ارتباطا بفعاليات «موسم أبي يعزى» … « التصوف وأهميته في تعزيز الرأسمال اللامادي» محور ندوة بخنيفرة

بعد تعليق فعاليات «موسم الولي الصالح أبي يعزى»، بسبب جائحة كورونا، والتي حملت عام 2019 شعار «التصوف: من بناء الإنسان إلى تحقيق العمران»، تم استئناف التظاهرة هذا العام 2022 تحت شعار «قبائل بوحسوسن …فضاء للإشعاع الروحي والثقافي ودعامة للرأسمال اللامادي»، عاشت خلاله المنطقة، في الفترة الممتدة من 21 الى 27 مارس 2022، موسمها السنوي بما يحمله من طابع روحي تصوفي أصيل جعل منه ملتقى دينيا وحضاريا وثقافيا، وفاتحا للأبحاث التاريخية في طقوسه التي يرجع تاريخها إلى قرون طويلة.وتميزت التظاهرة باختيار منطقة مولاي بوعزة «مركزا صاعدا»، وبتقديم بطاقة تقنية في إطار البرنامج الوطني للتنمية المندمجة المتعلق بتحديد المراكز القروية الناشئة والمصادق عليها، من بينها 13 مركزا على مستوى الإقليم، منها 8 مراكز تم اقتراحها بمعية طلبة المعهد الوطني للتهيئة والتعمير، و5 بمعية مكتب الدراسات «إيرام أنتير»، حيث تبلغ التكلفة الإجمالية لمركز مولاي بوعزة 690 مليون درهم، على 3 أشطر، تتعلق بتهيئة وتجهيز البنى التحتية والمرافق والخدمات الأساسية، وذلك في أفق تنزيل اتفاقية تعاون مغربي – فرنسي تهم دعم مشروع تنمية المركز ، على خلفية زيارة عمل قام بها، عام 2019، وفد من إقليم خنيفرة لمدينة لوردز الفرنسية.
وبتنسيق وتعاون مع المجلس العلمي المحلي ، احتضن أحد فضاءات مولاي بوعزة، صباح يوم السبت 26 مارس 2022، أشغال ندوة علمية تحت عنوان «التصوف وأهميته في تعزيز الرأسمال اللامادي للأمة المغربية»، بحضور الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، د. محمد يسف، وعامل الإقليم، محمد فطاح، إلى جانب رؤساء المجالس العلمية المحلية لجهة بني ملال خنيفرة، ومنتخبين وبرلمانيين عن الإقليم، ورؤساء مصالح أمنية وخارجية، وعدد من الفاعلين المدنيين والجامعيين والباحثين في مجال  التصوف.وقام بتسيير وإدارة الندوة رئيس المجلس د. المصطفى زمهنى، وشارك فيها الأمين العام للمجلس العلمي بمداخلة في موضوع: «المدرسة المغربية في التربية والإصلاح: أبويعزى نموذجا»، ورئيس المجلس العلمي المحلي لبني ملال، ذ. سعيد شبار، بورقة حول «التصوف والتربية على القيم: أي علاقة»، ثم عضو خلية شؤون المرأة وقضايا الأسرة والطفولة بالمجلس العلمي المحلي ، ذة. سعيدة الفقير، في موضوع: «التصوف وأهميته في التنمية».
وقد افتتحت الندوة بكلمة رئيس المجلس العلمي المحلي ، الذي تناول ضمنها «مدى حاجة البشرية اليوم إلى ثقافة التصوف لأجل معالجة ادواء عصرنا ، الذي أجمع الباحثون على أن أزمته هي أزمة اخلاق»، إذ على الرغم مما حققه العالم من ثورة تكنولوجية ومعلوماتية هائلة، فإنها، في المقابل، «أثرت على منظومة القيم ، إلى أنأطغت النفعية المادية الاستهلاكية وأذكت التنافس على طلب شهوة المال والسلطة والرفاهية»، وروجت ل «ثقافة ترف أناني مجحف ارهق المجتمعات بتداعياته الروحية والنفسية والاجتماعية» ، لافتا إلى «حال عصرنا مع مشاكل الاضطراب والفوضى وفقدان السكينة والأمن النفسي والروحي»، مؤكدا على ما يحتاجه ذلك من «خلاص وعودة إلى الامداء البعيدة والعميقة في النفس والوجدان، والتماس التزكية بمنهج مؤصل، عقيدة وسلوكا، يرتقي بالإنسان نحو البناء والعمران»، و»لأن بلدنا بلد الأولياء، فإنه يلتمس أنوار الهداية من النبوة وورثتها من العلماء، ويسير على خطى الصالحين والأولياء الذين جعلهم الله أئمة في الدين وقدوة للعالمين، ويحرص على تخليد ذكر رموز التصوف ورجالاته باستصحاب مناقبهم وأخلاقهم».
