اعتمادات مالية ضعيفة للوقاية والرصد الوبائي والأم والطفل في مشروع الميزانية الفرعية لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية

في الوقت الذي تلتهم فيه الأمراض المزمنة نصف ميزانية الصناديق الاجتماعية وتتّسع رقعة انتشارها

 

خصّص مشروع قانون مالية سنة 2023 غلافا ماليا لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية يصل إلى 28 مليارا و 130 مليونا
و252 ألف درهم، بزيادة قدرها 4.587 مليار درهم، أي ما يمثل نسبة 19 في المئة مقارنة بميزانية 2022. ميزانية فرعية لقطاع بالغ الأهمية يشهد أوراشا عديدة من أجل الإصلاح الشامل للمنظومة الصحية وتجويدها بما يستجيب للانتظارات الكبرى وللتحديات والإكراهات التي قد تعترض ذلك، وعلى رأسها ما يتعلق بتعميم التغطية الصحية في ظل الخصاص الكبير في الموارد البشرية.
وجاء مشروع قانون مالية سنة 2023 مكرّسا لفقر في التصور الحكومي من أجل الإجابة عن معضلة الخصاص والهدر على مستوى الموارد البشرية الصحية، في كل الفئات ومختلف التخصصات، بالنظر إلى أن عدد المناصب المالية المخصصة لم يتجاوز 5500 منصب مالي، أي أنه لم يتم تسجيل أي مستجد في هذا الصدد، وهو ما لا يعد بتحقيق الشيء الكثير بحسب العديد من المتتبعين للشأن الصحي، خاصة في ظل استمرار مظاهر العزوف عن الالتحاق بالصحة العمومية وهجرة الكفاءات الصحية نحو الخارج، التي امتدت لتشمل حتى الطلبة في المراحل الأخيرة من تكوينهم الطبي، فضلا عن التقاعد ورفض القيام بالمهام من أجل قبول الاستقالات وغيرها من التحديات الأخرى.
وإذا كانت ميزانية التسيير الخاصة بالموظفين «تلتهم» قسطا مهما من الغلاف المالي المخصص للقطاع، والتي تم تخصيص مبلغ 13.455.252.000 لها خلال سنة 2023 مقارنة بـ 11.367.550.000 في سنة 2022 أي بارتفاع يقدّر بـ 2087702000 وما ما يمثل نسبة 18 في المئة، إلى جانب الرفع من السقف المخصص للمعدات والنفقات المختلفة، فضلا عن الشق المتعلق بميزانية الاستثمار، فإن توزيع الاعتمادات حسب البرامج الميزانياتية يفتح الباب عريضا للعديد من التساؤلات، لاسيما في المحور المرتبط بالرصد الوبائي واليقظة والأمن الصحيين والوقاية ومراقبة الأمراض، الذي يعتبر محورا بالغ الأهمية وأساسيا، خاصة في ظل المتغيرات الوبائية التي يشهدها العالم وتواتر الجائحات التي ترخي بتبعاتها، ليس على المستوى الصحي فقط، وإنما تمتد لتشمل ما هو اجتماعي واقتصادي.
وجاء الاعتماد المخصص لهذا المحور في ذيل قائمة الاعتمادات والذي يصل إلى 144.247.116 درهما، مسبوقا بما تم تخصيصه للصحة الإنجابية وصحة الأم والطفل والشباب والساكنة ذات الاحتياجات الخاصة المتمثل في 258921450، علما بأن هناك التزامات ومجموعة من الأهداف المرتبطة بالتنمية التي يجب تحقيقها، وهو ما كان يتطلب تخصيص اعتمادات أكبر، لأهمية المحورين معا، والحال أنهما احتلا المركزين الأخيرين من الناحية المالية. ويؤكد المختصون أن تخصيص درهم واحد في مجال الوقاية يمكّن من ربح 8 دراهم على مستوى كلفة العلاج، وذلك لتفادي السقوط في الأمراض، خاصة منها المزمنة، والتمكن من الكشف المبكر عن العلل، بشكل يتيح علاجها مبكرا وبأقل كلفة. وتبيّن الأرقام أن 78 في المئة من الوفيات في المغرب هي ناجمة عن أمراض غير معدية، من قبيل داء السكري وضغط الدم والكلي وأمراض السرطان، التي تعتبر أمراضا مكلفة، وتلتهم نصف ما هو مخصص من ميزانية الصناديق الاجتماعية، والحال أنه يمكن تقليص دائرة انتشارها وبالتالي الحفاظ على صحة وسلامة المواطنين وترشيد النفقات الصحية الموجهة للعلاجات باعتماد سياسة وقائية عقلانية وتخصيص ميزانية محترمة لها، الأمر الذي تغيب ملامحه عن مشروع قانون مالية سنة 2023 في الشق المتعلق بالصحة والحماية الاجتماعية.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 04/11/2022