أجمعت الصحافة الوطنية والدولية على أن افتتاح كأس إفريقيا للأمم 2025 شكل حدثا فنيا قائما بذاته، ولم يتعامل معه من طرف المغرب كلحظة عابرة في روزنامة كرة القدم، بل كفعل ثقافي مقصود، أراد أن يقول ما تعجز عنه الخطابات الرسمية، وأن يقدم القارة الإفريقية في صورة، وإيقاع، وحركة.
منذ الدقائق الأولى، سجلت العديد من وسائل الإعلام أن الرهان تجاوز حدود التنظيم المحكم نحو صناعة مشهد بصري وثقافي يليق بصورة المغرب كبلد مضيف، وبإفريقيا كفضاء حي ومتعدد الهويات. حفل الافتتاح لم يبن على منطق الإبهار المجرد، بل على وضوح سردي دقيق، جعل العرض يبدو كحكاية متصلة لا كسلسلة فقرات منفصلة.
وتوقفت التغطيات والتحليلات مطولا عند البعد الفني للافتتاح، معتبرة أنه عرض محسوب بعناية، لا يغرق في الاستعراض الفولكلوري السطحي، بل يشتغل على لغة فنية مفهومة عالميا، قوامها الإيقاع، والضوء، والحركة الجماعية. هذا الاختيار، في نظر الصحافة، منح الحفل قدرة على مخاطبة جمهور غير إفريقي، دون التفريط في العمق الهوياتي للقارة.
الرسالة الرمزية للافتتاح كانت حاضرة بقوة في قراءات المتتبعين. كثير من التقارير وصفت العرض بأنه احتفال بإفريقيا ككل، لا بالمضيف وحده، حيث قدمت الفقرات الفنية كسرد بصري متكامل، يبدأ من الجذور الإفريقية الأولى، ويمر عبر تنوع الثقافات واللغات، ليصل إلى إفريقيا المعاصرة، الواثقة والمنفتحة على العالم. هذا التدرج منح الافتتاح معنى يتجاوز الترفيه، ليؤسس لخطاب ثقافي واع بمكانة القارة وصورتها.
وفي هذا السياق، برزت الهوية المغربية بكل غناها وتعدد روافدها. المغرب قدم كما هو، بلد أمازيغي في جذوره، عربي في لغته، إفريقي في عمقه، ومتوسطي في انفتاحه. الإيقاعات المغربية المتعددة والمتتوعة ، لم تستدعَ كزينة تراثية، وإنما كجزء أصيل من الذاكرة الجماعية، جرى إدماجها داخل بنية العرض بانسجام مع الإيقاعات الإفريقية الكبرى.
موسيقيا، كان الحضور المغربي لافتا ودالا. توقف المتتبعون عند لحظة أداء أغنية «أهل الحال»- وصوت عمر السيد المخترق للمكان- ،لمجموعة ناس الغيوان، باعتبارها لحظة رمزية عالية الدلالة. لم تكن الأغنية الغاية منها استحضار لاسم فني كبير، بل استدعاء لذاكرة مغربية احتجاجية وإنسانية، لطالما عبرت عن هم الناس وصوت الهامش. حضور الغيوان، كما رأت بعض التحليلات، منح الافتتاح عمقا وجدانيا، وربط الفن بالمعنى، والفرجة بالسؤال.
إلى جانب ناس الغيوان، حضر فنانون أفارقة كبار وأيضا فنانون مغاربة مرموقون من مشارب موسيقية مختلفة، في تأكيد واضح على أن المغرب اختار تقديم نفسه بتعدده، لا بنموذج فني واحد. هذا التنوع، المدروس بعناية، عزز فكرة أن الافتتاح لم يكن استعراض أسماء، وإنما بناء رؤية فنية تعكس هوية بلد وقارة في آن واحد.
أما الإعلام المغربي، فتعامل مع الافتتاح باعتباره لحظة اختبار حقيقية للرهان التنظيمي والفني معا. كثير من المقالات شددت على أن الحفل بعث رسالة طمأنة مبكرة بخصوص مستوى البطولة، معتبرة أن ما قدم فنيا يعكس رؤية اشتغلت على التفاصيل، من السينوغرافيا، إلى اختيار الألوان، مرورا بتناسق الرقصات الجماعية، وانتهاء بالانسجام بين الموسيقى التقليدية والتوزيع الحديث.
البعد البصري بدوره حظي باهتمام خاص. محللون كثر اعتبروا أن الإضاءة لعبت دورا سرديا لا يقل أهمية عن الموسيقى، حيث رافقت تطور العرض، وانتقلت بالمشاهد من أجواء طقسية ذات حمولة رمزية، إلى فضاء احتفالي حديث. في لحظات كثيرة، تحول ملعب مولاي عبد الله بالرباط إلى مسرح مفتوح، تتحرك فيه الأجساد كما تتحرك المعاني.
حضور الجمهور شكل عنصرا أساسيا في التغطيات. التفاعل الجماهيري، من هتافات وأعلام وانسجام داخل المدرجات، قدم كجزء من العرض نفسه، لا كخلفية له. هذا التلاحم بين الجمهور والمشهد الفني منح الافتتاح طاقة إضافية، لا يمكن صناعتها تقنيا، وأكد أن الفرجة الحقيقية تولد من الانتماء.
واتفقت أغلب القراءات على أن افتتاح كأس إفريقيا 2025 قدم نموذجا جديدا لحفلات الافتتاح في القارة السمراء. نموذج راهن على بناء معنى فني واضح، يحترم الذاكرة الإفريقية، ويخاطب الحاضر بلغة العصر. افتتاح تجاوز ليكون بداية بطولة، وإنما شكل إعلانا على أن إفريقيا واثقة من صورتها، قادرة على تقديم نفسها للعالم كما تريد، وبصوتها الخاص، دون وسيط.


