اكتشافات أثرية في المغرب تعيد كتابة تاريخ الحياة وترسم خارطة جديدة لتطور البشر -04-

«كمكم».. كنز الديناصورات المدفون في صحراء المغرب

يعد المغرب واحدا من أغنى دول العالم بالمستحاثات، حيث تُخزّن أرضه تاريخا جيولوجيا يمتد لمئات الملايين من السنين، توثق تطور الحياة على كوكب الأرض.
فمن أعماق بحار العصر القديم إلى سهول العصر الطباشيري، ومن آثار الكائنات الدقيقة إلى حفريات الديناصورات، يقدم المغرب نافذة فريدة لاستكشاف العصور السحيقة.
تتميز التكوينات الجيولوجية المغربية بثرائها في أنواع مختلفة من الأحافير، بدءا من التريلوبيتات والأسماك المتحجرة التي تعود إلى العصر الأردوفيشي، وصولا إلى الزواحف البحرية والديناصورات الضخمة من العصر الطباشيري.
وقد كشف العلماء في مواقع مثل طاطا وأرفود وسفوح الأطلس عن حفريات لديناصورات نادرة، مثل “سبينوصور المغرب”، وهو أحد أكبر الديناصورات المفترسة المعروفة.
لكن الاكتشاف الأكثر إثارة كان في جبل إيغود، حيث تم العثور على أقدم بقايا للإنسان العاقل، مما أعاد رسم خارطة تطور البشر.
وتعد الصحراء المغربية مصدرا رئيسيا لمستحاثات بحرية فريدة، مثل الأمونيتات والأسماك المتحجرة، التي تحكي قصة المحيطات القديمة التي غمرت المنطقة.
وبينما يسهم المغرب بشكل بارز في الأبحاث الحفرية العالمية، تواجه هذه الثروة الطبيعية تحديات كبرى، مثل تهريب المستحاثات وغياب قوانين صارمة لحمايتها. ورغم ذلك، فإن استمرار الاكتشافات العلمية في البلاد يجعل من المغرب مختبرا طبيعيًا مفتوحا، يروي فصولا جديدة من قصة الحياة على الأرض.

في قلب الصحراء المغربية، حيث الرمال تكتسح الأفق وتخفي أسرارا تظل مدفونة لآلاف السنين، يقع أحد أهم المواقع الأحفورية في العالم، “تكوين كمكم”. هذه المنطقة الفريدة في الجنوب الشرقي للمغرب شهدت اكتشافات مذهلة حول ديناصورات ضخمة عاشت قبل حوالي 100 مليون سنة، مما غير إلى الأبد فهم العلماء لتاريخ الديناصورات في القارة الإفريقية. ليس فقط أنها قدمت بقايا ديناصورات ضخمة غير معروفة من قبل، بل ألقت الضوء أيضا على بيئات طبيعية قديمة كانت مليئة بالغابات والأنهار، حيث كانت تعيش الزواحف البحرية والأسماك العملاقة.
تعد كمكم من أغنى المواقع الأحفورية في العالم، حيث يتميز تكوينها الجيولوجي بتنوعه الكبير في الطبقات الأرضية التي تحتوي على حفريات تعود إلى العصر الطباشيري العلوي.
هذه الطبقات، التي تحتوي على رواسب نهرية قديمة، تشير إلى أن المنطقة كانت في الماضي موطنا لبيئة خصبة مليئة بالأنهار والغابات. ويعتبر هذا الاكتشاف من أبرز المواقع التي تكشف عن تنوع الحياة التي كانت تسكن الأرض في ذلك الوقت، وخاصة الديناصورات.
من بين الاكتشافات التي حفزت العلماء على إعادة النظر في الفهم التقليدي لتاريخ الديناصورات، كان ظهور سبينوصور المغربي ، الذي يعد من أضخم الديناصورات المفترسة المعروفة، ويتميز بزعنفة ظهرية ضخمة وأقدام مهيئة للسباحة، مما يشير إلى أنه كان ديناصورا شبه مائي.
كما تم اكتشاف كركرودونتوصور ، الذي يعد واحدا من أضخم الديناصورات الآكلة للحوم في العالم، والذي يشبه التيرانوصور ولكن أكبر حجمًا. أما دلتادروميوس ، فقد أضاف بعدا جديدا لفهم السرعة والتكيف في الديناصورات، حيث كان يعتقد أنه من بين أسرع الديناصورات التي عاشت على كوكب الأرض.
إلى جانب ذلك، تم العثور على بقايا زواحف بحرية مثل البليسيوصور والإكتيوصور، التي كانت تمثل البيئة البحرية الغنية التي غطت المنطقة في ذلك الوقت.
تساهم حفريات كمكم في تغيير المفاهيم التقليدية حول تاريخ الحياة على الأرض.
قبل هذه الاكتشافات، كان يعتقد أن إفريقيا كانت فقيرة إلى حد كبير في الديناصورات الضخمة مقارنة بالقارات الأخرى، لكن نتائج الحفريات أكدت عكس ذلك، حيث كانت القارة الإفريقية موطنا لأنواع من الديناصورات التي تتسم بالضخامة والتنوع، وتعيش في بيئات متنوعة، بعضها شبه مائية. كما كشفت هذه الاكتشافات عن الصلات بين ديناصورات إفريقيا ونظيراتها في أمريكا الجنوبية، ما يعزز من فرضية الانجراف القاري وتطور الحياة على الأرض عبر قارات متباعدة.
لكن على الرغم من القيمة العلمية الهائلة لموقع كمكم، فإنه يواجه تهديدات كبيرة قد تؤثر على استمرار هذا التراث الفريد. من أبرز هذه التهديدات التهريب والاتجار غير القانوني بالحفريات، حيث تُباع بعض الأحافير النادرة في الأسواق السوداء الدولية، ما يحرمه من فائدة علمية حقيقية. كما أن التآكل الطبيعي والتغيرات المناخية قد تؤدي إلى تدمير الطبقات الأرضية الغنية بالحفريات التي لم يتم اكتشافها بعد. علاوة على ذلك، يواجه الموقع مشكلة نقص الوعي بين السكان المحليين حول أهمية هذا الموقع التاريخي، ما يعرض بعض المواقع للتدمير بسبب التنقيب العشوائي عن الحفريات.
لحماية هذا الكنز الفريد، يجب اتخاذ العديد من الإجراءات التي تسهم في الحفاظ عليه. من الممكن إنشاء متحف وطني يخصص لعرض حفريات كمكم، مما يساعد في نشر الوعي بأهمية الموقع بين المواطنين والزوار على حد سواء. كما يجب تعزيز القوانين الوطنية والدولية التي تحمي هذه الحفريات من السرقة والاتجار غير القانوني، والعمل على تشجيع البحث العلمي وتوسيع التعاون مع الجامعات والمراكز العلمية الدولية لدراسة الموقع وحفظه.
كمكم ليس مجرد موقع أثري، بل هو نافذة إلى ماضٍ سحيق يكشف عن أسرار كوكب الأرض قبل ملايين السنين.
إذا تم الحفاظ عليه بشكل جيد، فإن اكتشافات جديدة قد تفتح آفاقا واسعة لفهم تطور الحياة على الأرض.
مع مرور الوقت، قد يصبح المغرب مركزا عالميا في علم الحفريات، وتستمر الحفريات في كمكم في إظهار المزيد من الأسرار التي قد تعيد تشكيل فهمنا لحياة الديناصورات على كوكبنا.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 05/03/2025