«استقلال المغرب شهادة على عمل 1950-1956»، لفليكس ناتاف

الذاكرة والتاريخ:أحرار فرنسا ودورهم في استقلال المغرب

صدرت عن المركز الثقافي العربي سنة 2022 الترجمة العربية لكتاب «استقلال المغرب شهادة على عمل 1950-1956» (L’Indépendance du Maroc Témoignage d’action1950-1956) لصاحبه فليكس ناتاف التي أنجزها محمد الواجيدي من دون أن يكتب لها النشر لأسباب موضوعية؛ فيما ستتكلف الباحثة نعيمة الواجيدي بمراجعته وتقديمه؛ وهو كتاب من الحجم المتوسط: يتكون من حوالي ثلاثمائة وخمس وثلاثون صفحة. ويضم الكتاب تقديما للترجمة العربية، وآخر للمترجم، ومقدمتين لكل من ألكسندر البارودي عضو المعهد وسفير فرنسا، والمرحوم عبد الرحيم بوعبيد، بالإضافة إلى مقدمة المؤلِّف. يتناول صاحب المؤلَّف موضوع استقلال المغرب في ستة فصول، تتناول وفق وثائق أصيلة، وشهادات حية نابعة من الذاكرة/ حيثيات حصول المغرب على استقلاله في ظل الأزمة التي أحدقت بالجمهورية الفرنسية، والتي انتقلت عدواها إلى المغارب. والجدير بالذكر أن الترجمة العربية لهذا الكتاب ظلت حبيسة الرفوف دون أن يكتب لها النشر، حيث ترك المرحوم محمد الواجيدي نسخة مصورة من مخطوطة ترجمته لهذا الكتاب النفيس لدى صديقه «موسى هروال» والذي سيسلمها بدوره وفي ما بعد لصديقهما المشترك «محمد الحفيان». هذا الأخير سيزود نعيمة الواجيدي بهذه النسخة وعلى يدها خرجت الترجمة العربية بعدما قامت بمراجعتها وتدقيقها وملء البياضات التي اعترتها حتى تكون جاهزة للنشر وقابلة للقراءة.
تعتبر هذه الترجمة وثيقة مهمة بالنسبة للمكتبة العربية والتي ستمكن من فهم تاريخ المغرب الراهن، وإزالة اللبس عن بعض القضايا التي طبعت العلاقات المغربية- الفرنسية خلال فترة الحماية وبخاصة خلال خمسينيات القرن الماضي؛ بل لن نبالغ إذا قلنا إنها ستسمح للمهتم بدراسة هذه العلاقات إسقاط أحكام القيمة التي رافقتها لعقود من الزمن بشكل أصبح فيه تناول هذه العلاقات نمطيا لا يجدي نفعا ولا يشفي غليلا؛ فالكتاب يقدم صورة أخرى تبرز الدور الذي لعبه الفرنسيون «أصدقاء المغرب» أو (الفرنسيون الأحرار: المدرسون، الموظفون، النقابيون، الآباء المسيحيون، الأطباء، المحامون، المستوطنون…) في الدفاع عن سيادة المملكة المغربية وعرشها، وهي النقطة التي لا ينتبه إليها العديد من الباحثين المهتمين بتاريخ الحماية واستقلال المغرب؛ ذلك أن صاحب الكتاب فليكس ناتاف وثق كل أنشطة «جمعية الصداقات المغربية» من أنشطة ومراسلات ووثائق، ومقالات تعتبر اليوم مادة مصدرية لإعادة كتابة تاريخ العلاقات المغربية- الفرنسية خلال الفترة الراهنة وفهم خصوصياتها اليوم.
ومن جهة أخرى، فقد بذلت الباحثة «نعيمة الواجدي»، والتي يعود لها الفضل في إخراج هذه النسخة في صيغتها العربية، دورا مهما وجهدا مضنيا؛ فقد وجدت نفسها أمام نسخة رديئة، مستنسخة من مخطوطة، من قبيل البياضات التي اعترتها، أو البثور التي نالت من صفحاتها، أو الصفحات التي ضاعت من المخطوطة الأصلية مما سيضطرها إلى الرجوع إلى النسخة الفرنسية الأصلية لتدارك هذه الصعوبات. كما بذلت المراجِعة دورا مهما في إكمال بعض الكلمات المختزلة في حروفها الأولى المتضمنة في المخطوطة؛ خاصة أسماء بعض الجمعيات، والأحزاب، والهيئات التي كثر ذكرها في الكتاب.

