الحكومة تختار الصمت في مواجهة انتقادات المحتجين ومطالبهم

 

جماهير الوداد تدخل على الخط وترفع لافتة تعبّر عن مطالب «جيل زيد»

دعوات لاعتماد الحوار العقلاني وتفادي العنف في التعامل مع المحتجين الشباب

احتجاجات الشباب تتزايد وتدخلات السلطات العمومية يطبعها التردد وغياب «التصور الموحّد»

شهدت عدد من المدن مساء أول أمس الأحد تنظيم مجموعة من الوقفات الاحتجاجية من طرف عدد مهم من الشباب الذين خرجوا لليوم الثاني على التوالي إلى الشارع العام للاحتجاج وللتعبير عن رفضهم للواقع التعليمي والصحي، وللمطالبة بإصلاح عاجل لهما، مع العمل على أجرأة مفهوم ربط المسؤولية بالمحاسبة من خلال التصدي الفعلي لكل مظاهر الفساد التي قد تعرقل الجهود المبذولة على أكثر من صعيد للدفع بالوطن نحو تحقيق التنمية المنشودة في كل أبعادها والتي يمكن لكل مواطن ملامسة آثارها.

بين المنع «الهادئ» والصاخب

احتجاجات يوم الأحد عرفت مرة أخرى تدخلات للسلطات الأمنية والعمومية من أجل منعها، إلا أن الملاحظ أن التردد طبع تفاصيلها إلى جانب غياب التصور الموحد في كثير من الحالات، إذ في الوقت الذي سلكت فيه بعض العناصر الأمنية وممثلي الإدارة الترابية أسلوب الحوار بل وحتى الإيقاف، المرفوض طبعا، بشكل خالٍ من كل أنواع العنف، والذي يمكن وصفه بـ «الهادئ» فإن عناصر أخرى كانت تدخلاتها «صاخبة» تطبعها القوة، والتي تعددت صورها، ما بين السحل والجرّ وإحكام القبضة على أعناق الشباب المحتجين، بل أن شرطية قامت بسحب منديل شعر محتجة التي وجدت نفسها «معتقلة» وسط مجموعة من الأمنيين، إضافة إلى توقيف محتجّ رفقة رضيعته، وغيرها من المشاهد غير المرغوب فيها، التي كان من الممكن جدا تفاديها، باعتماد أسلوب الحوار والإنصات لشباب لا تربطه صلة ببعضه البعض، وجعلته مواقع التواصل الاجتماعي يخرج للشارع من أجل إيصال صوته بخصوص مطالب جد مشروعة.

من الشارع إلى «الأوطوروت»

عرفت الاحتجاجات التي شهدتها منطقة الفداء مرس السلطان بمدينة الدارالبيضاء يوم الأحد تطورا مختلفا عن احتجاجات السبت في وسط المدينة، إذ بعد أن تدخلت العناصر الأمنية والقوات العمومية من أجل تفريق المحتجين، احتمى المتظاهرون بأزقة درب المنجرة التي احتضنت احتجاجاتهم، وذلك بعد كرّ وفرّ بين أرصفة ساحة السراغنة وشارع الفداء وساحة بوشنتوف، قبل أن يتم التحول نحو درب القريعة فأزقة سيدي معروف، ثم صوب «الطريق السريع».
ودامت الاحتجاجات التي عرفها درب السلطان لساعات، طبعها منطق الكرّ والفرّ، مع ترديد الشعارات الرافضة للقمع وللتدخل الأمني، والمطالبة باحترام الحق في التعبير وإبداء الرأي، حيث كان المحتجون يقفون مدة ويركضون في لحظات أخرى، في الوقت الذي كان يتم بين الفينة والأخرى اعتقال محتجين الذين كان يتم اصطحابهم على «دوريات» الشرطة والقوات المساعدة، التي كانت تعمل على نقل أفواج منهم بشكل متوالٍ صوب مقر المنطقة الإقليمية لأمن الفداء مرس السلطان قرب شارع الناضور.
وشكّل نزول عدد من المحتجين إلى الطريق السريع لحظة توتّر بسبب عرقلة السير، حيث لوحظ العديد من الشباب وهم يصرون على قطع الطريق، والذين انضافت إليهم بعض جماهير فريق الوداد، بما أنه تم منعهم الاحتجاج في ساعة السراغنة بشكل هادئ وطبيعي، حسب تصريحات عدد منهم، الذين أوضحوا بأن أصواتهم لن يتم إسكاتها وبان مطالبهم عادية ولا دخل لها في أي حساب سياسي كيفما كان نوعه.

