في تطور مرعب للأحداث، استحوذ مصير بوعلام صنصال المقلق والغامض ، أحد أبرز الكتاب الجزائريين، على اهتمام الرأي العالم الدولي بعد اختفائه المفاجئ أثناء رحلة إلى وطنه الجزائر. لم يُسمع عن صنصال، البالغ من العمر 75 عامًا، وهو كاتب معروف بانتقاده الدؤوب للنظام الجزائري ، منذ وصوله إلى الجزائر يوم السبت الفائت. وقد دق هذا الحدث ناقوس الخطر، ليس فقط بسبب السيناريو الغامض لاختفائه ولكن أيضًا بسبب الخلفية السياسية المشحونة المحيطة بتصريحاته في الأيام التي سبقت رحلته. وقد أثار هذا الحادث المقلق التدقيق الإعلامي، ودفع فرنسا إلى اتخاد ردود فعل رسمية، وألقى بظلال من القلق على الأوساط الأدبية والسياسية في فرنسا والمغرب الكبير.
وقد جاءت التقارير التي تفصل في اختفاء صنصال المفاجئ من مصادر إعلامية فرنسية كشفت عن قلق متزايد بشأن سلامته الجسدية والنفسية .
ووفقاً لهذه التقارير، فقد غادر صنصال وصحفي فرنسي، لم يتم الكشف عن هويته، باريس في نفس اليوم. ويُعتقد أن الصحفي يحمل الجنسية المزدوجة الفرنسية الجزائرية ، مما يزيد من تعقيد الأبعاد الجيوسياسية للقضية. ومع ذلك، لم يُسمع أي خبر عن صنصال ولا رفيقه منذ وصولهما إلى الجزائر. وتُركت عائلة الكاتب الشهير في ظلمة الغموض بشأن مكان وجوده، مما أدى إلى تصاعد الشعور بالقلق الذي امتد إلى ستة أيام دون أي اتصال إلى اليوم .
ولقد حثت الحكومة الفرنسية على التدخل بإرسال خطاب رسمي إلى نظيراتها الجزائرية لطلب توضيحات بشأن هذه المسألة. وفي محاولة لحل اللغز المعقد، من المتوقع أن تضغط فرنسا للحصول على إجابات بشأن ما إذا كان الكاتب قد تم اعتقاله، أو ما إذا كان محتجزًا في إقامة جبرية بمعزل عن العالم الخارجي، أو ما إذا كان اختفاؤه مرتبطًا بآرائه السياسية الصريحة. ويُشتبه في أنه عند وصولهما إلى مطار الجزائر، تعرض صنصال ورفيقه إما للاحتجاز أو قطعت اتصالاتهما، حيث توقفت إشارات هاتفيهما المحمولين فجأة. وقد أثارت هذه الانقطاعات المفاجئة احتمال تعرض الرجلين للتنصت من قبل السلطات أو قطع اتصالاتهما عمدًا.
لقد وضعت كتابات صنصال وتصريحاته العامة لفترة طويلة في وضع شخصي على خلاف مع المؤسسة السياسية في كل من الجزائر وفرنسا. وبصفته موظفًا حكوميًا سابقًا وحائزًا على جوائز أدبية مرموقة، غالبًا ما يستكشف العمل الأدبي لصنصال موضوعات القمع والتاريخ والهوية. ومع ذلك، فإن انتقاداته الجريئة للنظام الجزائري هي التي وضعته تحت المراقبة والمتابعة والتدقيق المستمرين. إن أعماله الشهيرة مثل ” الملائكة تموت في الصحراء ” تنتقد تعقيدات المجتمع الجزائري بعد الاستعمار، وفساد الحكومة وخنق حرية التعبير.
ومن المؤكد أن الظروف المحيطة باختفاء صنصال حدثت بعد تصريحاته الأخيرة خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة “فرونتير” الفرنسية، والتي أشعلت الجدل في الجزائر. وخلال المقابلة، أدلى صنصال بتصريحات أزعجت السلطات الجزائرية والكابرانات على حد سواء، وخاصة تعليقاته حول التاريخ الاستعماري للجزائر وعلاقتها بالمغرب. فقد أشار إلى أن افتقار الجزائر إلى هوية تاريخية متماسكة جعلها عرضة للهيمنة الاستعمارية الفرنسية بسهولة ، مقارناً ذلك بـ “التاريخ الإمبراطوري الطويل” للمغرب الذي قاوم الخضوع للقوى الاستعمارية. وعلاوة على ذلك، أيد صنصال خطة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية.
