ارتفاع أسعار لحوم الأبقار يضغط على القدرة الشرائية للمغاربة

شهدت أسعار لحوم العجل في المغرب ارتفاعا ملحوظا خلال الأشهر الأخيرة، حيث بلغ سعر الكيلوغرام الواحد في محلات التجزئة ما بين 110 و120 درهما، مقارنة بـ70 إلى 80 درهما خلال السنة الماضية. وأرجع مهنيون ومصادر من الفيدرالية البيمهنية للحوم الحمراء هذه الزيادة إلى عدة أسباب متراكمة، أبرزها ارتفاع تكلفة الإنتاج، وتراجع العرض المحلي، والتغيرات المناخية، وغياب ضبط فعّال للسوق.
و أعلن المرصد المغربي لحماية المستهلك في بيان رسمي عن قلقه من استمرار هذا الارتفاع، معتبرا أن أسعار لحوم العجل باتت خارج متناول شريحة واسعة من المواطنين، خاصة الفئات ذات الدخل المحدود.
واعتبر المرصد أن الوضع يتطلب تدخلا عاجلا من السلطات المختصة لحماية القدرة الشرائية وضمان الشفافية في السوق.
ويرجع المهنيون ارتفاع الأسعار إلى عدة عوامل مباشرة، من بينها الجفاف الذي أدى إلى انخفاض كبير في أعداد رؤوس الماشية، مما تسبب في نقص العرض. كما ارتفعت أسعار الأعلاف المركبة، حيث تجاوز سعر الطن الواحد في بعض الفترات 5000 درهم، مما أدى إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج بالنسبة للمربين.
تشير معطيات القطاع إلى أن المغرب فقد نسبة مهمة من قطيعه الوطني بسبب توالي سنوات الجفاف. ويقدر الانخفاض في عدد رؤوس الأبقار بما يقارب 30% خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وفقا لإحصائيات وزارة الفلاحة. هذا التراجع في الإنتاج المحلي انعكس مباشرة على أسعار اللحوم الحمراء في السوق الوطني.
بالإضافة إلى ذلك، ساهم ارتفاع أسعار المحروقات في رفع تكلفة النقل، مما زاد من كلفة تسويق اللحوم في مختلف المدن. كما تبين أن هامش الربح بين الجملة والتجزئة تجاوز في بعض الأحيان 30 إلى 40 درهمًا للكيلوغرام، وهو ما يدل على وجود اختلالات واضحة في سلسلة التوزيع.
في محاولة لاحتواء الوضع، سمحت الحكومة باستيراد لحوم العجل من دول مختلفة مثل البرازيل وإسبانيا، مع تخفيض الرسوم الجمركية لتسهيل إدخالها إلى السوق الوطنية. غير أن هذه التدابير لم تنجح في خفض الأسعار بشكل ملموس بالنسبة للمستهلك النهائي. أسعار الجملة للحوم المستوردة وصلت إلى 70 أو 80 درهما، لكن أسعار البيع بالتجزئة ظلت مرتفعة.
وتطالب الهيئات المهنية والحقوقية بإعادة هيكلة منظومة توزيع اللحوم في المغرب. ويرى المراقبون أن تعدد الوسطاء وغياب الرقابة الصارمة على الأسعار يشكلان أحد أبرز أسباب الغلاء. ويؤكد المهنيون أن بعض التجار يستغلون الظرفية لفرض زيادات غير مبررة، ما يضر بالمستهلك وبثقة المواطنين في السوق.
ينظم قطاع اللحوم في المغرب إطار قانوني يشمل القانون رقم 12.99 المتعلق بالسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، والقانون رقم 31.08 الخاص بحماية المستهلك، إضافة إلى قوانين المنافسة والزجر عن الغش. غير أن تفعيل هذه القوانين لا يزال ضعيفا على مستوى التطبيق والمراقبة الميدانية.
ويدعو المرصد المغربي لحماية المستهلك إلى تفعيل آليات المراقبة بشكل صارم، وتنظيم حملات تفتيش منتظمة في المجازر ومحلات البيع، مع فرض العقوبات على كل من يثبت في حقه التلاعب بالأسعار أو الغش في الجودة. كما شدد على ضرورة توعية المستهلكين بحقوقهم وحثهم على التبليغ عن أي تجاوزات.
الانعكاسات الاجتماعية لارتفاع أسعار لحوم العجل واضحة، إذ أصبحت العديد من الأسر، خاصة ذات الدخل المحدود، عاجزة عن اقتناء اللحوم الحمراء بشكل منتظم. ووفقا لتصريحات مواطنين من الدار البيضاء وفاس، فإن لحوم العجل أصبحت خارج قائمة المواد التي يمكن اقتناؤها أسبوعيا، وأصبحت مقتصرة على المناسبات.
في المقابل، تراجع الإقبال على لحوم العجل لصالح لحوم الدجاج وبعض البدائل الأرخص. كما أن بعض الأسر لجأت إلى تقليص كمية اللحوم المستهلكة، أو الاستغناء عنها كليا بسبب الأسعار المرتفعة. هذا التغيير في العادات الغذائية قد يؤدي إلى انعكاسات سلبية على التوازن الغذائي والصحي للمواطنين.
وتوصي الفيدرالية البيمهنية للحوم الحمراء بعدد من الإجراءات لدعم الإنتاج الوطني، منها تقديم دعم مباشر لمربي الماشية، وتوفير الأعلاف بأسعار مدعمة، وتشجيع إنشاء مجازر عصرية قريبة من مراكز الاستهلاك لتقليص تكاليف النقل.
كما تدعو الجمعيات المهنية إلى إحداث منصة وطنية لتتبع الأسعار في الزمن الحقيقي، تتيح للمواطنين والجهات الرقابية الاطلاع على الأسعار المرجعية، ومراقبة مدى احترامها من طرف المهنيين. وترى هذه الجمعيات أن الشفافية في الأسعار هي الخطوة الأولى لضمان عدالة السوق.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 26/08/2025