الأهمية التاريخية للكتاب والمُؤلِّف:

ولد فليكس ناتاف بمدينة القيروان بتونس سنة 1895م وهو من عائلة يهودية؛ استقر به المقام بالمغرب حيث أسس رفقة أصدقائه المسيحيين واليهود المغاربة والمسلمين جمعية « الصداقات المغربية» سنة 1951، وقد أغنى المؤلف المكتبة بعدة مؤلفات قيمة؛ نذكر على سبيل المثال لا الحصر الكتاب الذي نحن بصدد قراءته: «استقلال المغرب…» وكتاب: «يهودي مغاربي»، وكتاب: «أقول ما أفكر فيه»، وقد وافته المنية سنة 1983 عن عمر ناهز ثمانية وثمانين سنة.
لم يكن هدف فليكس ناتاف من تأليفه لهذا الكتاب هو التأريخ لمسألة النضال من أجل الاستقلال، بل كان مبتغاه الرئيسي هو البحث في ذهنيات الذين عاشوا هذه الفترة الحرجة من تاريخ العلاقات المغربية الفرنسية؛ مغاربة وأعضاء جمعية «الصداقات المغربية». لهذا فالكتاب يسلط الضوء على نقطة حساسة في تاريخ العلاقات المغربية الفرنسية خلال الفترة الراهنة، والتي لم ينتبه إليها العديد من الباحثين من كلا الطرفين وذلك في اعتقادي لأمرين اثنين هما: الأول لحساسيتها والثاني لغياب الموضوعية التاريخية أثناء تناول هذا الموضوع؛ يتعلق الأمر بمسألة الدور الذي لعبه الفرنسيون الأحرار في الذود عن الوحدة المغربية سيادة وعرشا وهو ما صرح به المرحوم عبد الرحيم بوعبيد قائلا «الفرنسيون الأحرار هم من قاموا بإبعاد ابن عرفة عن العرش… بل إن إعلان الحماية استقلال المغرب قد تم بمشاركتهم الفعالة، وهذا ما لن ينساه لهم المغاربة أبدا» (تقديم المترجم ألكسندر بارودي،ص،13).
يعد هذا الكتاب وبحق وثيقة ثمينة أغنت الخزانة المغربية فهو يكشف النقاب عن جوانب ظلت طي الكتمان نظرا لحساسيتها، توضح إلى أي مدى ساهم الفرنسيون الأحرار في حصول المغرب على استقلاله. وقد انتبه مؤلف الكتاب إلى دور هؤلاء الذين تجمعهم نفس الأهداف مع نظرائهم المغاربة والفرنسيين الذين كانوا يعيشون خارج المغرب في فرنسا ليتم تتويج ذلك بتأسيس جمعية « الصداقات المغربية» على يد مؤلف الكتاب.
إن أهمية الكتاب تكمن في كون صاحبه أقام في المغرب منذ سنة 1916، وهي فترة مكنته من الاحتكاك بسلطات الحماية والمناضلين المغاربة أهلته لبناء صداقات مع العديد منهم؛ سيما أولئك الذين منحوه ثقة كاملة زادته همًّا بضرورة توطيد هذه الصداقة والحفاظ عليها مما سيمكن لاحقا من الحفاظ على الصداقة الفرنسية –المغربية وهو ما سيضطره منذ خمسينيات القرن الماضي إلى بذل المزيد من الجهود لمأسسة هذه الصداقة بمعية نخبة من المغاربة والفرنسيين ليتم الإعلان على يديه عن ميلاد جمعية «الصداقات المغربية» خلال شهر مارس من سنة 1951.ستبرز في ما بعد أهمية كتابه الذي يعد وبحق ترجمة حقيقية لهذه الصداقة الموثقة بالدليل والوثيقة والتي يمكن ملامستها من خلال عمل الطرفين بكل جد ونكران للذات على وضع السيادة المغربية، وعودة الملك من منفاه فوق كل الاعتبارات والمصالح الشخصية؛ فالكتاب يعكس كيف تخطى هؤلاء الصعاب والمخاطر للحفاظ على سمعة فرنسا ووفاءها للتقاليد التحررية للجمهورية. إن راهنية الأحداث الموثقة في هذا الكتاب تتمثل في كون مقدم هذا الكتاب السفير السابق «ألكسندر بارودي» التقى شخصيا مع فليكس ناتاف موازاة مع الأحداث الدامية لمكناس، وقضية اختطاف طائرة «بن بلة» حيث كانت العلاقات بين البلدين على شفا حفرة وبالتالي أصبحت مسألة إعادة الثقة بين المغرب وفرنسا قضية رأي عام .