من جهته، انطلق الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، د. محمد يسف، في مستهل مداخلته من التنويه بموضوع الندوة النابعة من «رؤية ملكية تولي اهتماما بالغا بمكونات الرأسمال اللامادي للأمة وبالتنمية الشاملة التي تنطلق في بلوغ أهدافها من استثمار هذا الرأسمال في النهضة والإصلاح والتربية وصيانة القيم»، مشيرا إلى «ما ينعم به بلدنا من أمن واستقرار نابعين أساسا من اختيارات أهل هذا البلد المتمثلة في ثوابت كانت ولا تزال سفينة عبوره، وهي ثوابت تحرسها إمارة المؤمنين التي أضحت نظاما إسلاميا عريقا يتناغم فيه الدين والسلطان»، مركزا على «روح التربية والإصلاح في المدرسة المغربية، من خلال نموذج الشيخ أبي يعزى يلنور»، مشخصا دلالة التصوف «كإحدى أهم الركائز التي تقوم عليها إمارة المؤمنين، ومدى مكانة أبي يعزة في قيم الصوفية والروحانية الواجب التحلي بها في الوقت الحالي»، مذكرا بما تكتنزه بلادنا من «إرث غني بعلمائه وصلحائه، وبرصيده الصوفي المتجذر في عمق التاريخ الإنساني والروحي»، ومستشهدا في ذلك بالندوة وسعيها إلى ترسيخ المبادئ السمحة وإبراز أهمية التصوف المغربي في الإصلاح والتربية المواطنة.
وتوقف المتحدث عند «مناقب وكرامات أبي يعزة،» كواحد من شيوخ التصوف «ممن علموا أهالي المشرق مبادئ التزكية الروحية والوجدانية، باعتراف عدد من الباحثين تطرقوا لحياة ومناقب هذا الشيخ الذي وصفه» د. يسف ب «الذي كان يحمل رسالة صوفية عظيمة وقامة من قامات أهل الصلاح»، شأنه شأن «باقي المشايخ الذين حملوا ما يكفي من الرسائل الدينية إلى كل بقاع العالم»، مذكرا، في الوقت ذاته، بدلالات الجبل الذي اختاره أبو يعزى مستقرا له، في ربطه ذلك بالجبل الذي اختار منه الرسول عليه السلام انطلاق دعوته.
وتناول رئيس المجلس العلمي المحلي لبني ملال، ذ. سعيد شبار ، ضمن مداخلته ، جوانب مما «ساهم به التصوف في ترسيخ قيم التضامن والتآزر والتسامح، وغيرها من القيم التي يتطلبها المجتمع في إرساء قواعد السلامة والتحصين»، وهو ما كان مدخلا تطرق منه المتدخل لما يسعى إليه موسم الولي الصالح أبي يعزى ب «اعتباره جزءا أساسيا من مغذيات القيم الروحية»، دون أن يفوت المتدخل تناول شخصية أبي يعزى في علاقته بالجانب الديني والتصوف السني للمغرب، والمناقب التي طبعت شخصيته داخل المجتمع العام.
ومن جهتها تطرقت عضو خلية شؤون المرأة وقضايا الأسرة والطفولة بالمجلس العلمي المحلي لخنيفرة، ذة. سعيدة الفقير، في مداخلتها حول موضوع «التصوف وأهميته في التنمية»، إلى أمثلة ونماذج مختلفة من سيرة ومناقب الشيخ أبي يعزى، مشددة على «أهمية القيم والأخلاق المستمدة من المنظومة الإسلامية»، والتي يشكل التصوف «مظهرا من مظاهرها، في تحقيق التنمية الشاملة، التي لا يمكن أن تحصل إلا من خلال التعريف بالرصيد العلمي والثقافي للذاكرة الإقليمية والثروة المؤثثة لرأسمالها اللامادي».
وموازاة مع فعاليات الندوة العلمية، سجلت المنطقة تنظيم معارض للمنتجات المحلية والتقليدية، وعروض وسباقات في الفروسية التقليدية، وبرامج فنية وأمسيات لفن المديح والسماع، مع زيارة جماعية ورسمية لمقام ضريح الشيخ أبي يعزى الذي يعد من أبرز المعالم الدينية والثقافية بالجهة، وقد تم ذكر هذا الشيخ لدى عدد من المؤرخين والعلماء، مثل أبوالعباس السبتي في «دعامة اليقين»، وابن الزيات التادلي في «التشوف»، والتميمي في «المستفاد»، والصومعي في «المعزى»، وأحمد التوفيق في «التاريخ وأدب المناقب» وبنمصور في «أعلام المغرب»، وغيرهم.


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 30/03/2022