جماهير الوينرز تتضامن

بدورها جماهير الوينرز لم تفوّت فرصة استقبال فريقها الوداد البيضاوي لفريق نهضة الزمامرة، وأعلنت تضامنها مع شباب «جيل زيد»، وعبّرت عن ذلك برفعها لافتة تعبّر عن معاناة المواطن مع التعليم والصحة وتأثير ذلك على القدر الشرائية. وصدحت حناجر الجماهير الوداد لفترة معينة بمطلب إصلاح الوضع الاجتماعي للمغاربة وتقديم إجابات عن الإشكالات التي تعترض معيشهم اليومي من خلال تعبيرات متعددة.

المنع الجماعي

لم تكن الدارالبيضاء المدينة الوحيدة التي عرفت احتجاجات «جيل زيد» ففي العاصمة الرباط، تكرر نفس سيناريو السبت، حيث طاردت السلطات العمومية المحتجين، الذين تم إيقاف عدد منهم بشكل «هستيري» في بعض المرّات، في الوقت الذي كان يؤكد فيه عدد من الموقوفين على أن احتجاجاتهم هي سلمية ومشروعة ولا تسيء لأي جهة من الجهات، رافضين «شيطنتها» أو إدخال الشباب المحتج في حسابات غير واردة بالنسبة لهم ولا تعنيهم.
ولاحظت «الاتحاد الاشتراكي» كيف أن مجموعة من الشباب الذين تم إيقافهم كانوا يسيرون بشكل هادئ وواثق نحو سيارات الأمن التي كانت تعمل على نقلهم إلى المقرات الأمنية من أجل تحرير محاضر لهم، في الوقت الذي يؤكد فيه المعنيون بأنهم خرجوا بكل طواعية وبأنه ليس هناك أي تأطير لاحتجاجاتهم.
هذا المشهد تكرر في مجموعة من المدن، ومن بينها أكادير وأسفي وتطوان وطنجة، هاته الأخيرة التي استمرت الاحتجاجات فيها إلى ساعات متأخرة من الليل، بسبب المطاردات وتدخلات القوات الأمنية التي كانت مصحوبة بمنبهات صوت سيارات الدوريات ودراجات «الصقور» التي كانت تزيد من حدّة التوتر.

صمت حكومي

بالرغم من كل الاحتجاجات التي شهدتها مدن مغربية متعددة على امتداد يومين، إضافة إلى تعميم دعوة لكي يتواصل الاحتجاج يوم الاثنين انطلاقا من السادسة مساء، فإن الحكومة اختارت لغة الصمت، ولم يخرج لا ناطقها الرسمي ولا أي مسؤول حكومي للحديث عما يقع، وللكشف عن موقف الحكومة من هذه الاحتجاجات التي تأتي بحسب المحتجين للتنديد بفشل السياسات العمومية، ولتوضيح ما الذي يمكن أن تقدم عليه الحكومة من إجراءات تعبّر عن تلقّيها لرسالة المحتجين بكل مسوؤلية وتفاعلها مع المطالب المرفوعة وزرع جو من الطمأنينة والثقة.

تضامن عارم ودعوات لاعتماد الحكمة

دفع منع السلطات للاحتجاجات ومباشرة موجة اعتقالات في صفوف المحتجين إلى توجيه عدد من التنظيمات الحقوقية والفاعلين والمواطنين بشكل عام لنداءات تدعو إلى التبصر والحكمة في التعاطي مع احتجاجات شباب «جيل زيد»، وإلى التحلي بحسن الإصغاء والإنصات لمطالب هذه الفئة، التي تعبر عن احتياجات مشتركة بين جميع المواطنين، وإلى تحصين هذا الاحتجاج السلمي من كل اختراق أو استغلال وتوظيف من أي جهة كيفما كان نوعها، بنبذ العنف وكل مظاهر استعمال القوة.
وشدّد المعنيون في عدد من التصريحات والخرجات على أن نقاشا من هذا القبيل، والذي تعرفه الكثير من الأسر الذي يجمع الآباء والأمهات بأبنائهم، يجب أن يكون التعامل معه انطلاقا من فلسفة عنوانها الاحتضان، وذلك خلال التعاطي مع الوقفات التي تم تنظيمها والتي تبدو رسائلها واضحة للجميع.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 30/09/2025