كما أن الكتاب يناقش بالتفصيل مرحلة حرجة من تاريخ الصراع المغربي-الفرنسي من خلال تحديد ملابساتها وتسليط الضوء على مواقف أحرار فرنسا؛ من أحزاب ونقابات، وهيئات، وكذا مواقف الحركة الوطنية وجيش التحرير الرافضين للمشروع الفرنسي المهيمن وبخاصة مواقف «إيكس ليبان» التي تمخض عنها حصول المغرب على استقلاله وعودة المغفور لها محمد الخامس إلى أرض الوطن.
لقد سبق للمغفور له محمد الخامس أن صرح في خطاب ألقاه أمام وفد الفرنسيين الأحرار، مؤرخ في 28 فبراير من سنة 1956 بباريس؛ أن هؤلاء يمثلون بحق رمزا للصداقة الفرنسية – المغربية نظرا لجهودهم النبيلة الرامية إلى توعية الشعب الفرنسي بعدالة القضية المغربية رغم الصعاب التي كادت أن تعصف بهذه الصداقة والأخطار التي أحدقت بها.
يجمع معظم المؤرخين على السبق الذي حظي به مؤلِّف الكتاب في تطرقه إلى دور أحرار فرنسا في نيل المغرب استقلاله وعودة ملكه إلى المغرب؛ سيما أنه تطرق إلى تاريخ السنوات الأخيرة من تاريخ المغرب أو بالأحرى الفترة الممتدة من تاريخ تحرير فرنسا إلى استقلال المغرب. إن السنوات الأربع التي ظلت فيها فرنسا تحت رحمة المد النازي، جعلتها منطوية على نفسها لا تعي ماذا يجري في مستعمراتها الشمال- إفريقية.كما أن المرحلة اللاحقة لهذا الكمون سيحيي في فرنسا «نزعة استعمارية مجنونة» لإعادة أمجادها، وفي نفس الوقت محاولتها ترميم بيتها الداخلي باستتباب الأمن وتفويض السلطة للمقيمين العامين لاتخاذ قرارات انفرادية منذ عهد ليوطي. وقد وجد المغرب نفسه ضحية صراع طرفين فرنسيين أولهما المستوطنون الذين كان همهم، الحفاظ على مكتسباتهم في أرض المغرب والترويج للمضايقات التي كانت تنالهم من طرف الإداريين الفرنسيين وسلطات الحماية من خلال الاستعانة بالبرلمان الفرنسي والأحزاب والصحف. ومن جهة أخرى، هناك طرف آخر لا يقل أهمية عن الأول وهم إداريو إدارة الحماية بالمغرب وهي فئة مدللة متمتعة بامتيازات ومكافآت نظير عملها الذين كانوا يقومون ببعض الأعمال المنافية للنظام الفرنسي والمتعارضة مع بنود عقد الحماية وهو ما سماه صاحب المؤلف بظاهرة «انفصال الإدارة في المستعمرات عن الإدارة في باريس» .
تعتبر الفترة التاريخية منذ حكم الجنرال نوكيس (Noguès)إلى استقلال المغرب فرصة للتعرف على الجانب الوحشي – الهمجي للسياسة الفرنسية بالمغرب، ويتضح ذلك من خلال الأحداث الدموية التي طبعتها هذه الأحداث هي من ستضطر أحرار فرنسا إلى تنبيه الحكومة الفرنسية أن الأمور تسير في غير محلها سيما أن تعنت الإدارة الفرنسية بالمغرب لا يمكن أن تؤدي سوى إلى أحداث تهدد الكيان الفرنسي وهوما اتضح بالفعل بعد مقتل لوميغر-دوبروي (Lemaigre-Dubreuil).

