ابن خلدون يتفوق كثيرا على جائزة نوبل للآداب

 

لو سئل العالم مرة واحدة، وقيل له: ما هي الجائزة الأكثر شهرة في التاريخ المعاصر؟ لأجاب في دقيقة وبصوت واحد ودون تفكير: إنها جائزة نوبل، أُمُّ الجوائز، الجائزة التي غالبا- ما تدهش وتقلق وتفاجئ، ونادرا ما تصيب تكهنات القارئ والمتلقي والمتتبع. هي الحلم الذي يراود المبدعين قاطبة وعبر مختلف الجنسيات العالمية. كل مبدع يريد الحصول عليها ونيلها من أجل الضوء، والشهرة والترجمة، والانتشار، والخلود، وتحسين الحياة ماديا ورمزيا. لكن رغم ذلك تبقى الجائزة تطرق مسامع المهتمين والمتتبعين بأسئلتها الشائكة والمحيرة، وفي وسط هذه الأسئلة، نجد سؤالا عربيا ينشق عن الجائزة دائما: لماذا لم يفز بها أي مبدع عربي في المسرح والشعر والكتابة الأدبية حسب اللجنة الأكاديمية السويدية لحد الساعة؟
دعوا من فضلكم فوز المبدع المصري الكبير بالجائزة نجيب محفوظ جانبا، والتي يستحقها عن جدارة يشهد لها إبداعه وخياله وأفكاره، وتعالوا نتحدث عن الإبداع والجائزة لكي نعطي السؤال حقه وقيمته.
إن النقطة التي نسجلها عن الجائزة، تتجلى في تهميشها طوال مسيرها التاريخي للمسرح والشعر، فلو قمنا بإحصائية لبانوراما الشعراء والمسرحيين الذين حصلوا عليها منذ تأسيسها، نجد أن عددهم لا يفوق الأربعين، إذن، الجائزة تميل إلى جنس الرواية أكثر من جنسي المسرح والشعر. ومن ثمة، فهي تميل إلى ترجيح كفة العالم السردي أكثر من العوالم الأدبية الأخرى.
لقد فازت كل الدول الأوربية وبعض دول أمريكا اللاتينية تقريبا بباب الشعر ما عدا العالم العربي الذي يعد رائدا في الشعر دون منازع كما يعد الشعر من الجذور الغائرة في الوجدان والحضارة العربيين منذ الأغوار السحيقة لأن العرب قدموا حياتهم شعرا، فأبدعوا فيه حتى انبهر به كل شعراء العالم منذ عهود وعهود.
هناك من يعارض قولنا معقبا، ومعتمدا على ما يشاع في الأوساط النقدية العالمية حاليا: إن الشعر العربي المعاصر لم يستطع مواكبة ذلك التميز، وهو يقلد شعراء الغرب أكثر مما يجدد، والجائزة تقدم لكل جديد يسعى إلى إبداع عناصر الدهشة في الموضوع واللغة والقيمة. في هذه النقطة يتم الرد بالفكرة الآتية: إن الشعر العربي المعاصر إبداع أصيل ومتميز في مضامينه وأساليبه، فهو ليس مقلدا دائما كما أنه ليس مجددا دائما، لكن رغم ذلك يحتوي على خصوصيات ومكونات تجعل شعراءه يلجون النجومية من بابها الواسع، نجومية التحليق بأجمل القصائد الكونية وبأجود الصور الشعرية العالية، وبأسمى اللغة الشعرية، فلا يمكن الحط من قيمته، ولو نطقت الترجمة الغربية والعالمية باهتمامه، لكانت له الكلمة، ولا داعي لذكر الأسماء.
كما أن الإبداع العربي استورد أحدث منجزات الفنيات الإبداعية من الغرب، ولكن يبقى الاستيراد في قاموس الوقائع الإنسانية ليس بعيب ولا ينقص من شيء، إذا وضعنا في الحسبان أن الإبداع العربي المعاصر خاصة أخذ وأعطى، وحقق مفهوم التفاعل في الإبداع العالمي.