لا ينبغي الاستهانة بتأثير هذه التعليقات على الرأي العام في الجزائر . فلطالما كانت الجزائر حساسة تجاه أي انتقاد يتعلق بماضيها الاستعماري وعلاقته بالمغرب، وكلاهما لا يزالان يشكلان نقاط خلافية في هوية الأمة وسياستها الخارجية. ويُنظَر إلى التعبير علناً عن الدعم للسيادة المغربية على الصحراء باعتباره إهانة مباشرة للجزائر، وهو ما يجعل تصريحات صنصال مثيرة للجدال الساخن. وفي سياق حيث غالباً ما يُقابَل الاختلاف السياسي بالقمع، ربما كانت تصريحاته لتعتبر من قِبَل السلطات الجزائرية بمثابة تجاوز للحدود، وخاصة بالنظر إلى مكانته كشخصية عامة بارزة في مجال الأدب والفن.
وهذا يجعل اختفاء بوعلام صنصال أكثر إثارة للشكوك. ونظراً لسجله الطويل في الانتقادات العلنية للحكومة الجزائرية وتصريحاته الأخيرة بشأن قضايا سياسية حساسة، فهناك خوف واضح من أن يكون اختفاؤه بدوافع سياسية. والحقيقة أن عدم سماع أي أخبار عنه منذ وصوله إلى الجزائر يزيد من التكهنات بأن مصيره قد يكون مرتبطاً بنشاطه ومواقفه الصريحة لصالح المملكة المغربية ضدا على تجبر وتعنت السلطات الجزائرية.
لقد شهدت الجزائر في السنوات الأخيرة حملة قمع متزايدة ضد المعارضة، وخاصة ضد الشخصيات التي تتحدى الرواية الرسمية أو تنتقد الحكومة. وتندرج قضية صنصال في إطار نمط أوسع من المضايقة والترهيب للمثقفين والصحفيين والناشطين، الذين غالبا ما يجدون أنفسهم مجبرين على الصمت والتحفظ . وفي حين لم يرتبط صنصال صراحة بأي معارضة، فإن انتقاداته للنخبة الحاكمة وضعته بلا شك في موقف محفوف بالمخاطر. ومن المؤكد أن يكون اختفاؤه نتيجة لمحاولة عزل نفوذه، وخاصة في وقت تكتسب فيه آراؤه حول الجغرافيا السياسية في المنطقة اهتماما دوليا.
بالنسبة لفرنسا، أصبحت هذه القضية قضية حساسة دبلوماسياً. وباعتبارها مسقط رأس مسيرة صنصال الأدبية والبلد الذي ارتبط به منذ فترة طويلة، فإن فرنسا لديها مصلحة راسخة في ضمان سلامته. وقد أعربت الحكومة الفرنسية عن قلقها إزاء اختفائه وهي الآن تحت ضغط للتحرك بسرعة قبل فوات الأوان. ويزداد الموقف تعقيداً بسبب حقيقة مفادها أن العلاقات الفرنسية الجزائرية باتت حساسة، وتتشكل بفعل تاريخ من الاستعمار والصراع والتوتر السياسي المستمر. وبالتالي، فمن المرجح أن يخضع رد فرنسا للتدقيق من قِبَل سلطات الجزائر والمراقبين الدوليين على حد سواء. وقد يؤدي الفشل في تأمين الإجابات إلى تداعيات دبلوماسية كبيرة وخطيرة وزيادة التوتر في العلاقات بين البلدين.
وفي الختام، لا يشكل اختفاء بوعلام صنصال مأساة شخصية للكاتب وأسرته فحسب؛ بل إنه يعكس المناخ السياسي المعقد في الجزائر، حيث يقابل التعبير الحر والمعارضة بشكل متزايد بالتشكيك والقمع. وبينما تستعد الحكومة الفرنسية لطلب إجابات من الجزائر، ينتظر العالم بفارغ الصبر لمعرفة ما إذا كان سيتم العثور على بوعلام صنصال حيا أو ميتا ، أو ما إذا كان اختفاؤه سيظل تذكيرًا مؤلمًا بثمن قول الحقيقة للسلطة.
بوعلام صنصال من مواليد منطقة ثنية الأحد ولاية تيسمسيلت في الغرب الجزائري في 15 أكتوبر 1949 , وهو أديب فرانكوفوني جزائري وروائي . حصل في شهر جوان 2012 على جائزة الرواية العربية عن كتابه «حي داروين».