شهادة عبد الرحيم بوعبيد حول فليكس ناتاف وكتابه:

يمهد المرحوم عبد الرحيم بوعبيد في تقديمه لكتاب استقلال المغرب لصاحبه فليكس ناتاف بقولة شهيرة للقديس أوغسطين والتي مفادها أنه «لا يمكن معرفة أي شخص إلا عن طريق الصداقة…» وعلى هذا الأساس يقر عبد الرحيم بوعبيد أن صاحب الكتاب وعلى الأرجح قد كان الأكثر نشاطا بين الفرنسيين الأحرار بالمغرب مما يزيد من موضوعية كتابه وأهمية الأحداث التي سردها بين دفتيه. ففي سنة 1953 وفي عز الأحداث التي رافقت نفي المغفور له محمد الخامس سيتعرف عبد الرحيم بوعبيد على جمعية «الصداقات المغربية « انطلاقا من الأخبار التي كانت تصله عنها وهو يقضي عقوبته السجنية بسجن الدار البيضاء بمعية أصدقائه ورفاقه في النضال، ومن جملة هذه الأخبار رفض بعض الفرنسيين الأحرار للسياسة الفرنسية الجديدة بالمغرب القائمة على قمع واعتقال وتنفيد إعدامات بدون محاكمة في حق المناضلين. يعترف «عبد الرحيم بوعبيد» بكون هذه البادرة الطيبة الصادرة من الفرنسيين رفعت من معنويات المناضلين الذين عبروا عن فرحهم ورفعت من معنوياتهم بشكل يحفظ كرامتهم وسيادة البلد وشخص الملك محمد الخامس.ولم يبالغ عبد الرحيم بوعبيد» حينما صرح في تقديمه لهذا الكتاب أن فرنسي المغرب الأحرار أصبحوا هم المفضلون لدى الحركة الوطنية لمناقشة تداعيات الحملة المناهضة للاستعمار في المغارب و التي ارتبطت باسم «فرونسوا مورياك» ([François Mauriac) بالإضافة إلى الأحزاب والهيئات والصحافة . كما يقر بوعبيد أن الكتاب ليعد وثيقة لا محيد عنها لمعرفة حيثيات وتفاصيل هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الصداقة المغربية-الفرنسية؛ فالرجل كان مثابرا ويقظا وكان يشاطر الوطنيين بكون السيادة المغربية خط فاصل في هذه الصداقة ولا يمكن أن تكون على حسابها. ولابد من الإشارة، كما نوه إلى ذلك عبد الرحيم بوعبيد، من كون أحرار فرنسا سوف يصبحون «الأمناء الحقيقيين لسلطات الجمهورية الفرنسية بالمغرب» مباشرة بعد تعيين «بواييه دولاتور» (Boyer de Latour) مقيما عاما بالمغرب وهنا يتساءل عبد الرحيم بوعبيد ماذا كان موقف هؤلاء من قضية إبعاد الملك الشرعي وتعيين ابن عمه ابن عرفة سلطانا؟
كل هذه التكهنات والشكوك التي راودت عبد الرحيم بوعبيد تمخضت وهو في السجن وبعد خروجه منه سنة 1954 حاول جاهدا التقرب من هؤلاء والتعرف على نواياهم ومصداقية موقفهم من مسألتي السيادة والعرش. إن الأحداث الموثقة تثبت أن هؤلاء كانوا إما يريدون أن يحافظوا على مصالحهم في المغرب أو كان همهم أكبر من ذلك وهو الحفاظ على الصداقة المغربية-الفرنسية، ويتضح هذا لما وقع ثلاثة عشر أستاذا من ثانوية ليوطي رسالتهم الشهيرة (La lettre des treize enseignants ) والتي فضحوا فيها تزييف الإعلام للوقائع، والحقائق المرتبطة بالقمع، والاستفزاز والحكم على النقابيين بالإعدام دون محاكمة. تمة واقعة يستشهد بها عبد الرحيم ترجح النوايا الحسنة لأصدقاء المغرب الفرنسيين وهي قضية «جاك بيرك» (Jacques Berque) الضابط الذي أوكلت إليه مهمة البحث في تحديث البنية الاجتماعية من خلال تحديث القطاعات الزراعية في وقت وجد فيه نفسه أمام متناقضات جعلته يصرح بأعلى صوته: « إما أن يكون التحديث كاملا، وإما ألا يكون…» وهي العبارة التي جرت عليه ويلات سلطات الحماية التي اضطرته إلى الاستقالة من منصبه سنة 1946 بعد أن مكث فيه ثلاثة سنوات (1943/1946).
ينتهي عبد الرحيم بوعبيد في تقديمه لكتاب «استقلال المغرب « لصاحبه فليكس ناتاف أن الفرنسيين الأحرار لم يعرقلوا أبدا مسار النضال الوطني الذي كان بوعبيد جزء منه، كما أنهم قدموا الدعم الكامل لهذا النضال.
يخلص فليكس ناتاف إلى أن الفضل في استقلال المغرب يعود بالأساس إلى العمل النضالي الذي أبلى فيه الوطنيون المغاربة بمعية أصدقائهم الفرنسيين، المنضوون تحت لواء جمعية «أصدقاء المغرب»، البلاء الحسن؛ لكن لم يكن ليتحقق لولا العمل الإنساني الذي أبان عنه أصدقاء المغرب الفرنسيون الذين كانت تهمهم العدالة أكثر من أي شيء آخر، وفي نفس الوقت ينبه صاحب المؤلف القارئ إلى كون أخطاء جسيمة أخرت استقلال المغرب وكادت أن تعصف بالعلاقات المغربية- الفرنسية ومنها؛ غياب سياسة واضحة ومحددة من كلا الطرفين الفرنسي والمغربي غداة الحرب العالمية الثانية، وقضية نفي السلطان الشرعي للبلاد والذي أعقبته مقاومة مسلحة تمثلت في العمل الفدائي، وعمل جيش التحرير إلى درجة أن هذا الحدث ظل موشوما في الذاكرة المغربية حيث يحتفل المغاربة كل 20 غشت بتخليد هذه الذكرى باعتبارها ثورة ملك وشعب على الإدارة الفرنسية المستعمرة، وكذا مماطلات حكومة إدغار فور بعد مؤتمر إيكس-ليبان والتي أدت في الأيام الأخيرة إلى تغير رأي الكلاوي لموقفه بشكل مفاجئ.

