بجهة سوس ماسة، إقليم اشتوكة ايت باها، معظم المواطنين فيها، هم من اليد العاملة في المزارع والضيعات. تبعد حوالي 80 كيلومترا عن مدينة أكادير، هي جماعة بيوكرى، منطقة فلاحية بامتياز، تحج إليها العاملات والعمال من مختلف مناطق الجهة ومن مدن جهات أخرى أيضا، كدمنات وأزيلال ومكناس وغيرها، تنتج مختلف أنواع الخضر والفواكه، وتوفر 90 في المئة من الإنتاج الوطني للطماطم. يتغنى الانسان هنا بثروة فلاحية كبيرة، ويصرخ في الوقت نفسه بوضعية اقتصادية مزرية، وبنية تحتية هشة.
حراك سلمي مستمر لعمال وعاملات القطاع الزراعي بإقليم اشتوكة ايت باها، ودعوة إلى تنفيذ إضراب عن العمل للمرة الثانية، وقد أصدرت لجنة دعم حراك العمال والعاملات المكونة من عدد من الإطارات المدنية بالإقليم، بيانا في هذا السياق، ساندت فيه نضالات العمال والعاملات، كما دعت إلى فتح حوار حقيقي تحضره كل الأطراف المعنية بالملف، واستنكرت أساليب الإقصاء والتضييق الذي تتعرض له بعض العاملات والعمال.
يوم من حياة عامل زراعي
في فترة زمنية عرفت ارتفاعا في الأسعار، شمل الخضر، الفواكه، اللحوم، الدواجن، السمك، الزيوت، وباقي المواد الغذائية، بينما ظلت الأجور ثابتة في مكانها. ولأن أجور العمال الزراعيين هزيلة، برز نوع من الغضب والسخط لدى الشغيلة، نابع من أوضاع اقتصادية ومهنية عانت منها منذ زمن بعيد، وعبروا عليها من خلال احتجاجاتهم ومطالباتهم برفع أجورهم، التي كانت بالأمس القريب لا تتجاوز 80 درهما لليوم الواحد، واليوم بلغت 90 درهما لليوم الواحد كأقصى حد.
تواصلت جريدة الإتحاد الاشتراكي مع بعض العمال الزراعيين ببيوكرى، لرصد تفاصيل أوضاعهم، وأحد هؤلاء “عزيز” البالغ من العمر 27 ربيعا، تحدث إلينا وكلامه يخفي بعض التعب، بعد يوم كامل من العمل، مثله مثل جل العمال الزراعيين ببيوكرى، يقوم بتحضير وجبة غذاء اليوم الموالي قبل النوم، يستيقظ قبل بزوغ الفجر، يتناول فطوره، مستعدا لبداية يوم يمتد 8 ساعات من العمل.
يصرح لجريدة الإتحاد الاشتراكي قائلا “كل يوم أنهض من مكاني في السادسة صباحا، أتوجه إلى مكان العمل الشاق، الذي يبدأ من الثامنة صباحا، إلى غاية الرابعة بعد الزوال، نستريح فيها نصف ساعة لتناول الغداء، ثم نواصل العمل تحت درجة حرارة مرتفعة، تشتد أكثر حينما نعمل داخل البيوت البلاستيكية”. أغلب العمال الزراعيين يمكثون في مقر العمل، حيث تتوفر الضيعات على بيوت ملتصقة ببعضها البعض، ويتقاسم كل بيت 4 أو 5 عمال.
قساوة العمل
قادمون من الهامش، باحثون عن لقمة العيش، يكدون ويكدحون طوال النهار، صامدون ويتأقلمون مع ظروف الحياة، يهابون مشغِّلهم، لأنه لا مكان يلجؤون إليه في حالة طردهم من مكان الإقامة، غير الهامش من حيث جاءوا. نساء ورجال يفقدون كرامتهم في هذا العمل، فضلا عن حقوقهم الذاتية والموضوعية.
يقول عزيز” نعيش هنا في غرف ملتصقة ببعضها في سطر واحد، الوضع كارثي، أتقاسم الغرفة مع 4 عمال آخرين، وفي المساء قد يحتاج المشغل لشحن السلعة، فيتم إيقاظ بعض منا، لعمل ساعة إضافية في الشحن، مقابل 10 دراهم. واصل العامل حديثه معنا مضيفا “نُعامل بنوع من القسوة والخشونة، تصل حد السب والشتم في بعض الحالات، وذلك لأن المشغِّل واع بحاجتنا للعمل”.
