النقيب الشقوري: الترافع حول المدونة يستلزم ذخيرة معرفية وتاريخية
احتضنت أسفي لقاء حزبيا أطرته منظمة النساء الاتحاديات، وكان مناسبة لإعادة التعريف بالمطالب المترافع حولها من لدن الاتحاد الاشتراكي في أفق النقاش الوطني المفتوح اليوم حول المراجعة والتعديل والإصلاح المنتظر وصوله للمتن القانوني المحتضن لخارطة القواعد القانونية الحاكمة والمؤطرة للأسرة ..
مدونة الأسرة في صلب النقاش العمومي مرة أخرى ..لايتعلق الأمر بالحذف والتعديل..الإصلاح والتقويم .. بل بالمراجعة الشاملة وفق رؤية تقدم تصورا جديدا يتقاطع مع المستجدات المجتمعية ويتجاوز الأعطاب والنواقص المسجلة التي بينتها الممارسة العملية .
تلك هي الفكرة الجامعة التي توجه مرافعة نساء الاتحاد الاشتراكي في سعيهم النضالي الناضج لتغيير القوالب الجامدة في روح وفلسفة القانون المؤطر لبنية الأسرة المغربية وتعبيراتها الموازية التي تستقر في ثنائية الرجل والمرأة ..الطفل والوالدين ..لعل النقاش الذي دشنته منظمة النساء الاتحاديات بالنزول والاحتكاك المباشر مع مختلف التعبيرات المدنية يدل على مركزية الفكرة الحداثية في الثقافة التنظيمية للحزب، هذه هي المقدمات الموضوعية التي حاولت المداخلات تبريزها في لقاء أسفي المنظم حول موضوع «مدونة الأسرة « الذي يعرف تقاطبات وتجاذبات بعضها أعلن عن نفسه والبعض الآخر مازال خامدا…
المعارضة الاتحادية لن تنجر إلى ذلك، ولن نسهل لأحد الاستثمار في نقاش سياسوي، تتحدث حنان رحاب، الكاتبة الوطنية للنساء الاتحاديات، وهي تفتتح ندوة أسفي التي شارك فيها باحثون أكاديميون وقانونيون وحقوقيون ..في محاولة تقليب وتعرية الأسئلة الموجعة والموانع المفرملة لأي تطور مجتمعي مبتدؤه ومستقره الأسرة …
التحليل الرصين كان مقسما بحرفية بين الوجوه التي اعتلت المنصة، التأصيل لسياقات التغيير منذ زمن مدونة الأحوال الشخصية وما رافقها دائما من نقاشات متنورة وأخرى محافظة، بين زمن سياسي يقدم قراءة محتقنة ومرحلة أخرى ينتصر فيها الجمود على التغيير الهادئ المساوق لجديد المسار المجتمعي، يريدون الإدلاء بالرأي وهم غير مسلحين بالمعطيات والذخيرة المعرفية …فالأمر يستلزم، في نهاية المطاف، قدرا من الاطلاع والتمكن لبناء مرافعة مفحمة للخصم والصديق، بعيدا عن الأدلجة والتنابز الفقهي غير المؤسس له، يخلص النقيب امحمد الشقوري، أحد الحقوقيين والمناضلين الذين واكبوا فكرة التغيير والصراع من أجل الدمقرطة والتحديث، وكان دوما في صلب معركة المواجهة مع النكوصية والاستبداد الديني ..
المسألة غير مرتبطة لدينا بمن سينتصر على من، ولا بمن سيحوز نقاطا ضد الآخر، المتقوقع المحافظ الذي يستفيد من الجمود، قضيتنا أكبر من هذا ولا نود ولا في أجندتنا افتعال مواجهات تلهينا عن توضيح رؤيتنا للمراجعة المنتظرة للمدونة، لدينا مذكرة شبه جاهزة تقدم مقترحات من الديباجة إلى المادة الأربعمائة في النص الحالي، ولا نزال نواصل جولتنا في مدننا وقرانا ومداشرنا بغاية الوصول لتجميع أكبر عدد من المقترحات لتعضيد مسودة تعديلاتنا، نحن ننصت ..نتفاعل ..نناقش ..نختلف ..لكن هدفنا الترافع حول مدونة عصرية تقطع مع شوائب وتناقضات وعثرات وفجوات عشرين سنة تقريبا من الممارسة، التي بينت للجميع الضرورة القصوى للتغيير والمراجعة، تعود حنان رحاب في نفس اللقاء لبث الرسائل المفترض قولها وتوضيحها لكل من يعنيه الأمر ..
باقي المداخلات توزعت بين الربط التاريخي لمجريات الأحداث وتعاقب النقاشات الوطنية، سواء في الأحوال الشخصية أو الانتقال للمدونة وإخراج السؤال الحقوقي من جبة الديني، بل الفصل بينهما حتى لا يبتلع الثاني الأول باسم المقاصد والقراءات التأويلية المنغلقة، إلى حديث عن الوظائف والحقوق الأصيلة للمرأة والطفل والأسرة في التشريعات الدولية والوطنية …
الحضور النوعي المهتم أدلى بدلوه وقدم انتقادات هاجسها وتخوفها الوحيد العودة للمواجهات العقيمة التي عرفت ب»تيار الرباط» و»تيار كازابلانكا» بدل الانكباب على إصلاح ما تبين ضعفه أو قصوره في الوثيقة الحالية ..
كان لقاء بنفس تقدمي حضر فيه النقاش الهادئ والإنصات المتبادل في أمسية افتقدتها المدينة لمدة طويلة.