وقّع الكاتب الصحافي الموريتاني عبد الله ولد محمدي، عشية الأحد28 شتنبر، في أصيلة، كتابه الجديد «رحلة الحج على خطى الجد»، برواق محمد بن عيسى للفنون الجميلة في مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، وذلك ضمن فعاليات موسمها الثقافي الدولي الـ46، في دورته الخريفية بحضور نوعي ضم على الخصوص عدداً من المثقفين والإعلاميين والفنانين.
يستعيد ولد محمدي في هذا العمل، بعد نحو 130 سنة، الوقائع والمشاهدات التي أحاطت برحلة بحرية قام بها جده العلامة الشنقيطي محمد فال بن باب العلوي، سنة 1889، إلى مصر والحجاز، هو العالم الشنقيطي البارز المعروف بشغفه بالعلم والمعرفة، ما دفعه إلى خوض تجربة الحج، التي لم تكن مجرد رحلة دينية، بل فرصة لاستكشاف العالم الإسلامي والتفاعل مع ثقافات مختلفة.
تستعيد الرحلة، تبعا لطبيعتها ومساراتها المفترضة، شكل حياة سابقة، فيما تستعيد محطات من تاريخ وجغرافية شاسعة، بين بر وبحر، في رحلة ذهاب وإياب، تمتد بين موريتانيا والسنغال والمغرب ومصر والحجاز، يعيد فيها الكاتب رسم معالم الماضي، مع كثير من الشوق والحنين إلى أيام وشخصيات في فضاءات شهدت، مع مرور الوقت، تحولات عميقة.
يجمع الكتاب بين متعة السفر وسحر السرد، عبر استعادة أحداث ووقائع تاريخية وشخصيات متعددة كان لها حضورها في حياة الجد أو تقاطعت معها في سياق رحلة الحج، كما يخصص فصولا للحديث عن لقاءات جرت في أكثر من بلد ومدينة، بينها تلك التي جرت في الرباط وفاس، والتي تميزت بالاستقبال الذي خصص للجد من طرف سلطان المغرب، الحسن الأول. ومما نقرأ، في هذا الصدد، تحت عنوان «على انفراد مع السلطان»: «لم يتأخر السلطان الحسن الأول في استقبال الجد غداة وصوله فاس. قبل ذلك أخبره الحاجب الوزير أحمد بن موسى (باحماد) أن السلطان كثير الانشغال تلك الأيام، يستعد بدوره لزيارة طنجة ليلتقي العمال ورؤساء القبائل، ويضيف: ومع ذلك يريد أن يراك ويتبرك بك. بعدها فتحت له الأبواب واستقبله سلطان المغرب الأقصى رأسا لرأس».
في كتابه الجديد، يتحدث الحفيد عن نفسه وعن جده، في آن، ضمن خيط ناظم ينتصر لدفء العائلة والقيم التي تحملها وتمثلها. عن الذي مضى وعن الحاضر، في تحولاته المتسارعة التي غيرت كثيرا من الأمور والأحوال، بداية من وسيلة السفر، وكيف كانت، وصولا إلى ما كان يميز العلاقات بين الأفراد والجماعات داخل المجتمع، بشكل تبرز معه، بشكل سلس، مشاعر التضامن ومعاني التعلق بأواصر القرابة في أرقى معانيها. وبين رحلة الأمس وخطى اليوم وتعقب الكتاب للمسارات، انطلاقا مما تم تدوينه من طرف الجد أو في الزيارات الميدانية التي قام بها الحفيد إلى أكثر الأماكن التي وطأتها أقدام الجد، يتعاطف الحفيد مع جده، باسطا معاناته وباقي الحجاج، في طريقهم لأداء شعيرة الحج؛ من دون أن ينسى أن يضع قارئه في صلب التحولات التي طالت المنطقة، في تاريخها الحديث، بأسلوب سلس، مع كثير من التشويق والإفادة، نظرا للكم الكبير من المعطيات والمقارنات، على مستوى الأمكنة والأحداث التاريخية وسير الشخصيات، والفضاءات التي تدور فيها أحداثها، ذهابا وإيابا، انطلاقا من موريتانيا، وصولا إلى الحجاز، مرورا بالسينغال ومصر والمغرب.
ولد محمدي هو كاتب صحفي موريتاني متخصص في الشؤون الإفريقية، سبق له أن أصدر مؤلفات متنوعة المواضيع، تتراوح بين الكتابة الإبداعية والتوثيق لتجربة غنية على مستوى مهنة المتاعب، بينها “تومبكتو وأخواتها .. أطلال مدن الملح ومخطوطات”، ورواية “طيور النبع”، و”يوميات صحفي بإفريقيا .. وجوه وانقلابات وحروب”، و”المغرب وأفريقيا: رؤية ملك” ، و”شهود زمن.. صداقات في دروب الصحافة”. كما كانت له مشاركات في كتب جماعية، فضلا عن مساهمات في حقل الترجمة على علاقة بتجربته الإعلامية التي حاور خلالها عددا من قادة الدول، ومن ذلك ترجمته لمذكرات الرئيس السنغالي السابق ماكي صال، تحت عنوان “السنغال في القلب”، من الفرنسية إلى العربية.
وفي كلمة للأمين العام لمنتدى أصيلة حاتم البطيوي بمنايبة التوقيع، قال البطيوي إن «هذا الكتاب تجربة مفيدة، ولا أذيع سرا ولكنني أعرف حق المعرفة أن العمل في هذا الكتاب أخذ من زميلنا وصديقنا عبد الله ولد محمدي، جهدا كبيرا وبحثا مضنيا في تلافيف في الذاكرة وفي بحر المخطوطات الزاخر للعائلة في النباغية، مربط خيله والمركز الثقافي والروحي الكبير ليس في موريتانيا فقط، بل في بلاد المغارب وأفريقيا.
الكتاب يحكي تجربة الحج، بعضها كتبها ولد محمدي بنفسه وبعضها الآخر بحث عنه عبد الله ليصنع لنا مزيجا من الرواية والتحقيق الصحفي المبهر».
استقبله السلطان الحسن الأول بفاس .. عبد الله ولد محمدي يوقّع بأصيلة كتابه الجديد «رحلة الحج على خطى الجد»

بتاريخ : 30/09/2025