أجر الإطار يعادل ضعفي أجر الموظف في السلالم الدنيا والفوارق الأجرية تعمّق التفاوت داخل الإدارة
كشف آخر تقرير للموارد البشرية عن وزارة الاقتصاد والمالية أن كلفة الأجور في القطاع العمومي تجاوزت 180,3 مليار درهم برسم سنة 2025، ما يمثل نحو 32,4 في المائة من الميزانية العامة، وقرابة 10,6 في المائة من الناتج الداخلي الخام. وهي نسبة تؤكد استمرار ثقل كتلة الأجور في التوازنات المالية للدولة.
ويفيد التقرير المرافق لمشروع القانون المالي 2026 أن الدولة أصبحت تؤدي اليوم ما يعادل درهما من بين كل ثلاثة دراهم من الميزانية العامة لتغطية نفقات الموظفين، وهو عبء مالي يجعل الأجور تشكل البند الأكثر استنزافا في ميزانية التسيير، بنسبة 59,4 في المائة كمعدل سنوي خلال الفترة الممتدة من 2015 إلى 2025. وتصل حصة هذه النفقات إلى حوالي نصف الموارد العادية للدولة (50,6 في المائة)، مما يقلص هوامش الاستثمار العمومي ويحد من قدرة المالية العامة على تمويل البرامج الاجتماعية الكبرى.
وبحسب معطيات التقرير، بلغ العدد الإجمالي للموظفين المدنيين في الإدارات العمومية 576.062 موظفا خلال سنة 2025، أي بمعدل 16موظفا لكل ألف مواطن، و46 موظفا لكل ألف من الساكنة النشيطة. ويسجل هذا العدد انخفاضا طفيفا مقارنة بسنة 2015 التي بلغ فيها العدد 585.503 موظفا، وهو تراجع يفسره التقرير بتزايد الإحالات على التقاعد وتراجع وتيرة التوظيف المباشر منذ 2016.
أما من حيث توزيع الموظفين حسب الأجر، فيكشف التقرير عن تفاوتات صارخة. إذ يتقاضى نحو 38 في المائة من موظفي الدولة أجورا تقل عن 8.000 درهم شهريا، غالبيتهم ينتمون إلى فئة الأعوان والمساعدين المرتبين في السلم 6 وما يماثله، والذين يبلغ متوسط أجورهم الصافية 5.925 درهما فقط. وتظهر المعطيات أن هذه الفئة، التي تمثل حوالي 12 في المائة من مجموع الموظفين، لا تستفيد سوى من 5,6 في المائة من إجمالي كتلة الأجور، رغم أنها تشكل العمود الفقري لمرافق الدولة الأساسية.
أما الفئة المتوسطة، أي الموظفون المرتبون في السلالم من 7 إلى 9، فتضم حوالي 21 في المائة من مجموع العاملين في الوظيفة العمومية، بمتوسط أجور صافية يصل إلى 7.238 درهما، وتستحوذ على 11,7 في المائة من الكتلة الأجرية. بينما تستأثر فئة الأطر، المرتبين في السلم 10 فما فوق، بأكثر من 82,7 في المائة من كتلة الأجور، رغم أنها تمثل ثلثي الموظفين تقريبا (66,9 في المائة)، بمتوسط شهري صاف يبلغ 12.484 درهما. وهو ما يعني أن أجر الإطار الواحد يساوي تقريبا ضعفي أجر الموظف في السلالم الدنيا.
هذا التفاوت العمودي داخل الهرم الوظيفي يجعل الفوارق الأجرية تتجاوز البعد المالي لتتحول إلى مسألة بنيوية تمس العدالة داخل المرفق العمومي. فبينما لا يتجاوز الأجر الأدنى في القطاع العام 3.500 درهم صافية بعد الرفع الذي أقره الحوار الاجتماعي الأخير، تصل أجور بعض الفئات العليا إلى أكثر من 40.000 درهم شهريا، دون احتساب التعويضات والامتيازات الموازية. ويبرز هذا التفاوت أن الجزء الأكبر من النفقات العمومية موجه إلى فئة محدودة نسبيا، فيما تبقى الفئات الدنيا والمتوسطة في موقع هش داخل سلم الأجور.
ويشير التقرير إلى أن متوسط الأجر الصافي العام بالوظيفة العمومية ارتفع من 7.381 درهم سنة 2015 إلى 10.600 درهم سنة 2025، أي بزيادة قدرها 43,6 في المائة خلال عشر سنوات، بمعدل نمو سنوي يقارب 3,7 في المائة. غير أن هذا التحسن، الذي يعزى بالأساس إلى اتفاقات الحوار الاجتماعي والزيادات الموجهة لفائدة الأطر العليا وموظفي القطاعات الاجتماعية، لم يواكبه تقليص في الفوارق الأجرية أو تحسن ملموس في القدرة الشرائية للفئات الدنيا.
ومن حيث التوزيع القطاعي، تستحوذ ثلاثة قطاعات رئيسية على ما يقارب 75 في المائة من كتلة الأجور، وهي التعليم والصحة والتعليم العالي، بالنظر إلى حجم العاملين بها وطبيعة مهامها الحيوية. ويبلغ عدد موظفي التربية الوطنية وحدها نحو أربعة من كل عشرة موظفين مدنيين، وهو ما يجعل أي زيادة في أجور هذه الفئة تنعكس بشكل فوري على كلفة الأجور الإجمالية للدولة.
ويعزو التقرير استمرار ارتفاع الكتلة الأجرية أيضا إلى توسع قاعدة الأطر العليا بفعل الترقيات وتغير بنية الوظيفة العمومية، إذ ارتفعت نسبة الأطر من 63,7 في المائة سنة 2015 إلى 66,9 في المائة سنة 2025. كما ساهمت الزيادات الأفقية في الأجور وتعويضات المخاطر لبعض الفئات المهنية (الأطباء، الأساتذة الباحثين، الممرضين، المهندسين) في تضخيم الكلفة دون أثر مواز على كتلة العمل المنجزة أو جودة الخدمات العمومية.
وعلى الرغم من هذا العبء، يؤكد التقرير أن نسبة الأجور إلى الناتج الداخلي الخام استقرت في حدود 10,6 في المائة خلال السنوات الأخيرة، وهي نسبة تعكس تحسنا طفيفا مقارنة بذروة 2020 حين بلغت 11,6 في المائة بفعل تراجع النشاط الاقتصادي خلال جائحة كوفيد-19. غير أن هذا «التحسن النسبي»، كما يصفه التقرير، يعود إلى ارتفاع الناتج الداخلي الخام أكثر مما يعكس تحكما فعليا في كتلة الأجور.

