيّن علينا في نهاية المطاف، أن نعيش العديد من الدَّفْقات التأملية أو الروحية التي تُغيِّرنا بأقصى سرعة، والتي لطالما نكون مستعدين لتقبُّلها. أحيانًا أخرى يكون هذا أيضًا وسيلة نقلٍ خفية بقدر ما هي جذرية لإدراكاتنا وعواطفنا، والتي تجعل جميع الجُسيمات الفيزيائية والكيميائية في أجسادنا تحيا وتخفق بإيقاع مجنون ورهيب، فيعيد الجسد تلك الحقيقة المعروفة إلى مكانها، وَيُمحى الديكور عبْر هذه المغامرة التي أنشأها وشكَّلها العملُ الفني.
هكذا ستصنع شهرزاد من حكايا لياليها الألف ليلة وليلة، حاضرًا أبديًا، يُعيد اختراع نفسه من خلال الكلام والمتخيل الذي يخلق زمناً وفضاءً خاصّا ومستقلًا، تحكمه إرادة تصوغ مصيرًا منيعًا إزاء أحداث هذا العالم، الذي بالكاد يُعتبَرُ مُهمًا أثناء كتابته وقراءته.
هوَ ذَا ما يقدمه لنا الفنان ابن الفاروق في ميتافوتوغرافياته: يمكن التعبير عن الإحساس أو المواساة بأن الأبدية قادرة على إطالة أمَدِنا، وإبقائنا على قيد الحياة. بل وربما يمكنها أن تُستدام.
إنهُ مُجرد فناء. عبورُ ممرات، عبورٌ من ماضٍ. لكن ربما من خلال الفن ومحكياته، من يدري، ستكون هناك إمكانية ولادة جديدة مضاعفة في عيون ومخيال أولئك الذين سيبقون على قيد الحياة، وكل أولئك الآخرين الذين سيعيشون طويلاً من بعد …
هُو ذَا إذًا ما تساهم فوتوغرافيا ابن الفاروق في خلقه، أو كما نقول: في تَأبِيدِهِ…
نعم هو ذَا بالضبط: التَّأبيدُ.


الكاتب : سهام فايغن  ترجمة: بوجمعة أشفري

  

بتاريخ : 02/06/2022