يعد المغرب واحدا من أغنى دول العالم بالمستحاثات، حيث تُخزّن أرضه تاريخا جيولوجيا يمتد لمئات الملايين من السنين، توثق تطور الحياة على كوكب الأرض.
فمن أعماق بحار العصر القديم إلى سهول العصر الطباشيري، ومن آثار الكائنات الدقيقة إلى حفريات الديناصورات، يقدم المغرب نافذة فريدة لاستكشاف العصور السحيقة.
تتميز التكوينات الجيولوجية المغربية بثرائها في أنواع مختلفة من الأحافير، بدءا من التريلوبيتات والأسماك المتحجرة التي تعود إلى العصر الأردوفيشي، وصولا إلى الزواحف البحرية والديناصورات الضخمة من العصر الطباشيري.
وقد كشف العلماء في مواقع مثل طاطا وأرفود وسفوح الأطلس عن حفريات لديناصورات نادرة، مثل “سبينوصور المغرب”، وهو أحد أكبر الديناصورات المفترسة المعروفة.
لكن الاكتشاف الأكثر إثارة كان في جبل إيغود، حيث تم العثور على أقدم بقايا للإنسان العاقل، مما أعاد رسم خارطة تطور البشر.
وتعد الصحراء المغربية مصدرا رئيسيا لمستحاثات بحرية فريدة، مثل الأمونيتات والأسماك المتحجرة، التي تحكي قصة المحيطات القديمة التي غمرت المنطقة.
وبينما يسهم المغرب بشكل بارز في الأبحاث الحفرية العالمية، تواجه هذه الثروة الطبيعية تحديات كبرى، مثل تهريب المستحاثات وغياب قوانين صارمة لحمايتها. ورغم ذلك، فإن استمرار الاكتشافات العلمية في البلاد يجعل من المغرب مختبرا طبيعيًا مفتوحا، يروي فصولا جديدة من قصة الحياة على الأرض.
في عالم علم الحفريات، تُعتبر الاكتشافات الجديدة بمثابة نوافذ تطل على ماضي الأرض الغامض. في المغرب، حيث تتنوع الحفريات من الديناصورات إلى الكائنات البحرية العملاقة، تم مؤخرًا اكتشاف نوع جديد من الديناصورات المفترسة التي تعيد تشكيل فهمنا لتاريخ هذه الكائنات في إفريقيا.
في عام 2022، اكتشف فريق من الباحثين المغاربة والدوليين حفريات لنوع جديد من الديناصورات المفترسة في منطقة أطلس الصغير بالمغرب. هذا الديناصور، الذي أُطلق عليه اسم “أطلصوروس المغربيّ”، يتميز بخصائص فريدة تجعله مختلفًا عن أي نوع معروف سابقًا، مما يضيف فصلًا جديدًا إلى قصة تطور الديناصورات في إفريقيا.
يتميز “أطلصوروس المغربيّ” ببنية جسمية قوية وأطراف خلفية طويلة، مما يشير إلى أنه كان صيادًا سريعًا ورشيقًا، وقادرًا على مطاردة فرائسه في البيئات المفتوحة التي كانت سائدة في المغرب خلال العصر الطباشيري. كما أظهرت أسنانه أنه كان يعتمد على اللحوم في نظامه الغذائي، مما يجعله واحدًا من أبرز المفترسات في عصره.
هذا الاكتشاف يعكس تنوع الديناصورات المفترسة في إفريقيا خلال العصر الطباشيري، ويعزز الفهم بأن إفريقيا كانت موطنًا لأنواع فريدة من الديناصورات التي تكيفت مع بيئات متنوعة. مع تطور التقنيات العلمية مثل التصوير ثلاثي الأبعاد والتحليل النظائري، أصبح من الممكن دراسة حفريات الديناصورات بدقة غير مسبوقة، مما يسمح بإعادة بناء هيكل الديناصور وفهم كيفية حركته وتفاعله مع بيئته.
رغم التقدم الكبير، يواجه الباحثون تحديات مثل تهريب الحفريات إلى الخارج، مما يؤثر سلبًا على البحث العلمي المحلي. كما أن نقص التمويل والمعدات الحديثة يعد عائقًا رئيسيًا أمام الباحثين المغاربة. مع تزايد الاهتمام الدولي بالحفريات المغربية، تظهر فرص جديدة لتعزيز البحث العلمي، مثل إنشاء مختبرات متخصصة مجهزة بأحدث التقنيات، مما قد يجعل المغرب مركزًا عالميًا لدراسة حفريات الديناصورات.
اكتشاف “أطلصوروس المغربيّ” ليس مجرد إضافة إلى قائمة الديناصورات المعروفة، بل هو دليل على أن إفريقيا كانت موطنًا لأنواع فريدة من هذه الكائنات العملاقة. بفضل هذه الاكتشافات، يمكننا أن نتعلم من الماضي لفهم الحاضر والاستعداد للمستقبل. مع دعم أكبر ووعي أوسع، يمكن للمغرب أن يظل مركزًا عالميًا لعلم الحفريات.