اكتشافات أثرية كبرى بسجلماسة: أقدم مسجد ودار لسكّ النقود يعيدان رسم تاريخ المغرب

في خطوة علمية استثنائية، أعلنت وزارة الشباب والثقافة والتواصل، بتنسيق مع المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث ، عن نتائج تنقيبات أثرية كبرى بمدينة سجلماسة التاريخية، كشفت عن كنوز حضارية غابت لقرون تحت رمال الجنوب الشرقي المغربي.
النتائج، التي وصفت بأنها من بين الأهم خلال العشرين سنة الأخيرة، شملت حيا سكنيا كاملا يعود إلى العصر العلوي، ومجمعا دينيا واسعا تبلغ مساحته 2600 متر مربع يرجح أنه يحتضن أقدم مسجد تم اكتشافه إلى حدود اليوم في المغرب، ويرتبط بعهد أبي المنتصر اليسع المدراري. كما تم العثور على دار لسك النقود ومصنع لصياغة الذهب، في ما يعتبر أول دليل أثري مادي على صناعة النقود الذهبية بالمملكة، ما يعكس بجلاء البعد الاقتصادي المتقدم لمدينة سجلماسة في قلب الصحراء.
هذا الكشف يعيد التأكيد على الأهمية الحضارية لسجلماسة، التي كانت صلة وصل تجارية وروحية بين المغرب وعمقه الإفريقي جنوب الصحراء. وتبرز المعطيات الميدانية واللقى الخزفية والخشبية المنقوشة كيف كانت المدينة مركزا عمرانيا متقدما، يجمع بين خصوصية الفن الإسلامي المحلي وأنماط العيش في البيئات الصحراوية القاسية.
وتأتي هذه الاكتشافات في سياق علمي أوسع يعزز مكانة المغرب كأحد أغنى بلدان العالم في مجال التراث الطبيعي والجيولوجي. فالأرض المغربية، الممتدة من أطلسها إلى صحاريها، تختزن تاريخا جيولوجيا يعود لمئات ملايين السنين، يوثق تطور الحياة على الكوكب، من أعماق بحار العصر القديم إلى براري العصر الطباشيري.
ففي مواقع كطاطا، أرفود، وسفوح الأطلس، عثر العلماء على حفريات ديناصورات نادرة، أبرزها “سبينوصور المغرب”، أحد أضخم الكائنات المفترسة التي عرفها التاريخ الجيولوجي. كما شكل جبل إيغود محطة مفصلية في علم الحفريات، بعدما كشفت تنقيباته عن أقدم بقايا للإنسان العاقل، وهو ما أعاد رسم خارطة تطور الجنس البشري على مستوى العالم.
وتعد الصحراء المغربية اليوم مصدرا ثريا للمستحثات البحرية، كالأمونيتات والأسماك المتحجرة، التي توثق عصورا كانت فيها المحيطات تغمر ما هو اليوم أرض قاحلة. هذا التنوع الفريد يجعل من المغرب مختبرا طبيعيا مفتوحا، يسهم بفعالية في الأبحاث الحفرية العالمية.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 09/08/2025