“ليس لنا يوم عطلة، كما لا وقت لدينا للراحة، ومن تغيب عن العمل يومان متتاليان يتم طرده”، هكذا عبر لنا عزيز بحسرة عن جزء مما يعيشه، مضيفا “نعيش منتجين لهم ومستهلكين، حيث هنا محل بيع المواد الغدائية، يرفع أسعار المواد 50 سنتيم وأكثر، حتّى في الخبز”. تسجيلات صوتية وضعتنا في صلب واقع مرّ، ونبرة عزيز كانت كفيلة كي نشعر بكمية التعب النفسي الذي يعيشه ويعيشه باقي العمال ببيوكرى.
صرخة الفلاحين.. أسئلة كتابية
إضرابات تحدث منذ مدة، بشكل متقطع، ناتجة عن ضعف حيلة العاملين/ات الزراعيين ببيوكرى، وعن انعدام فرص لاختيار واقع أريح وأفضل، هم القادمون من الهامش، لا بديل لهم عن العمل الشاق. قوبلت احتجاجاتهم بتدخل أمني، رفضته الساكنة والمجتمع المدني، وتم وصفه بـ “العنيف” و”غير المبرر”. تصدٍّ فرّق العمال ومنعهم من المطالبة بحقوقهم المشروعة بشكل سلمي.
وضعية دفعت النائبة البرلمانية عن حزب الإتحاد الاشتراكي بجهة سوس ماسة، “النزهة اباكريم”، لتوجيه سؤال كتابي لوزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، تساءلت فيه عن أشكال المراقبة التي تمارسها الوزارة الوصية، في الضيعات الفلاحية، والتدابير التي تعتزم القيام بها لأجل فتح الحوار بين المشغِّلين وبين الشغيلة الفلاحية، وعن الإجراءات التي ستتخذها لأجل ربط استفادة أصحاب الضيعات الفلاحية من مختلف أشكال الدعم والامتيازات بشرط تحسين الأوضاع المادية والمعنوية للعاملين والعاملات بتلك الضيعات. واعتبرت النائبة البرلمانية عن الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية أن “هذه الحركة الاحتجاجية جاءت نتيجة تراكم عدة أشكال من هضم حقوق الشغيلة الفلاحية”.
هموم تراكمت مع
مرور الزمن
استفسرنا عن أشكال هضم حقوق الشغيلة هاته، والتي تتعدد وتختلف، وتعد حاجزا أمام المرء يمنعه من مزاولة مهنته، خاصة النساء. فتواصلنا مع “الحسين اولحوس” نائب رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ببيوكرى، الذي صرح لجريدة الإتحاد الاشتراكي بأن “الحركة الاحتجاجية غير منظمة من أي جهة معينة، لأن ظروف العمال في القطاع الفلاحي بالمنطقة صعبة جدا. منذ تأسيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الانسان هنا في بيوكرى، بلغتنا مجموعة من الشكايات إلى اليوم، وعشنا رفقة العمال عددا من المآسي التي تعرضوا لها بسبب حوادث السير، بعضهم توفي وغيرهم أصيب بعاهة مستديمة، نتيجة استعمال وسائل نقل مهترئة، من طرف وسيط في التشغيل، الذي بمجرد امتلاكه لسيارة، يحمل العمال من “الموقف” نحو الضيعات بدون أية ضمانات قانونية”.
على غرار مشاكل التنقل، تحدث الحسين اولحوس عن الظروف القاسية أثناء العمل من داخل الضيعات، وغياب شروط الصحة والسلامة الجسدية قائلا: “هناك تغييب لشروط السلامة المهنية حقا، خاصة أثناء استعمال المبيدات الحشرية والأسمدة”، وكذلك استعمال ما يسمى ب”الأرجل الحديدية”، التي يقف عليها العمال أثناء القطف. كما أن هناك عددا من الإشكالات المتعلقة بالنساء، حيث استقبلنا مجموعة من الشكايات تتعلق بالتحرش الجنسي والعنف”.
في انتظار الحلّ
التهميش من خلفهم ومن أمامهم، والعجز يتربص بهم في جميع الحالات، ليس هناك منفذ لهم غير تعزيز الجهود وتكثيفها، من طرف الجهات الوصية، قصد مراقبة مهنتهم وحماية سلامتهم، من إهمال حقوقهم الانسانية والمهنية المكفولة والمشروعة. صرخاتهم قادمة من أعماق أجساد عانت وما زالت تعاني من ألم مدمر، بعضه بدني ناتج عن جهد العمل وصعوبته، وآخر مصدره إهمال ونسيان. فهل يا ترى ستتحسن أوضاع العمال الزراعيين بإقليم اشتوكة ايت باها من أجل وقف احتقان الشغيلة أم أنها ستستمر ويستمر الاحتقان معها؟