إن أصحاب الجائزة يقصون الإبداع العربي عن عمد أحيانا وعن جهل بعوامله أحيانا أخرى. فبما أن الجائزة تقدم لمبدعين ليسوا مشهورين في العالم، مثل فوز الروائية توني موريسون صاحبة رواية محبوبة» التي لم يكن يعرف عنها العالم العربي أي شيء قبل فوزها بالجائزة، والكاتبة والصحافية البيلاروسية «سفيتلانا ألكيسفيتش»، والكاتب التنزاني البريطاني عبد الرزاق قرنح وما شابه ذلك، واليوم يتأكد بالملموس ترسيخ الفوز المفاجئ ، حيث أعترف شخصيا ربما يعد هذا تقصيرا مني، لست متتبعا لما ينشر من إبداع روائي غربي جديد، أو مثالا واقعيا على عدم شهرة الكاتبة الفرنسية آني إرنو الفائزة بهذه الدورة، لم تكن مشهورة إلا عند المتتبع الغربي وبعض متتبعي العالم السردي، باتفاق كل الذين كانوا يراهنون على فوز الروائيين الكيني الكينجي نغوجي واثيونجو أو الياباني هاروكي موراكامي ، بيد أن أذواق اللجنة ومعاييرها مالت إلى العمل على خيبة الانتظار، لتختار صاحبة الأعمال الروائية «الخزائن الفارغة»، و»المكان»، «والساحة «و»العار»، معتمدة كعادتها على مقياس المغمور والمنسي في النقد والمتابعة مثل السيرة الذاتية الجديدة، وهو الذي أصبح حاضرا في استكهولم في السنوات الأخيرة. إذن، لماذا لم يفز بالجائزة أي شاعر عربي معاصر سواء أكان مشهورا أم مغمورا؟
فمما لا شك فيه أنه لا يمكن أخذ جائزة نوبل مقياسا للإبداع الرفيع، فكم من مبدعين أفذاذ حرموا منها في السابق والآن، وهم أولى بِنَيْلِها، حيث أسهموا في إغناء الفكر العالمي بإبداعاتهم ونظرياتهم وتصوراتهم. وهنا، يحضر سؤال: لماذا تجاهلت الجائزة مثلا تولستوي، وماكسيم جوركي، وتشيخوف، وزولا، وبروست، وجيمس جويس، وكافكا، وناظم حكمت، وبرتولد بريخت، وألبيرتو مورافيا، وغراهام غرين، وبورخيس، وكفافيس، وعبد الرحمن منيف، وغالب هلسا، ومحمود درويش، وسميح القاسم، وسعد الله ونوس، والطيب الصديقي، ومحمد عزيز الحبابي، وعبد الله العروي كاتبا روائيا واللائحة مفتوحة؟؟؟
إن الجائزة تستحق أكثر من تعقيب، وخير ما نختم به حكاية من طرائف الجائزة: هناك أسماءُ مرشحين للجائزة يتم ذكرها كل عام للفوز دون جدوى من بينها اسم مبدع عربي مشهور. فلو سمح لي هؤلاء المرشحون الأعزاء بالقول: إنكم مبحرون في جائزة غامضة، فلا تجربوا حظكم معها، وأصدروا بيان عدم السماح بإدراج أسمائكم ضمن اللائحة المرشحة إن كانت هناك فعلا لائحة، ربما يبقى هذا الفعل تاريخيا شبيها بالرافضين للجائزة الذين لم يعترفوا بها، مثل الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، بالرغم من الإعلان عن فوزهم بها، إنها فعلا رحلة متعبة، مع جائزة نوبل منذ ميلادها إلى الآن. ولكي يخرج الإبداع العربي منتصرا في هذه الرحلة، فعلينا أن نفكر في إبداع جائزة عالمية عربية في الهندسة، والفكر، والحضارة، والتنمية، والآداب تحمل اسم ابن خلدون الذي يتفوق بكثير على نوبل، حيث اخترع ابن خلدون سكينة العالم بينما أبدع ألفريد نوبل تفجير العالم عبر الديناميت، فهناك فرق بين جائزة البناء وجائزة الهدم، خاصة إذا كانت لها معايير تتنافى كثيرا مع القيم السامية التي يعمل الأدب والأدباء على ترسيخها من بينها الوعي بالاعتراف لمن يستحق. فهنيئا للفائزة الفرنسية آني إرنو، وكل الأسف للإبداع العربي الرفيع شعرا ونثرا.


الكاتب : يحيى عمارة

  

بتاريخ : 04/11/2022