ماذا يستخلص
من المؤلف:

يستنتج من كتاب «استقلال المغرب « لصاحبه فليكس ناتاف» أن المرجعية التي اعتمدها صاحبه في تحريره لمؤلفه مرتبطة بكونه كان شاهدا عيانا على أحداث مغرب الخمسينيات، وهي فترة يقفز عليها المؤرخون لدواعي موضوعية؛ مرتبطة عادة بندرة الوثائق والتي في معظمها تكون سرية للغاية (Documents très secrets)لا يمكن الاطلاع عليها سواء تعلق الأمر بوثائق «إيكس-أون –بروفنس» أو وثائق الخارجية الفرنسية بنانط (CADN) وكذا وثائق العائلات التي يٌفرض عليها حصارا من لدن العائلات المالكة؛ اللهم إذا استثنينا الوثائق التي قدمت في شكل هبة لمؤسسة أرشيف المغرب وهي معدودة ولا تفي الغرض. أو لأسباب ذاتية مرتبطة بتكوين المؤرخ ومواقفه والحساسيات التي يمكن أن يطرحها هذا الموضوع سيما حيثيات الأيام الأخيرة لإعلان استقلال المغرب، وما رافقه من تضارب في الآراء بين المؤسسة الملكية، وإدارة الحماية، والوطنيون، والخونة الذين فرضتهم فرنسا عنصرا للتفاوض حول استقلال المغرب. لكل هذه الاعتبارات أرى أن العمل الذي قدمه «فليكس ناتاف» يفرض ذاته بقوة أولا لكونه ذاكرة شاهدة على الأحداث وثانيا لأنه يتضمن وثائق ثمينة تجيب على الكثير من الأسئلة التي ظلت عالقة في فهم حيثيات هذا الاستقلال؛ وربما تعد بمثابة الحلقة المفقودة في تتبع مسار استقلال المغرب وعودة ملكه الشرعي. ومن جهة أخرى فالتاريخ الراهن للمغرب تكتنفه عدة صعوبات مرتبطة بضرورة الانفتاح والتوصل إلى المذكرات التي دونها الفرنسيون الذين كانوا يقيمون في المغرب وبخاصة الذين جمعتهم صداقات مع جيرانهم المغاربة، وهي مذكرات ولشدة الأسف يحتفظ بها حفدتهم ولا يمكن الوصول إليها إلا بالسفر إلى موطنها بغاية البحث العلمي الرصين، وإعادة كتابة تاريخ استقلال المغرب من أسفل وليس من أعلى.


الكاتب : ربيع الرشيدي

  

بتاريخ : 03/01/2025